كيف ستُقدم الحكومة على مستحقات السنة الحالية والقادمة: بين أرقام مركز الإحصاء وخطاب التفاؤل بون شاسع..!
زيارات مكوكية لا تنقطع، ومحاولات لا نعرف جدواها وحقيقة ما يجري فيها، وتقاسم أدوار قد تكون له نتائج ايجابية على وضع الحكومة المقبلة على سنة ادارية صعبة وتزداد صعوبة مع زيادة المصاريف، خاصة اذا ما قررت الدخول فعلا في مرحلة انجاز المشاريع الإصلاحية التي أمر بها رئيس الجمهورية كإصلاح معمل الفولاذ والسكّر والحلفاء ومسبح البلفيدير ومصانع الأدوية بجبل الجلود وغيرها من المشاريع التي تحتاج الى سيولة كبيرة.
الفريق الحكومي الذي تقاسم المهام، ما بين رحلات امكوكيةب لا تتوقف لرئيس الحكومة أحمد الحشاني ووزير الخارجية نبيل عمّار، يجوبان خلالها عواصم العالم من أقصاها الى أدناها ومن أفقرها الى أغناها، في الوقت نفسه اختار الثلاثي النسائي القوي، وزيرة المالية ووزيرة العدل ووزيرة الاقتصاد التمترس هنا في تونس والبقاء في مواكبة دقيقة لكل المستجدات، خاصة المالية منها، أو ما يمكن أن يمدّ الخزينة بكل سيولة ممكنة.
ولئن كان الفريق الثاني، النسائي، قد حقق بعض المكاسب الظاهرة للعيان، خصوصا في مسألة مداخيل الضرائب التي ارتفعت بشكل ملحوظ وتمكنت من سدّ عجز الخزينة العامة، أو كذلك بالنسبة للضغط على القطاع البنكي، الذي وفّر أيضا مداخيل اضافية يمكنها ان تمد هذه الخزينة بجرعات أوكسيجان، مثلها مثل القرض الرقاعي، وما قد يتأتى من الصلح الجزائي ومن التتبعات ضد بعض الأثرياء الفاسدين.
ويبدو أن زيارات رئيس الحكومة ووزير الخارجية ستبقى في إطار دفع العلاقات الدبلوماسية والتأسيس لشراكات مستقبلية.
ورغم صعوبة السنة التي نستهلها الآن، والسنة التي تليها، على المستوى الاقتصادي، خاصة بالنظر إلى عدم وجود مستجدات يمكن التعويل عليها، كعودة الفسفاط الى سالف معدلاته مثلا، او ارتفاع انتاج النفط، او صابة فلاحية وفيرة وامطار غزيرة، الا ان الحكومة تبدو متفائلة، وعازمة على المضي قدما بنفس السياسات السابقة، التي قضّت بها السنتين الماضيتين، والتي تعتمد خاصة على المداخيل الضريبية والتعويل على الموارد الذاتية والاقتراض من الداخل، وسداد أكبر ما يمكن من ديون الخارج والداخل أيضا.
وهي سياسة تبدو مرهقة للفريق الحكومي، الذي بات يشتغل دون اسناد قوي من قرض خارجي مثلا او اطمئنان لوجود سيولة متوفرة بأحجام كبيرة كما في السابق، الا انه يواصل الاشتغال، وبإشراف مباشر من رئيس الدولة الذي يتابع كل صغيرة وكبيرة، ويلتقي أعضاء الحكومة، كل على حدة او أزواجا او مجتمعين، بشكل يومي، ويسدي تعليماته ويراقب تقدم الأشغال في كل مجال.
في المقابل نجد أن أرقام المركز الوطني للإحصاء التي صدرت مؤخرا، لا تبدو في نفس درجة التفاؤل الذي يسود الخطاب الحكومي، وخصوصا الرئاسي.
فقد تم تسجيل ارتفاع في نسبة البطالة لتبلغ 16.4 بالمائة، كما أن نسبة النمو لم تتجاوز 0.4، ولم تكن هناك من مؤشرات ايجابية الا ربما في مسألة ايفاء تونس بكل المستحقات التي عليها للخارج خلال السنة الفارطة.
في الوقت نفسه قال مدير الشركة الوطنية للمقاصة ان عملية الاكتتاب في القرض الرقاعي قد حققت أهدافها وأكثر من أهدافها، وانها وفرت لخزينة الدولة عائدات مهمة بنسبة 133 في المائة مما كانت طلبته عند طرح الاكتتاب.
كل هذه المعطيات والمؤشرات تدفعنا الى التساؤل حول مدى امكانية نجاح حكومة الحشاني في تجاوز صعوبات السنة الحالية والقادمة، اذا ما تواصلت نفس الظروف الصعبة التي تحيط بالاقتصاد الوطني منذ السنة الفارطة؟ وهل تقدر الضرائب والقروض الداخلية على الحفاظ على تماسك الخزينة العامة امام كثرة مستلزمات الصرف التي تنتظرها؟
متى تعي الهياكل أننا بتنا في أمسّ الحاجة لهكذا رؤية: من أجل نموذج فلاحي ملائم للتغيرات المناخية ومخاطر ندرة المياه
رغم توالي سنوات الجفاف، ورغم تحوّل المياه في بلادنا تدريجيا الى عملة نادرة، لا تزال كثير …