2024-02-20

سياسته وقراراته ستكون تحت المجهر : محافظ البنك المركزي الجديد وتحدّيات كبيرة في انتظاره

يبدو أن مهمة المحافظ الجديد للبنك المركزي فتحي زهير النوري الذي أدى اليمين الخميس المنقضي أمام رئيس الجمهورية، لن تكون سهلة بالمرة بل ومليئة بعديد التحديات والملفات الثقيلة التي عليه معالجتها،وذلك في ظل وضعية صعبة تمر بها البلاد على المستوى المالي والاقتصادي باعتراف المحافظ السابق مروان العباسي نفسه في آخر تصريحاته التي أدلى بها خلال الشهر الجاري، مفادها أن الوضعية تعتبر صعبة نظرا لنسبة الاقتراض المرتفعة ونسبة النمو الضعيفة وضعف الإستثمار، وصعوبة خلق الثروة، وضعف الادخار وتطور التوريد الذي تسبّب في عجز ميزان الدفوعات.

كما تعتبر الوضعية الحالية صعبة أيضا بالإستناد إلى آخر مؤشر أصدره المعهد الوطني للإحصاء حول النمو الاقتصادي الذي قدر بـ 0.4 بالمائة لكامل سنة 2023، في ظل تراجع نسق النمو السنوي لأغلب القطاعات الاقتصادية.ونسبة النمو هذه وصفها أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي بالمخيفة،وتستدعي النظر وتؤكد حجم المخاطر التي تهدد تونس سنة 2024، ألا وهي الانكماش الاقتصادي وتنامي الدين العمومي وتأثيره على ديمومة المالية العمومية..وهشاشة الدولة وعدم القدرة على التحكم في التجارة الموازية والتضخم المالي وتأثيره على تراجع المقدرة الشرائية.ولئن استبشر عدد من الخبراء بتسمية أستاذ جامعي على رأس البنك المركزي التونسي له ما يكفي من الخبرة لشغل هذا المنصب،إلا انهم عبروا في الوقت نفسه عن أملهم بأن يتمكن المحافظ الجديد ومجلس إدارة البنك المركزي من السيطرة خصوصا على التضخم والانخراط الفعلي في سياسة اقتصادية وإصلاح القطاع المصرفي إضافة الى إعادة هيكلة البنك المركزي، وإعادة البريق لعلاقة تونس بالأسواق المالية العالمية.ويرى آخرون أن تعيين فتحي زهير النوري محافظا للبنك المركزي هو تعيين في محله لما يتسم به من اعتدال في التفكير الاقتصادي ورؤية متوازنة في ما يتعلق بالسياسة النقدية.ومن ثمة فإن رفع هذه التحديات من عدمه سيكون مرتبطا أساسا بشخصيته وبرؤيته وبمدى قدرته على مجابهة الضغوط الكبيرة التي ستواجهه في المستقبل.فلا شك أن المحافظ الجديد سيكون تحت مجهر الجميع في الفترة القادمة خبراء اقتصاد وماليين وسياسيين ومتابعين لتقييم أي إجراء سيقوم به.خاصة أن المحافظ السابق لم يكن بمنأى عن الانتقادات اللاذعة التي تم توجيهها له في عديد المناسبات وللبنك المركزي عموما على خلفية سياسته التي يرى كثيرون أنها إقتصرت فقط على الزيادة في نسبة الفائدة الرئيسية بدعوى مكافحة التضخم المالي.غير انها لم تنجح إلا نسبيا في مكافحة هذا التضخم الذي مازال مرتفعا إلى حد ما ولكنها في المقابل أرهقت التونسيين والمؤسسات الاقتصادية وصعبت سبل حصولهم على القروض التي أصبحت ذات نسبة فائدة عالية جدا.وبالتالي أثرت هذه السياسة المعتمدة على النمو الاقتصادي عموما وعلى الاستهلاك و الاستثمار خصوصا، وذلك بالنظر الى أن البنوك وفي ظل استقلالية البنك المركزي باتت تقتصر على اقراض الدولة بنسبة فائدة عالية جدا مما يحقق لها أرباحا جمة أغنتها عن اسداء القروض للمؤسسات الصغرى والمتوسطة ودفع الاستثمار. وبذلك تخلى القطاع البنكي عن أهم ادواره التي هي تمويل الاستثمار والاقتصاد .

لكن الأمر اصبح مختلفا اليوم بعد مصادقة مجلس نواب الشعب على تعديل قانون البنك المركزي والحد من استقلاليته مما يتيح للدولة تسهيلات استثنائية للحصول على قروض من البنوك ميسرة وبدون نسبة فائدة.وهو ما يتماشى مع رؤية السلطة التنفيذية التي ترى انه لا إستقلالية للبنك المركزي عن الدولة وأن هذا الاخير يتمتع باستقلالية في سياساته النقدية فقط والتي يجب أن تنصهر ضمن سياسات الدولة.
فكيف اذن ستكون المآلات في الفترة القادمة خاصة مع هذا القانون الذي سمح للبنك المركزي بتقديم تسهيلات لفائدة الخزينة تقدر بـ7 مليار دينار والذي سيمكن الحكومة من استعمال هذا المبلغ أساسا لتسديد القروض الخارجية.وهذا بدوره يتوقع أن تكون له تداعيات في مستوى انخفاض مخزون تونس من العملة الصعبة وتدهور قيمة الدينار وارتفاع التضخم وحتى على علاقات تونس بالمانحين الدوليين.
ومن ثم فإن إستعمال هذه الآلية على أهميته في هذه الظرفية إلا انه يبقى محفوفا بالمخاطر خاصة إذا تم تكراره وهذا يستدعي وفق الخبراء ضرورة التنسيق الهام بين السلطة النقدية والتنفيذية في إطار توحيد الرؤى من أجل اطلاق إصلاحات عميقة او خطة للإنعاش الاقتصادي ليست أقل من إدخال اصلاح هيكلي على المالية العمومية وتحسين الموارد الذاتية للميزانية عبر دفع النمو الاقتصادي ،وتحسين العلاقات مع المؤسسات المالية وعلى المستوى الثنائي حتى لا تبقى البلاد دون سند خارجي من العملة الصعبة ومواجهة عجز في ميزانية الدولة يجعل اللجوء للبنك المركزي أمرا يتكرر من أجل تمويل هذا العجز سيما في ظل صعوبة النفاذ الى القروض الخارجية لسنة 2024 والتي قدرتها وزارة المالية بمبلغ 16445 مليون دينار من جملة أكثر من 28 مليار دينار قروض لميزانية 2024 ،ومن ثم الغرق في دوامة التداين الداخلي وما لذلك من تبعات خطيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

تراجع العجز التجاري أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي : خطوة مهمة مع ضرورة الانتباه إلى واردات المواد الأولية والمصنّعة

تقلص العجز التجاري التونسي خلال الأشهر الأربعة الاولى من سنة 2024 ليصبح في حدود (4772 -) م…