تشهد محكمة العدل الدولية بلاهاي منذ امس الخميس الفصل الاول من مقاضاة الكيان الصهيوني وذلك إثر الدعوى التي رفعتها دولة جنوب افريقيا على خلفية جرائم الابادة التي ارتكبها الجيش الاسرائيلي منذ السابع من اكتوبر 2023 والتي ذهب ضحيتها اكثر من 23 الف شهيد من السكان الاصليين بقطاع غزة اغلبهم من النساء والاطفال .

وفد دولة جنوب افريقيا إلى محكمة العدل الدولية يرأسه وزير العدل وفي ذلك دلالة على مدى جدية الدعوى والمسعى اضافة الى ضخامة ملف الادانة ويضم اكثر من 84 صفحة زائد الوثائق السمعية البصرية وشهادات المنظمات الدولية على غرار الصليب الاحمر والأونروا ومنظمة الصحة الدولية وغيرها من المنظمات الحقوقية ومن المفترض ان يكون الوفد قد قدم مرافعته الشفوية صباح امس الخميس على ان يقدم وفد «الكيان الصهيوني» مرافعته الدفاعية اليوم الجمعة لابطال تهمة الابادة الجماعية والتي شاهدها العالم على المباشر التلفزيوني وما تزال مستمرة الى الان باكثر فظاعة بما يعني ان مرافعة الوفد الصهيوني ستكون وفي كل الاحوال مرافعة كاذبة لابطال ما لا يمكن ابطاله بما ان الحجة على جريمة الابادة موجودة على كل المحامل وبكل اللغات..

وللتذكير فان الكيان الصهيوني يدان ويقاضى اليوم بنفس الاتفاقية التي سعى اليها وأمضى عليها سنة 1948 باسم المظلومية كونه كان ايضا ضحية عمليات ابادة كبرى كما في الرواية الصهيونية.. وتنص الاتفاقية كما هو معلوم على ان الابادة الجماعية سواء ارتكبت في ايام السلم او اثناء الحرب هي جريمة بمقتضى القانون الدولي.. وقد اعلنت محكمة العدل الدولية انه سيتم الاستماع الى مرافعة جنوب افريقيا اولا وفيها دعوة الى اتخاذ تدابير استثنائية من اجل حماية الشعب الفلسطيني من اي ضرر اضافي وغير قابل للاصلاح وذلك بموجب اتفاقية الابادة الجماعية التي كانت «دولة الاحتلال» امضت عليها سنة 48 كما اشرنا وهي تدان اليوم بقوانينها الموجبة للامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية والتي قد تصل الى حد مطاردة القيادات السياسية والعسكرية في المحاكم الدولية والجنائية كما ان قراراتها ملزمة لكل الدول التي وقعت على اتفاقية الابادة الجماعية وعددها 150 دولة مع الاشارة هنا الى ان محكمة العدل الدولية ستلجأ الى مجلس الامن الدولي في حال لم تنفذ دولة الاحتلال قرارا لوقف فوري للحرب وفي ذلك احراج كبير لكل من امريكا وفرنسا وبريطانيا وهي الدول الداعمة للكيان في حربه الهمجية على غزة والتي تمتلك حق النقض «الفيتو» ومن غير المستبعد ان ترفعه في وجه قرار يدين الكيان الصهيوني باعتباره ادانة مباشرة لها ايضا كما ان اي قرار ادانة للاحتلال يصدر عن مجلس الامن من شانه اضعاف الكيان الصهيوني في المنطقة ما لن تسمح به واشنطن الراعي الرسمي للحرب وللكيان.. وبالتالي فانه من غير المستبعد ان ترفع امريكا «الفيتو» في وجه اي قرار تتقدم به محكمة العدل الدولية الى مجلس الامن الدولي…

تدخل دولة جنوب افريقيا وفي كل الاحوال ومهما كانت قرارات محكمة العدل الدولية التاريخ من ابوابه المشرفة باعتبار تاريخية مبادرتها والتي تطارد بمقتضاها كيانا اجراميا مارقا يتحرك فوق القانون الدولي ولا غرابة ان تصدر المبادرة عن دولة جنوب افريقيا التي شهدت تاريخيا افظع جرائم الابادة تحت نظام الميز العنصري ويدرك احفاد نيلسون مانديلا مدى فظاعة هذه الجرائم العنصرية…وفي المقابل تجلس الدول العربية والاسلامية على هامش التاريخ وقد ضيعت فرصة تاريخية لمحو مواقف العار والخذلان التي صدرت عنها في كل القمم التي انعقدت وانفضت ولم تخلف غير الخجل لشعوبها بحيث لم تبادر اي دولة عربية بل هي لم تفكر اصلا في الإقدام على ما اقدمت عليه دولة جنوب افريقيا ونحن لا نستغرب هذا التخاذل العربي الاسلامي في الواقع وقد تحول الى عنوان يدل علينا ويسبق كل القمم العربية الطارئة.. ألم تبدع دول التطبيع عندما وقفت كعتبة صلبة أمام مقترح لرفع ورقة النفط في وجه الكيان وداعميه وهو المقترح الذي تقدمت به كل من الجزائر والعراق في القمة المندمجة العربية والاسلامية التي انعقدت منذ اشهر في المملكة السعودية..؟ حقيقة لا خير في أمة مآدب طعامها بحجم مآدب لئامها…..

نعود الى تونس والى بيان خارجيتها الاخير وفيه الكثير من اللبس والغموض وغرابة في المقاربة في علاقة بمقاضاة الكيان الصهيوني امام محكمة العدل الدولية وعدم مبادرتها برفع دعوى مماثلة او كحد ادنى عدم انضمامها للدعوى التي تقدمت بها دولة جنوب افريقيا كما فعلت عدة دول من امريكا اللاتينية ..ونحن اذ نستغرب عدم مبادرة تونس بذلك باعتبار موقفها القوي والجريء شعبيا ورسميا من الجريمة الصهيونية في قطاع غزة وادانتها القوية للجيش الصهيوني ولكل القيادات السياسية ولكل دول التطبيع ولكل الداعمين للحرب وعلى راسهم الادارة الامريكية وقد جاءت الاجابة عن أسباب هذا الرفض في بيان للخارجية التونسية تبدو فيه المقاربة غير مقنعة حيث نقرأ… «في اطار دعم تونس الثابت للقضية الفلسطينية العادلة يهم وزارة الشؤون الخارجية الافادة انه باذن من سيادة رئيس الجمهورية فقد تم بتاريخ 14 ديسمبر تقديم طلب تسجيل تونس على قائمة الدول التي ستتولى تقديم مرافعات شفاهية امام محكمة العدل الدولية وذلك في اطار الرأي الاستشاري الذي طلبت الجمعية العامة للامم المتحدة استصداره من المحكمة حول الآثار القانونية الناشئة عن انتهاك المحتل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.. الخ.. وسيتولى المرافعة واحد من الكفاءات الوطنية في القانون الدولي وستنطلق جلسات سماع المرافعات الشفاهية بمقر محكمة العدل الدولية ابتداء من تاريخ 19 فيفري 2024..»

الى هذا الحد يبدو الموقف سليما بحيث سيكون الحضور رمزيا ومن خلال مرافعة شفاهية بمثابة الشهادة التاريخية التي تدين المحتل .. الا انه وفي الجملة الاخيرة من البيان ولتبرير عدم المبادرة بتقديم دعوى قضائية ضد الكيان الصهيوني او الانتماء لمبادرة جنوب افريقيا جاء في البيان ما يلي «كما انها (اي تونس) لن تنضم لأي دعوى تقدم ضد الكيان المحتل امام محكمة العدل الدولية لما في ذلك من اعتراف ضمني بهذا الكيان…» وهنا يكمن الالتباس في المقاربة والذي يبدو خاطئا من وجهة نظر العقل المنطقي.. فتونس من ضمن 150 دولة ممضية على اتفاقية الابادة الجماعية ووفق المقاربة المشار اليها فانها مطالبة بالانسحاب من هذه الاتفاقية باعتبار ان دولة الاحتلال من بين الدول الممضية عليها.. أليس في ذلك ايضا اعتراف ضمني بوجود الكيان …؟

ان المعركة التي تخوضها تونس بصدق وبجرأة من اجل استرداد الحق الفلسطيني انما هي معركة باسم القوانين الدولية وباسم الشرعية الدولية وعبر المنتظمات الاممية والهيئات الدولية ومحكمة العدل الدولية هي واحدة من بين هذه الهيئات المرجعية وهي اعلى هيئة قانونية تابعة للامم المتحدة وبالتالي فان اللجوء اليها وتقديم دعوى قضائية امام عدالتها انما هو الامر الاكثر جدية والاكثر ازعاجا للكيان الصهيوني ولقياداته العسكرية والسياسية حيث بامكان محكمة العدل الدولية مطاردتهم باسم القانون الدولي.. لذلك قلنا بان مقاربة الخارجية التونسية متعثرة وغير منطقية فالانتماء للاتفاقيات الدولية وللمنتظمات الاممية وحق التقاضي امام محكمة لاهاي حق كوني مشروع مكفول بذات الاتفاقيات الدولية ووجود الكيان ضمن هذه المنتظمات والاتفاقيات لا يدفعنا للانسحاب منها بدعوى ان في تواجدنا اعترافا بوجود الكيان.. فبهذا المنطق علينا ان ننسحب من كل الهيئات الدولية والمنتظمات الاممية بما ان الكيان متواجد في اغلبها ….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

ذكرى الجمهورية بين «واقعتين»..!

يحتفل التونسيون اليوم بالذكرى 67 لعيد الجمهورية الموافق لـ25 جويلية 1957وهي ذكرى عزيزة على…