2024-02-18

عودة‭ ‬الجدل‭ ‬البرلماني‭ ‬حول‭ ‬المرسوم‭ ‬عدد‭ ‬88‭ ‬المنظم‭ ‬للجمعيات‭:‬ التعديل‭ ‬ضروري‭ ‬دون‭ ‬إفراط‭ ‬أو‭ ‬تفريط‭..!‬

عاد‭ ‬جدل‭ ‬ملف‭ ‬الجمعيات‭ ‬والتنظم‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬إلى‭ ‬دائرة‭ ‬الضوء‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬مبادرة‭ ‬تشريعية‭ ‬اقترحها‭ ‬ثلة‭ ‬من‭ ‬النواب‭ ‬بالبرلمان‭ ‬حول‭ ‬تنقيح‭ ‬المرسوم‭ ‬عدد‭ ‬88‭ ‬المنظم‭ ‬للجمعيات‭.‬

ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬أن‭ ‬ينطلق‭ ‬جدل‭ ‬بهذا‭ ‬الخصوص‭ ‬حول‭ ‬الجمعيات‭ ‬لاسيما‭ ‬وأن‭ ‬أعدادها‭ ‬تنامت‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬مستفيدة‭ ‬من‭ ‬مناخات‭ ‬الحرية‭. ‬

ويبلغ‭ ‬الجدل‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬ذروته‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قدم‭ ‬ثلة‭ ‬من‭ ‬النواب‭ ‬مبادرة‭ ‬جدية‭ ‬بخصوص‭ ‬تنقيح‭ ‬المرسوم‭ ‬المذكور‭ ‬أعلاه‭ ‬كما‭ ‬تتواتر‭ ‬بعض‭ ‬الأخبار‭ ‬منذ‭ ‬حوالي‭ ‬سنتين‭ ‬عن‭ ‬نية‭ ‬الحكومة‭ ‬القيام‭ ‬بتعديلات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬التشريعي‭.‬

وسرعان‭ ‬ما‭ ‬تعالت‭ ‬أصوات‭ ‬تقول‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬ااستهدافب‭ ‬مباشر‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬السلطة‭ ‬التنفيذية‭ ‬أو‭ ‬التشريعية‭ ‬للجمعيات‭ ‬والهيئات‭ ‬والأجسام‭ ‬الوسيطة‭ ‬إجمالا‭. ‬

وترى‭ ‬هذه‭ ‬الأصوات‭ ‬المنادية‭ ‬بالإبقاء‭ ‬على‭ ‬المرسوم‭ ‬88‭ ‬دون‭ ‬تغيير‭ ‬أو‭ ‬تنقيح‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬مساس‭ ‬بهذا‭ ‬النص‭ ‬التشريعي‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يمنح‭ ‬السلطة‭ ‬سيطرة‭ ‬على‭ ‬الجمعيات‭ ‬وبالتالي‭ ‬يتم‭ ‬تضييق‭ ‬الخناق‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬وتحجيم‭ ‬دوره‭. ‬

وعلى‭ ‬طرفي‭ ‬نقيض‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬يقف‭ ‬النواب‭ ‬الذين‭ ‬قدموا‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬لتنقيح‭ ‬المرسوم‭ ‬عدد‭ ‬88‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬يؤيدونهم‭ ‬ويرون‭ ‬أنه‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬تغيير‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬التشريعي‭  ‬مع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬البنود‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬الاتفاق‭ ‬بشأنها‭ ‬لكن‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬تفعيل‭ ‬الآليات‭ ‬الرقابية‭ ‬على‭ ‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬والجمعيات‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتمويلها‭ ‬الأجنبي‭ ‬و‭ ‬ضرورة‭ ‬التحلي‭ ‬بالشفافية‭ ‬المالية‭ ‬المطلوبة‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬علاقتها‭ ‬بالفعل‭ ‬السياسي‭ ‬والتداخل‭ ‬بين‭ ‬الحزبي‭ ‬والعمل‭ ‬الجمعياتي‭ ‬أو‭ ‬بخصوص‭ ‬كذلك‭  ‬مسألة‭ ‬مناشط‭ ‬بعض‭ ‬الجمعيات‭ ‬التي‭ ‬تثير‭ ‬الريبة‭ ‬والتي‭ ‬يتدثر‭ ‬أغلبها‭ ‬بالعمل‭ ‬الخيري‭ ‬لكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬يعلن‭ ‬عن‭ ‬عناوين‭ ‬أخرى‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬علينا‭ ‬الاعتراف‭ ‬بأن‭ ‬تناسل‭ ‬الجمعيات‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬مرتبك‭ ‬كانت‭ ‬فيه‭ ‬الدولة‭ ‬تترنح‭ ‬وكانت‭ ‬عديد‭ ‬التشريعات‭ ‬تقدّ‭ ‬على‭ ‬مقاس‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬السلطة‭. ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يجعلنا‭ ‬نغفل‭ ‬عن‭ ‬المكاسب‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬تحققت‭ ‬لفائدة‭ ‬بلادنا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الحريات‭ ‬السياسية‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬حرية‭ ‬التنظم‭ ‬والنشاط‭ ‬المدني‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬خلق‭ ‬حراكا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬في‭ ‬تونس‭.‬

وعلى‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭ ‬تقتضي‭ ‬الحكمة‭ ‬الوقوف‭ ‬موقفا‭ ‬عقلانيا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الجدل‭ ‬الدائر‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬أروقة‭ ‬البرلمان‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬العام‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬المنابر‭ ‬الإعلامية‭ ‬وحتى‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭. ‬

وتفصيل‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬مركزية‭ ‬هي‭ ‬ضرورة‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬المكسب‭ ‬المهم‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬باعتبارها‭ ‬رافدا‭ ‬من‭ ‬روافد‭ ‬النظام‭ ‬الديمقراطي‭ ‬بل‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬تطويره‭ ‬وتعزيز‭ ‬مناشطه‭ ‬وجعله‭ ‬معاضدا‭ ‬لجهود‭ ‬الدولة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والتنموي‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الأدوار‭ ‬المركزية‭ ‬التي‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يلعبها‭.‬

وفي‭ ‬السياق‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬أن‭ ‬تفعّل‭ ‬الآليات‭ ‬الرقابية‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأجسام‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬منفلتة‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬عقال‭ ‬وهنا‭ ‬علينا‭ ‬جميعا‭ ‬ان‭ ‬نتذكر‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬جمعيات‭ ‬كانت‭ ‬ضلعا‭ ‬من‭ ‬أضلاع‭ ‬الإرهاب‭ ‬ومغذّية‭ ‬له‭ ‬سواء‭ ‬بالتمويل‭ ‬أو‭ ‬بالتحريض‭ ‬وغسل‭ ‬الأدمغة‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬تأكد‭ ‬ضلوعها‭ ‬في‭ ‬هجمات‭ ‬إرهابية‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬تأسست‭ ‬تحت‭ ‬غطاء‭ ‬ديني‭ ‬أو‭ ‬خيري‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬جمعيات‭ ‬أخرى‭ ‬نشأت‭  ‬تحت‭ ‬يافطات‭ ‬إنسانية‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬محاربة‭ ‬بعض‭ ‬الأمراض‭ ‬أو‭ ‬رعاية‭ ‬الطفولة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المناشط‭ ‬ثم‭ ‬أصبحت‭ ‬داعمة‭ ‬لقضايا‭ ‬مختلف‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬توطين‭ ‬الأفارقة‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬أو‭ ‬دعوات‭ ‬انفصالية‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬عرقي‭ ‬أو‭ ‬اثني‭. ‬

ولا‭ ‬ينبغي‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬نتغافل‭ ‬عن‭ ‬الجمعيات‭ ‬التي‭ ‬ولدت‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬العمل‭ ‬الخيري‭ ‬وحدث‭ ‬زواج‭ ‬متعة‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬الإعلام‭ ‬ثم‭ ‬السياسة‭ ‬وقادت‭ ‬احد‭ ‬الفاعلين‭ ‬السياسيين‭ ‬إلى‭ ‬السباق‭ ‬الانتخابي‭ ‬كما‭ ‬نتذكر‭ ‬جميعا‭ ‬وبسبب‭ ‬تدخلها‭ ‬المباشر‭ ‬ساهمت‭ ‬بعض‭ ‬الجمعيات‭ ‬في‭ ‬وصول‭ ‬نواب‭ ‬إلى‭ ‬رحاب‭ ‬البرلمان‭.‬

وهذا‭ ‬مكمن‭ ‬الخطر‭ ‬ولهذا‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬تشريع‭ ‬سواء‭ ‬بتنقيح‭ ‬النص‭ ‬المذكور‭ ‬أو‭ ‬بتغييره‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬بالإبقاء‭ ‬عليه‭ ‬وإضافة‭ ‬نص‭ ‬رديف‭ ‬له‭ ‬يضع‭ ‬كل‭ ‬النقاط‭ ‬على‭ ‬الحروف‭ ‬ويحمّل‭ ‬المسؤوليات‭ ‬بدقة‭ ‬لأصحابها‭ ‬حتى‭ ‬يتبين‭ ‬الخيط‭ ‬الأبيض‭ ‬من‭ ‬الخيط‭ ‬الأسود‭. ‬

فلابد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬آليات‭ ‬رقابية‭ ‬دقيقة‭ ‬وناجعة‭ ‬في‭ ‬مصادر‭ ‬التمويل‭ ‬الأجنبي‭ ‬ومصارفها‭ ‬أيضا‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬تحديد‭ ‬واضح‭ ‬وجلي‭  ‬لبطاقة‭ ‬تعريف‭ ‬هذه‭ ‬الجمعيات‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تتأسس‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬هووي‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬دينيا‭ ‬أو‭ ‬عرقيا‭ ‬أو‭ ‬طائفيا‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬ان‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬الأحزاب‭ ‬كذلك‭. ‬دون‭ ‬ان‭ ‬ننسى‭ ‬ضرورة‭ ‬وجود‭ ‬شفافية‭ ‬بشأن‭ ‬ارتباطات‭ ‬هذه‭ ‬الجمعيات‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الدولي‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬نصطدم‭  ‬بوجود‭ ‬جمعية‭ ‬تنشط‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬ولها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬ارتباط‭ ‬بدوائر‭ ‬صهيونية‭.‬

إذن‭ ‬تقتضي‭ ‬المرحلة‭ ‬مغادرة‭ ‬الجدل‭ ‬العقيم‭ ‬بشأن‭  ‬ملف‭ ‬الجمعيات‭ ‬والتشريعات‭ ‬المؤطرة‭ ‬له‭ ‬وهو‭ ‬جدل‭ ‬يتحرك‭ ‬من‭ ‬يخوضه‭ ‬في‭ ‬مربع‭ ‬التموقع‭ ‬والمصالح‭ ‬الفردية‭ ‬إلى‭ ‬نقاش‭ ‬عام‭ ‬ثري‭ ‬يخدم‭ ‬المسار‭ ‬الديمقراطي‭ ‬ولا‭ ‬يضر‭  ‬بالمصالح‭ ‬العليا‭ ‬لتونس‭ ‬وأمنها‭  ‬القومي‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إلى مراكز النفوذ في الغرب وتحديدا فرنسا بعد أن سقطت أقنعتها: تونس ليست ملفا حقوقيا..!

من المعلوم ان علاقة تونس بالآخر الغربي متعددة الأبعاد والتقاطعات بين النخب الغربية والفرنس…