2024-01-10

إثر تسلّم معهد الرصد الجوي ثلاث محطات ثابتة لقياس الغازات الخطرة : هل هي بداية انفراج معضلة التلوث الهوائي..؟

اعلن المعهد الوطني للرصد الجوي يوم الاثنين 08 جانفي 2024 تسلمه ثلاث محطات ثابتة وذلك في اطار البرنامج المشترك بين تونس وإيطاليا وتنفيذا لاستراتيجية وزارة النقل المتقاطعة مع البرامج الوطنية الايكولوجية والطاقية، لحماية الارواح البشرية من التلوث الهوائي والبحري.
وأوضح المعهد أن هذه المحطات ستمكن من قياس ثاني أوكسيد الكبريت وثاني أوكسيد الأزوت وغاز الاوزون وأوّل أوكسيد الكربون بالإضافة إلى الغبار الجوي وأيضا ستتيح هذه التجهيزات القيام بقياسات المعطيات الجويّة المرتبطة بملوّثات الهواء ومن متابعة التلوث الهوائي عبر توفير جملة من المعطيات الهامة لفائدة مجالات حيوية معنية وهي الصحة والحماية المدنية، بما يمكن من التدخل العاجل عند الاقتضاء. كما سيقع استعمال هذه المعطيات مستقبلا، عبر تطبيقة على الهواتف الذكيّة لتلقي التنبيهات في شكل بيانات جغرافية محلية (خرائط ، نصوص،صور…).
واكد المعهد كذلك انه سيتم توفير محطتين متنقلتين لقياس ثاني أوكسيد الكربون والمعطيات الجويّة المرتبطة، على غرار درجة حرارة الهواء والرطوبة، قصد متابعة تركيز هذا الملوّث بمناطق مختلفة بالبلاد التونسيّة، وذلك تبعا لتوصيات المنظمة العالمية للرصد الجوي. وقد تم تركيز المحطات الثابتة، بحضور خبير ومجموعة من المهندسين بمقر المعهد كتجربة أولى وسيقع توزيعها على ثلاث مناطق ساحلية تبعا للبرنامج المشترك بين البلدين، الذي يخص المناطق الساحلية التونسية والايطالية.

ويأتي تركيز هذه التجهيزات المتطورة في ظل ما تشهده العديد من المناطق الصناعية التونسية من تلوث هوائي وبحري ومائي الذي من بين أهم أسبابه الصناعات الملوثة وغير الصديقة للبيئة ونشير هنا تحديدا إلى ما يعانيه أهالي قابس من وضع بيئي مترد جراء مخاطر التلوث التي بدأت تتجلى مع إنشاء المجمع الكيميائي الذي ينتج مادة الفوسفوجيبس أي «جبس الفوسفات» والتي تلقى مخلفاتها في البحر منذ عقود حيث تسببت الغازات المنبعثة من وحداته في التلوث الجوي للمنطقة لتكون هذه المدينة وغيرها من مدن الحوض المنجمي ومدن صفاقس ضحية تدفع ضريبة المنوال التنموي القائم على الصناعات الملوثة والتي لا تحترم البيئة وأيضا الواحات التي تميز مدينة قابس والمعروفة منذ القدم بالثروة السمكية وجودة المنتجات الفلاحية كالرمان وأشجار الحناء والواحات المطلة على البحر والتي تعتبر من أهم خاصياتها وهويتها التي بدأت في الاندثار منذ السبعينات ودفعت بدورها غاليا ضريبة التلوث الصناعي جراء استنزاف الموارد المائية الجوفية من قبل الوحدات الصناعية وما تنفثه هذه الوحدات وخاصة التابعة منها للمجمع الكيميائي التونسي من غازات سامة تأتي على الأخضر واليابس.

هذه الوضعية البيئية التي سادت لعقود طويلة وتحديدا منذ سبعينات القرن الماضي عندما اختارت المجموعة الكيميائية التونسية أن تتمركز في قابس بالقرب من البحر وهي قرابة 20 وحدة تصنيع وتصدير بما فيها وحدات المجمع الكيميائي مثلت طيلة تلك السنوات مصدر قلق دائم حولت حياة الناس إلى جحيم بسبب الروائح الكريهة والغازات المنبعثة ليلا نهارا من المجمع التي لوثت الهواء واصابت المواطنين بمختلف أعمارهم بالاختناق والأمراض ورغم تحذيرات النقابات العمالية والحركات البيئية من أجل تطوير وتطبيق معايير السلامة والبنية التحتية ورغم الحملات والاحتجاجات التي قادها المجتمع المدني في قابس وفي عديد المدن التونسية تنديدا بالتلوث الصناعي مثل حملة «نحب نعيش» الا ان الأوضاع البيئية في هذه المدن ماتزال الى اليوم متردية وماتزال معها معاناة الناس هناك متواصلة دون أن تحرك السلطات ساكنا لذلك نتساءل إلى أي مدى ستنجح هذه التجهيزات المتطورة التي تسلمها المعهد مؤخرا في تنقية الهواء الذي يطوق كل مواطن تونسي الى تنشقه ؟والى اي حد ستتمكن من معالجة معضلة التلوث التي اصبحت مستدامة باستدامة مسبباتها ؟وبالارتكاز على المواثيق الدولية التي أمضت عليها تونس والمبادئ الدستورية التي تضمن العيش في بيئة سليمة أصبح من الضروري فتح العديد من الملفات البيئية الشائكة والتي أثرت على الأجيال الحالية كما ستؤثر حتما على الأجيال القادمة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

بات يعصف بثوابت القيم والأخلاق : أيّ حدود.. وأيّ حلول.. لظاهرة التنمّر؟

كغيره من الظواهر الهدامة التي باتت تنخر المجتمع أصبح التنمر يتفاقم بشكل ملفت للنظر وينتشر …