2024-02-20

في الشأن التربوي : من مهام المنظومة تربية الناشئة على المحافظة على البيئة وحماية المحيط من التلوث

إن ما نشاهده في عديد المناطق في بلادنا من تلوث للبيئة ورمي القمامة في غير أماكنها وتجمع النفايات في وسط المدن، كل ذلك يدعو المنظومة التربوية إلى مزيد العمل على توعية الناشئة بأهمية حماية البيئة واعتبار وظيفة المحافظة عليها وعلى المحيط الذي نعيش فيه معا وظيفة أساسية من وظائف المنظومة خاصة وأن التلوث يعتبر من أهم التحديات التي ينتظر أن يواجهها العالم في المستقبل . فما العمل ؟
من البديهي أن تكوين الناشئة لا يجب أن يقتصر على التعلمات وعلى المعارف وإنما للمدرسة دورا تربويا أساسيا وجوهريا لها أن تضطلع به لبناء مواطن الغد القادر على العيش في وئام وتفاهم وتفاعل مع الآخرين ومع المحيط في ظل فضاء مجتمعي نظيف. إن تربية الناشئة على الأخلاق الحميدة وتنشئتهم على القيم المجتمعية وعلى السلوكات القويمة وعلى تحمل المسؤولية في المجتمع، يفترض حتما تدريبهم على القيم التي تخدم المجموعة ومن بينها المحافظة على المحيط بما يوفر للمواطن رفاهة في العيش في الفضاء الحيوي الذي يعيش فيه لنحصل في النهاية على تنمية بيئية شاملة لفائدة الجميع .
لذلك يؤكد الباحثون في هذا المجال أن أزمة البيئة والمحيط التي تعاني منها الإنسانية اليوم مردّها كما قال الباحث في المجال « دومينيك باشلار» ( 2006)، انقطاع الرابط بين الإنسان والمجتمع والطبيعة مما أضعف التفاعل بين الانسان ومحيطه لأنه لم يعد يولي الأهمية اللازمة للمحيط الذي يعيش فيه .

التربية على البيئة

إن الاهتمام بهذه المسألة في المدرسة لا يقوم على تقديم المعارف والمعلومات النظرية للناشئة أو على تغيير تمثلاتهم للمسألة أو تهذيب سلوكاتهم فحسب، وإنما يقوم أساسا على ممارسة ما يقدم لهم في الواقع . إن اعتماد الممارسة هي أفضل طريقة تجعل من الناشئة يتشبعون بموضوع المحافظة على البيئة والمحيط ويستبطنونه إلى درجة الشعور بالانتشاء الشخصي عند القيام به. وهو ما يطور العلاقة بين الناشئة والمحيط الذي يعيشون فيه لتصبح علاقة محبة وعشق تطور فيه دافعيته للتعلم وتدعم تكوينه .
ورغم أن منظومتنا التربوية وفرت في برامجها منذ عدة سنوات حيزا هاما لتربية الناشئة على حفظ البيئة وحماية المحيط وذلك من خلال التعلَمات والنوادي والأنشطة الموازية أو البرامج الخصوصية، فإننا ما نزال نلاحظ في مجتمعنا اعتداء على البيئة وعدم اهتمام المواطن بالمحيط حتى أصبحت معضلة في عدة مناطق من البلاد . لذلك فإن مواصلة العمل مع الناشئة وتطوير الأنشطة التي تنشر الوعي البيئي بينهم وتربيهم على احترام البيئة والمحيط هو الحل لبناء مواطن مسؤول في هذا الإطار يعمل على العيش في بيئة نظيفة يتصدى فيها لكل ما يعكر نظافتها مما يساهم في تأمين مستقبل مستدام لبلادنا .

حماية البيئة وفق مفهوم شامل

إننا لا ندعو إلى تربية الناشئة على حماية البيئة والمحافظة على المحيط من التلوث فحسب وإنما الأمر يتعلق بمفهوم أشمل من ذلك وهو ما يطلق عليه تسمية البيئة الشاملة . لذلك فإن تربية الطفل على مفاهيم البيئة الشاملة يتطلب أن يشمل إضافة إلى موضوع التلوث بالنفايات المنزلية وبانتشار المواد البلاستيكية وغيرها ، مسائل أخرى مهمة جدا مثل الاحتباس الحراري ومشاكله ويوضح للناشئة أنه ناتج عن النشاط الإنساني غير المقنن المسبب لتآكل طبقة الأوزون الحامية للأرض مما يسبب ارتفاع درجة الحرارة على الأرض ويزيد من حدوث الفيضانات .. وهو ما يتسبب بدوره في تدهور حالة الأراضي الفلاحية وخصوبتها ويزداد ذلك التدهور من جراء الأمطار الحمضية الملوثة التي تسقط عليها وهو ما يؤثر سلبا أيضا على المائدة المائية الجوفية وبالتالي على مياه الشراب والري التي يحتاجها الإنسان .

ومن أنواع التلوث التي علينا توعية الناشئة بها تلوث الهواء بفعل المواد الملوثة التي تنبعث من الأنشطة الإنسانية على الأرض كتلك المنبعثة من السيارات أو المصانع أو المياه المستعملة وغيرها مما يؤثر سلبا على الكائنات وخاصة من خلال استعمال مياه الأمطار أو المياه المستعملة غير المعالجة . كما علينا ألا نغفل عن التلوث البحري الذي تنجر عنه أمراض تصيب مستعمليه في السباحة كما تصيب الكائنات التي تعيش فيه مما يلوث المنتجات البحرية التي يصبح استهلاكها مضرّا بصحة الإنسان .

وأخيرا فالمطلوب تنبيه الناشئة إلى أهمية البيئة الطبيعية في بلادنا وحثهم على الحرص على المحافظة عليها وحمايتها من التلوث ورعايتها مثل الحدائق والمحميات الطبيعية والغابات والواحات.
إن اعتمادنا على هذه المقاربة يسمح لنا بتربية الناشئة على أسلوب عيش مغاير وعلى سلوكات تركز على حسن التصرف في الموارد المتاحة والمحدودة بطبعها وتحفز على نمط استهلاك جديد مراع للبيئة وعلى أنشطة لا تسبب تدهور المحيط . ويكون ذلك بإدماج مسألة الحفاظ على البيئة والمحيط كمسألة أساسية في كل البرامج والتعلمات والأنشطة في النوادي بناء على المفاهيم البيئية الأساسية وعلى مفهوم الاستدامة والشمول البيئي التي يتم توعيتهم بها من خلال أنشطة ميدانية يتعامل معها الناشئة مباشرة ليكتشفوا الهدف من هذه المقاربة ويقتنعوا بأهميتها.

إننا لا يمكن أن نطور عقلية الناشئة تجاه مخاطر التلوث البيئي ولا يمكن تطوير سلوكاتهم تجاهها إلا باستعمال التمشي الميداني الديناميكي الذي أشرنا إليه وليس من خلال التكوين النظري أو الاطلاع على الأدلة التحسيسية وذلك بالتفاعل وبالشراكة مع الفاعلين في الميدان ومع مدرّسيهم بعد تكوينهم في المجال. وسيفتح هذا التمشي أعينهم على المخاطر التي أشرنا إليها ويطور لديهم المسؤولية البيئية وهي الهدف الأساسي من مقاربة التربية على البيئة وحماية المحيط.
(❊)باحث وخبير في الشأن التربوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

اليوم العالمي للمدرّسين 2024 : المدرّس هو القلب النابض للعقد الاجتماعي الجديد   

أقرت اليونسكو منذ سنة 1994 بتوصية مشتركة مع منظمة العمل الدولية تقليدا مهما بالنسبة للتعلي…