2024-02-01

تغيّرات في ليبيا تهدّده.. والحكومة تستعدّ لمحاربته : هل تتوسّع الأزمة لتشمل الاقتصاد الموازي أيضا؟

رغم التفاؤل الذي ساد لفترة قصيرة بموسم أمطار ممتاز وبصابة قد تعوّض ما فات، إلا انه سرعان ما تراجع، مع عودة نُذُر الجفاف من جديد وانحباس الغيث، وتوقف امتلاء السدود عند حدود السنة الفارطة، ورغم التفاؤل الذي تحاول الحكومة ان تتشبث به في ما يتعلق بتحسّن منتظر وانفراجة في مجال المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية والضروريات بالخصوص، إلا أن الواقع لا يبدو جيدا إلى درجة التفاؤل ولا سيئا إلى درجة اليأس، وتبقى البلاد كلها في انتظار تطورات ما قد تعيد للاقتصاد الوطني إمكانية الوقوف على قدميه ومواجهة مخاطر التدهور العالمي، والتغيرات المناخية والمتطلبات التي تتزايد باستمرار.
واذا كان الحديث عن الاقتصاد الوطني، عادة ما يتيه في زحمة الأرقام، ويسود فيه الجانب الرسمي، الذي يحاول عادة ان يذهب في اتجاه التفاؤل، فان الحديث عن الاقتصاد الموازي يتخذ عادة صيغة الادانة خاصة في المنابر الاعلامية والخطاب السياسي.
آخر التصريحات في هذا المجال، تصريح وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية، الاسبوع الفارط على هامش ملتقى حواري لهيئة الخبراء المحاسبين قالت فيه ان «السنة الحالية ستكون سنة التصدي للاقتصاد الموازي بامتياز وادماجه في الاقتصاد المنظم».
وأوضحت وزيرة المالية في هذا السياق ان الوزارة «عملت على بعث لجنة تضم مختلف الاطراف المتدخلة بغاية القضاء على هذه الظاهرة والحفاظ على الموارد الخاصة بالدولة والتعويل على الذات وارساء العدالة الجبائية».

والتبرير الذي قدمته وزيرة المالية ينخرط في منحى وحيد هو شعار التعويل على الذات الذي ترفعه الحكومة منذ سنتين، والذي يقتضي «تشريك كافة الاطراف، وعلى الجميع تحمل العبء الجبائي، ولا يمكن للقطاع المنظم ان يواصل بمفرده تمويل موارد الدولة» مشددة على ان «الوزارة ملتزمة بمواصلة الانخراط في تمشي التعويل على الذات بغاية السيطرة على توازنات المالية العمومية والحفاظ على تعهداتها».
وهذا ما يفسّر ربما الفشل الذي عرفته الحكومات السابقة حتى منذ ما قبل الثورة في التعاطي مع ملف السوق الموازية، وهو النظر اليها فقط من منطلق انها يجب ان تساهم في الضريبة، وانها قطاع منفلت يجني الارباح ولا يدفع الضرائب، وانها عبء على القطاع المنظم وعلى الدولة والمجتمع، ومن هنا يتوجّب القضاء عليها او تدجينها وادخالها في النسق العام للاقتصاد المنظم.
وهي نظرة، بالاضافة الى انها أثبتت فشلها خلال السنوات الفارطة، فانها أيضا منقوصة من شمولية ضرورية للمعالجة، لا تقتصر على ضرورة دفع الضرائب، بل تمتد للآثار الجانبية لهذه السوق، وما يوفره الاقتصاد الموازي من مواطن شغل، وما يدرّه من ثروات، وما يفتحه من آفاق أمام الشباب العاطل في المناطق المهمشة وأقاصي الحدود.
فالنظرة القائمة فقط على الادانة بحكم عدم دفع الضريبة، لا يمكنها ان تبني اقتصادا متكاملا، بل يتوجب النظر الى كل قطاع على حدة، والى فوائد كل قطاع على ضعاف الحال والميسورين على حدّ سواء، وليس على مقدار ما يدفعه من ضرائب لخزينة الدولة، إعتبارا للدور الاجتماعي للدولة وليس بالنظر إلى الدولة على أنها خزينة قابضة فقط.
والمواطن ليس قادرا على اقتناء كل متطلباته من السوق المنظم الذي لم يعد احد يقدر على تحديد أسعاره او لجم نهمه للربح تحت شعارات واهية وعلى رأسها انه يدفع الضرائب وكأنه يمنّ على البلاد والعباد بهذه الدفوعات القليلة التي عادة ما تتراكم في انتظار عفو جبائي وكثيرا ما تُختتم بالافلاس نتيجة عدم توفر عقلية تجارية أصيلة، وسطوة عقلية الربح.

واضافة الى هذا السعي الحكومي المتكرر بالقضاء على السوق الموازية، فان عوامل أخرى لا تقل أهمية تهدد هذا القطاع، ومن أهمها قلة اليد العاملة الشابة، خاصة بعد موجات الهجرة الشبابية من الجنوب بالخصوص، وتقلص واردات السوق الليبية، اضافة الى غلاء الاسعار في دول المنشإ كليبيا والجزائر وتركيا والصين، وانكماش التمويل من قبل التجار على السلع الا بكميات محدودة خشية المصادرة والتجريم، كما أن هناك تهديدات جدّية للسوق الليبية خاصة مع استعداد الجانب الليبي في طرابلس لمراجعة أسعار النفط ومشتقاته، وتحويلها الى التسعيرة العالمية، ما يعني ارتفاعا مرجّحا لأسعار «البنزين» و«الديزيل» وهو ما يعني بالنتيجة ان نصف السوق الموازية ستندثر بطبيعتها. فهل تخاطر الدولة بالقضاء على هذه السوق وتحرم مئات الآلاف من العائلات قوت يومها، أم انها ستتريث في انتظار البحث عن حلول بديلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

يمكنها‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬بديلا‭ ‬قارا‭ ‬وثابتا‭:‬ السياحة‭ ‬البديلة‭ ‬ومفهوم‭ ‬الاحتياط‭ ‬لكل‭ ‬المواسم

تشكّل‭ ‬السياحة‭ ‬رافدا‭ ‬هاما‭ ‬من‭ ‬روافد‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني،‭ ‬بل‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭…