لماذا بلغنا هذا الحدّ من تراجع الاهتمام بالبيئة ؟ وأي سرّ خلف هذا التدهور المرعب في وعي التونسي بمخاطر التلوث البيئي؟ ومن يتحمل المسؤولية في تراكم الفضلات المنزلية في كل مكان ومخلفات مواد البناء وغيرها هل هي وزارة البيئة ام البلديات ام المواطن؟ وما هو السبيل لحماية المواطنين من مخاطر الكلاب السائبة التي أصبحت «مظهرا» من مظاهر مدننا؟ وأي دور للمجتمع المدني؟
هذه الأسئلة وغيرها تخامرنا جميعا بشكل شبه دائم ونحن نجوب الشوارع ونرى الفضلات الملقاة في كل مكان وتستوي في هذا كل الاحياء سواء كانت شعبية او ما يطلق عليها راقية وسواء كانت شوارع رئيسية او فرعية كلها في «القمامة» سواء. ونلمح الكلاب السائبة التي تجول في شكل جماعات في الاحياء وفي أماكن التسوق وأماكن التنزه وتشكل أحيانا مصدر إزعاج بل ومصدر خطر على المواطنين ولا ننسى ان هناك من قضى نحبه في بلادنا بداء الكلب عفا الله الجميع جراء «عضة» كلب وهو ما لم يحدث منذ عقود بعد ان قضينا على هذا الداء.

ولعلنا لا نجانب الصواب إذا قلنا إنه إن كان من أمر يجمع عليه التونسيون فهو حقيقة التلوث البيئي الذي بلغ أقصى حد على امتداد حوالي عقد ونصف من الزمن.
فقد تراجع الاهتمام بالبيئة في الحكومات المتعاقبة على السلطة منذ 14 جانفي 2011 وأصبح مجرد طرح بعض الإشكاليات البيئية من قبل «الترف الفكري» وهذا ما فاقم الأزمة خاصة مع ما عرفته البلديات من تحول على مستوى هيكلتها والأدوار الموكولة لها منذ ان تم حلها وحلت محلها النيابات الخصوصية التي اهتمت بكل شيء ما عدا قضايا البيئة والمحيط.
وفي السنوات القليلة الماضية ورغم عودة البلديات الى سالف دورها إلاّ ان التغير على مستوى هيكليتها لم يكن في صالح القيام بمهمتها على الوجه الأكمل وفي مقدمتها العناية بالبيئة ونظافة المحيط.
والواضح ان الكيل طفح وهو ما دعا رئيس الجمهورية شخصيا الى التدخل في هذا الملف الشائك مع التراخي الواضح للمسؤولين بهذا الخصوص.

ومن نافلة القول التأكيد على ان وزارة البيئة تحتاج الى القيام بنشاط حثيث من أجل نظافة البيئة والمحيط وتطوير أدوات عملها والاشتغال على موضوع دعم التعاون المشترك من اجل الاستفادة من تجارب بعض البلدان الشقيقة والصديقة في مجال تثمين النفايات على سبيل الذكر لا الحصر.
وهي أيضا مطالبة بمزيد العمل من أجل توفير بعض المستلزمات ومساعدة البلديات على القيام بدورها.
كما انها مدعوة الى تكثيف الحملات التحسيسية وحملات النظافة وتشجيع المواطنين وخاصة الأطفال والشباب من أجل المشاركة فيها بهدف تنظيف شوارعنا ومدننا والتي والحق يقال أصبحت لا تليق بالوجه الحضاري لتونس التي نريدها.

والحقيقة ان هناك أداء في مستوى وزارة البيئة يحتاج الى المراجعة في اتجاه مزيد بذل الجهود والعمل المضني لتوفير مقومات جودة الحياة والنهوض بالبيئة والمحيط.
كما ان المسؤولين المحليين والجهويين على عاتقهم واجبات كبرى بهذا الشأن وعليهم أيضا عدم التراخي وتحمل مسؤولياتهم كاملة.
ولأن نظافة البيئة والعناية بالمحيط حلقة مكتملة الدوائر فإننا لا نستطيع بأي حال من الأحوال التغافل عن تقصير المواطن التونسي الذي تراجع وعيه البيئي بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة وبات يلقي فضلاته المنزلية في أي مكان تماما كما يتصرف في الشارع بشكل عشوائي على غرار ظاهرة القاء الاوساخ من السيارات في طرقاتنا وهو مظهر من مظاهر «التخلف» مع الأسف كنا نظن اننا تجاوزناه منذ عقود.
ويبدو ان الدولة مدعوة الآن الى مجابهة هذا التقصير المواطني بعقوبات صارمة مادام من الصعب التعويل على الوعي الذاتي. وهي التجربة التي اثبتت نجاعتها في عديد البلدان ويبدو انها الحل الوحيد في الحالة التونسية راهنا.

والأكيد ان منظمات المجتمع المدني يمكن هنا أن تقوم بدور فعّال لمعاضدة جهود الدولة في هذا المضمار.
وهنا علينا الإقرار بأن تداعيات ومخاطر التلوث البيئي كبيرة جدا وعلينا مجابهتها بكل ما أوتينا من قوة وهذا لا يتم إلا بتضافر كل الجهود وبتغيير السياسات البيئية في بلادنا وتطوير وسائل وآليات العمل في البلديات وإيجاد التشريعات الصارمة إزاء كل مخالفة بيئية يرتكبها فرد أو مؤسسة.
فلم يعد من المحتمل الصمت على «الجرائم» التي ترتكب في حق البيئة في بلد وسم عبر كل مراحل التاريخ بالجمال والخضرة وليس من اللائق ان يكون على هذه الوضعية المتدهورة في مجال البيئة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

عن المنظومة التربوية مرة أخرى..

هل بدأنا نحصد ما زرعناه ومن يزرع الشوك يجني الجراح كما قال شاعرنا الخالد أبو القاسم الشابي…