تستعد هذه الأيام كافة الأطراف وفي مقدمتها الأجهزة الرسمية للدولة من وزارات وإدارات ومنشآت عمومية بالتوازي مع منظمات المجتمع المدني التي تعنى بالدفاع عن المستهلك لوضع اللمسات الأخيرة على آخر الاستعدادات لشهر رمضان المعظم الذي لا يفصلنا عنه إلا أقل من شهر تقريبا والحرص على ضمان توفّر جل المواد الأساسية التي يحتاجها المواطن التونسي وبأسعار معقولة وفي المتناول.

وأمام تواصل فقدان بعض المواد الأساسية من أغلب الأسواق ومناطق الجمهورية فإنّه على الدولة وأجهزتها المعنية وفي مقدمتها وزارة التجارة والديوان التونسي للتجارة ووزارة الفلاحة التدخّل العاجل وضبط برنامج محكم لتعديل السوق سواء في علاقة بالمواد الأساسية التي تشهد نقصا أو ندرة أو توفر بقية المواد ذات الإقبال المرتفع في شهر رمضان أو في علاقة بتكثيف عمل اللجان المشتركة للمراقبة الاقتصادية والتجارية لضمان حسن التحكم في الأسعار والتصدي للمحتكرين والمضاربين الذي يستغلون مثل هذا الشهر المعظم للسعي إلى تحقيق الربح السريع والعبث بقوت «التوانسة».

إن أغلب المؤشرات والمعطيات تفيد بأن شهر رمضان المعظم لهذه السنة من المتوقع أن يكون استثنائيا باعتبار الارتفاع المشط لأسعار الخضر والغلال واللحوم بمختلف أنواعها وغيرها من المواد التي يقبل على استهلاكها المواطن التونسي وتندرج ضمن تقاليده الغذائية والاستهلاكية، فتقريبا بخلاف بعض الاستثناءات فان ارتفاع الأسعار شمل أغلب المواد وهو ما من شأنه ـ في حال تواصله أي ارتفاع الأسعار ـ أن يساهم في مزيد الضغط على المواطن والرفع من معاناته اليومية وتكبده عناء ارتفاع الأسعار ومشقة تحصيل «قفة رمضان» التي يمكن أن تصبح في هذه الحالة وبالشكل الذي نشاهده هذه الأيام «كابوسا» يؤرق أغلب العائلات التونسية حتى تلك «المترفهة نسبيا» في وقت ينتظر فيه المواطن الاستجابة لأبسط انتظاراته والمتعلقة بضمان الحد الأدنى لمسايرة معيشه اليومي وتوفير قوت العائلة وذلك بالتخفيض في الأسعار (وخاصة أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء والخضر والغلال) أو في أقل الحالات تجميدها بالضغط عليها والتصدي للمحتكرين.

إن ما أقرّه المجلس الوزاري المضيّق الثلاثاء الفارط، استعدادا لشهر رمضان لسنة 2024 مهم ومعقول ويندرج ضمن استعدادات الوزارات المعنية وبرامجها لهذا الشهر المعظم وخاصة تلك المتعلقة بإقرار جملة من المساعدات المالية بمناسبة شهر رمضان لفائدة العائلات المعوزة في حدود 60 دينارا لفائدة 340 ألف عائلة، بمبلغ جملي يساوي 20.4 م.د، مع إقرار منح نفس قيمة المساعدة بمناسبة عيد الفطر أوالترفيع في قيمة تكلفة قفة رمضان لفائدة العائلات محدودة الدخل غير المنتفعة بمنحة إلى حدود 100 دينار بمبلغ إجمالي قدره 4.5 م.د، بالإضافة إلى الترفيع في عدد المنتفعين ببرنامج تدخلات الاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي.

كما قامت مختلف الوزارات المعنية وفق ما جاء في بلاغ رئاسة الحكومة المتعلق بالمجلس الوزاري المضيّق للثلاثاء الفارط  ـ وهو أمر روتيني تقني مرتبط بتغيير برامج الوزارات في كل شهر رمضان ـ بضبط كافة برامجها الاستثنائية بخصوص شهر رمضان في علاقة بتعديل رزنامة السفرات والمراقبة الأمنية ورفع درجات اليقظة وتكثيف وتنويع البرامج الدينية وتنويع البرامج الثقافية  (مع الأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الإنسانية في الأراضي الفلسطينية).

كما تم خلال المجلس الوزاري المضيّق التأكيد على ضرورة اتخاذ كافة الإجراءات لتأمين تزويد السوق بالمواد الأساسية ومزيد إحكام التنسيق بين مختلف الأطراف المعنية، وتكثيف فرق المراقبة الاقتصادية، من خلال توخّي المتابعة اليومية لتطور مؤشرات السوق والحفاظ على شفافية المعاملات والتصدي لمختلف مظاهر الاحتكار،بالتوازي مع تكثيف نقاط البيع من المنتج إلى المستهلك بكامل الولايات التونسية ومراقبة سلامة المنتجات الغذائية. 

وبالتوازي مع البرامج التقنية السنوية للوزارات والتي تشهد تغييرا جذريا  في عملها وبرمجتها كل شهر رمضان وخاصة وزارة الداخلية والشؤون الاجتماعية والنقل والشؤون الدينية والثقافة والتجارة والفلاحة والسياحة والصحة فان حال المواطن التونسي نعلمه جميعا ونعيش على وقعه يوميا، بل نعيشه نحن أيضا كل من موقعه ونعلم تفاصيل المعاناة اليومية وتفاصيل الأسعار ومسلسلات فقدان وندرة المواد الأساسية وأزمة «الخبز» الأخيرة التي نخشى عودتها مع حلول شهر رمضان أمام توقّع ازدياد الطلب على الخبز وفي ظل النقص الذي تم تسجيله مؤخرا في مادتي «الفارينة» و«السميد» خاصة مع تواصل الحرب الروسية الأوكرانية وهو ما يتطلب تدخل الدولة بالشكل المطلوب والناجع والتركيز على العمل الميداني حرصا على ضمان استقرار الأسعار والمناخ الاجتماعي.

فاستعدادات كافة الأطراف انطلاقا من الوزارات والهياكل وأجهزة الدولة وصولا إلى مكونات المجتمع المدني والمنظمات المعنية بالدفاع عن المستهلك وتكثيف العمل المشترك كفيل بحل أي إشكالات حينيّة يمكن أن تطرأ خلال شهر رمضان وفي أي مجال أو قطاع وضمان مرور هذا الشهر المعظّم في أحسن الظروف وتوفير «قفة رمضان» بأسعار معقولة ومقبولة تستجيب للإمكانيات الحقيقية للمواطن التونسي.

ونعتقد أن هذه الاستعدادات من شأنها أن تضمن توفير أغلب المواد الأساسية وبالكميات المطلوبة والضرورية وبأسعار معقولة ومقبولة في كافة مناطق البلاد خاصة في صورة تكثيف آليات الرقابة وعمل الفرق المشتركة على امتداد كامل شهر رمضان وأن تبعث برسائل طمأنة تؤكد هذه الجاهزية في مختلف مستوياتها استجابة للحد الأدنى من انتظارات التونسيين ومراعاة للمقدرة الشرائية للمواطن التي تضررت خلال السنوات الأخيرة والذي أصبح غير قادر على مجابهة الارتفاع المتواصل للأسعار الذي شمل كل المواد وكل القطاعات والمجالات دون استثناء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

هجرة المهندسين التونسيين : ظاهرة خطيرة تستدعي حلولا عاجلة

لا يختلف اثنان اليوم حول ارتفاع ظاهرة هجرة المهندسين في السنوات الأخيرة وما تمثله من خطورة…