2024-01-17

سنة جديدة مليئة بالمتناقضات : بين خطاب حكومي متفائل وتقارير ميدانية متحفّظة..!

كل حكومات العالم تحاول أن تعطي انطباعا ايجابيا عن الأوضاع العامة في البلاد التي تحكمها، وتحاول أن تسوّق، سواء للناس الذين تحكمهم، أي لشعبها أو للعالم الخارجي، صورة وردية، أو أقل ما يقال صورة متفائلة وتبعث على الأمل وتغطي على الفشل، وتبرز فقط النجاحات، وان لزم الأمر تضخمها وتعطيها أكبر من حجمها.

الوضع في تونس لا يختلف عن ذلك كثيرا، بل يكاد يكون نسخة منه، فالسنة الجديدة استهلتها الدوائر الحكومية بخطاب غاية في التفاؤل، انطلق منذ أكثر من شهر تقريبا بتقرير حكومي قال إن تونس قد استوفت كل ديونها وفوائض ديونها لسنة 2023 وأنها لم تعد في حاجة إلى صندوق النقد الدولي وأنها باتت قادرة على تدبير شؤونها المالية بنفسها ودون الخضوع لأي اشتراطات او املاءات.
أما التقرير الثاني فجاء حول السدود والمياه والأمطار والصابة الفلاحية، التي تحدثت عليها الأوساط الحكومية على أنها قياسية، بل رأينا تقارير في بعض المواقع الإعلامية تتحدث عن نسبة امتلاء للسدود غير مسبوقة، وعن صابة متوقعة من الحبوب لا مثيل لها، وبدت هذه الأوساط الحديث المتفائل حتى عن انخفاض الأسعار وعودة بعض المواد إلى طبيعة انسيابيتها وأسعارها القديمة.
نفس الأمر بالنسبة للقطاع السياحي، حيث خرج مسؤولو القطاع كلهم تقريبا للحديث عن موسم قياسي منتظر وعن سابقة تاريخية في الامتلاء وفي حجم الحجوزات وفي المداخيل المتوقعة وغير ذلك من الآمال والطموحات التي يصورها الخطاب الحكومي على انها منجزات قد حصلت وعادت بالفائدة على تونس وانتهى الأمر.

اليوم جاء التفاؤل الرابع من قطاع الطاقة، وخرجت العناوين الكبرى في وكالات الأنباء أن تونس قد حققت انخفاضا بنسبة ٪6 في العجز التجاري الطاقي في موفى نوفمبر الفارط، واستعرض التقرير عناوين كبيرة للاكتشافات الممكنة والآبار التي يمكن أن تبدأ الإنتاج قريبا وغيرها من خطاب التفاؤل الذي أشرنا إليه.
لكن، وبعيدا عن التشاؤم، فان الخطاب الحكومي لم يعط حقائق ميدانية بقدرما أعطى أرقاما وبيانات متفائلة أرادها أن تكون ربما حافزا لمزيد العمل والعطاء.
فصندوق النقد الدولي هو الذي أصدر بمناسبة السنة الجديدة تقييما أدرج فيه تونس ضمن القائمة السلبية وهذا لا يعني أننا أصبحنا في حل من كل قرض، بل يعني اننا سددنا مستحقات سنة فقط ومازالت هناك ديون أخرى غير مسددة.

إضافة الى أن التقرير المتفائل للبنك المركزي أخفى القروض الداخلية، ولم يشر اليها وكأنها غير واجبة الخلاص أو هي في حكم الأموال الميتة التي لا تُرجع.
أما على المستوى الفلاحي فان الأمطار الى حد الآن لم تتجاوز بعض «المليمترات» والشتاء يوشك على نهايته، ونسب امتلاء السدود لم تتحرك مؤشراتها تقريبا، والموسم الفلاحي الذي نتمنى ان يكون في أحسن حال، لا دلائل تشير الى انه سيكون قياسيا او حتى أحسن من الموسم الفارط.
في المجال الطاقي أيضا، جاء التفاؤل في تقرير المرصد الوطني للطاقة مقرونا بانخفاض قيمة الواردات من النفط، وهذا مرتبط بالسوق العالمية، ويمكن أن يرتفع في لحظات اكثر بكثير مما حصّلناه من انخفاض في سنة كاملة.
وهو نفس الأمر بالنسبة للقطاع السياحي، حيث ان حجم الحجوزات او الأعداد المتوقع ان تزور تونس الموسم القادم لا يعني انها قد وصلت، بل يعرف القائمون على الوزارة اكثر من الجميع انها رهينة بأي اضطراب او حركة غير محسوبة لتنقلب رأسا على عقب.
وبالتالي فالتفاؤل الزائد عن الحجم يجب ان يعود، الى واقعيته، لان من يريد أن يتجاوز الازمة عليه قبل كل شيء ان يشخّص الاحتياجات بكل واقعية، مهما كانت قاسية، لكي يتمكن من ايجاد البدائل الحقيقية، ولكي يحقق بالفعل انجازات، وليس خطابات فقط حول انجازات محتملة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

يمكنها‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬بديلا‭ ‬قارا‭ ‬وثابتا‭:‬ السياحة‭ ‬البديلة‭ ‬ومفهوم‭ ‬الاحتياط‭ ‬لكل‭ ‬المواسم

تشكّل‭ ‬السياحة‭ ‬رافدا‭ ‬هاما‭ ‬من‭ ‬روافد‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني،‭ ‬بل‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭…