عودة الجدل البرلماني حول المرسوم عدد 88 المنظم للجمعيات: التعديل ضروري دون إفراط أو تفريط..!
عاد جدل ملف الجمعيات والتنظم في المجتمع المدني إلى دائرة الضوء من جديد، وذلك في سياق مبادرة تشريعية اقترحها ثلة من النواب بالبرلمان حول تنقيح المرسوم عدد 88 المنظم للجمعيات.
ومن الطبيعي في هذا السياق أن ينطلق جدل بهذا الخصوص حول الجمعيات لاسيما وأن أعدادها تنامت بشكل كبير بعد الثورة مستفيدة من مناخات الحرية.
ويبلغ الجدل هذه الأيام ذروته بعد أن قدم ثلة من النواب مبادرة جدية بخصوص تنقيح المرسوم المذكور أعلاه كما تتواتر بعض الأخبار منذ حوالي سنتين عن نية الحكومة القيام بتعديلات في هذا النص التشريعي.
وسرعان ما تعالت أصوات تقول بأن هذا ااستهدافب مباشر سواء من قبل السلطة التنفيذية أو التشريعية للجمعيات والهيئات والأجسام الوسيطة إجمالا.
وترى هذه الأصوات المنادية بالإبقاء على المرسوم 88 دون تغيير أو تنقيح أن أي مساس بهذا النص التشريعي من شأنه أن يمنح السلطة سيطرة على الجمعيات وبالتالي يتم تضييق الخناق على المجتمع المدني وتحجيم دوره.
وعلى طرفي نقيض من هذه الرؤية يقف النواب الذين قدموا هذه المبادرة لتنقيح المرسوم عدد 88 وكل من يؤيدونهم ويرون أنه لابد من تغيير هذا النص التشريعي مع الحفاظ على بعض البنود التي يمكن الاتفاق بشأنها لكن لابد من تفعيل الآليات الرقابية على منظمات المجتمع المدني والجمعيات سواء في ما يتعلق بتمويلها الأجنبي و ضرورة التحلي بالشفافية المالية المطلوبة أو من حيث علاقتها بالفعل السياسي والتداخل بين الحزبي والعمل الجمعياتي أو بخصوص كذلك مسألة مناشط بعض الجمعيات التي تثير الريبة والتي يتدثر أغلبها بالعمل الخيري لكن سرعان ما يعلن عن عناوين أخرى.
وفي هذا الإطار علينا الاعتراف بأن تناسل الجمعيات في تونس جاء في سياق مرتبك كانت فيه الدولة تترنح وكانت عديد التشريعات تقدّ على مقاس من هم في السلطة. لكن هذا لا يجعلنا نغفل عن المكاسب المهمة التي تحققت لفائدة بلادنا في مجال الحريات السياسية ومن بينها حرية التنظم والنشاط المدني وهو ما خلق حراكا غير مسبوق في تونس.
وعلى هذا الأساس تقتضي الحكمة الوقوف موقفا عقلانيا من هذا الجدل الدائر سواء في أروقة البرلمان أو في الفضاء العام أو في المنابر الإعلامية وحتى على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتفصيل هذا الموقف يقوم على فكرة مركزية هي ضرورة المحافظة على المكسب المهم المتمثل في منظمات المجتمع المدني باعتبارها رافدا من روافد النظام الديمقراطي بل لابد من تطويره وتعزيز مناشطه وجعله معاضدا لجهود الدولة خاصة في المجال الاجتماعي والتنموي وهذا من أهم الأدوار المركزية التي عليه أن يلعبها.
وفي السياق نفسه على الدولة أن تفعّل الآليات الرقابية على هذه الأجسام حتى لا تكون منفلتة من أي عقال وهنا علينا جميعا ان نتذكر ان هناك جمعيات كانت ضلعا من أضلاع الإرهاب ومغذّية له سواء بالتمويل أو بالتحريض وغسل الأدمغة وقد تم تأكد ضلوعها في هجمات إرهابية بشكل مباشر أو غير مباشر رغم أنها تأسست تحت غطاء ديني أو خيري.
كما أن هناك جمعيات أخرى نشأت تحت يافطات إنسانية على غرار محاربة بعض الأمراض أو رعاية الطفولة وغيرها من المناشط ثم أصبحت داعمة لقضايا مختلف عليها من قبيل توطين الأفارقة جنوب الصحراء في تونس أو دعوات انفصالية على أساس عرقي أو اثني.
ولا ينبغي أيضا أن نتغافل عن الجمعيات التي ولدت من رحم العمل الخيري وحدث زواج متعة بينها وبين الإعلام ثم السياسة وقادت احد الفاعلين السياسيين إلى السباق الانتخابي كما نتذكر جميعا وبسبب تدخلها المباشر ساهمت بعض الجمعيات في وصول نواب إلى رحاب البرلمان.
وهذا مكمن الخطر ولهذا لا بدّ من تشريع سواء بتنقيح النص المذكور أو بتغييره أو حتى بالإبقاء عليه وإضافة نص رديف له يضع كل النقاط على الحروف ويحمّل المسؤوليات بدقة لأصحابها حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
فلابد أن تكون هناك آليات رقابية دقيقة وناجعة في مصادر التمويل الأجنبي ومصارفها أيضا ولابد من تحديد واضح وجلي لبطاقة تعريف هذه الجمعيات حتى لا تتأسس على أساس هووي سواء كان دينيا أو عرقيا أو طائفيا وهذا من المفروض ان ينطبق على الأحزاب كذلك. دون ان ننسى ضرورة وجود شفافية بشأن ارتباطات هذه الجمعيات على الصعيد الدولي حتى لا نصطدم بوجود جمعية تنشط في بلادنا ولها على سبيل المثال ارتباط بدوائر صهيونية.
إذن تقتضي المرحلة مغادرة الجدل العقيم بشأن ملف الجمعيات والتشريعات المؤطرة له وهو جدل يتحرك من يخوضه في مربع التموقع والمصالح الفردية إلى نقاش عام ثري يخدم المسار الديمقراطي ولا يضر بالمصالح العليا لتونس وأمنها القومي في المقام الأول.
مشاركة تونس في القمة الفرنكوفونية بباريس: نحو ترسيخ العلاقات والبحث عن آفاق جديدة
تسعى تونس جاهدة منذ فترة إلى توسيع شراكاتها وترسيخ علاقاتها مع محيطها الإقليمي والدولي عبر…