2024-01-03

قريبا تعلو أصواتها على أصوات المدافع : الشعوب تواصل انتفاضتها ضد جرائم المحتل

بطوق بشري كامل من جميع الجهات حول السفارة الامريكية في عمّان، أنهى الشعب الأردني عامه المنصرم، وقبلها بيومين كانت سلسلة بشرية من خمسة عشر كيلومترا تمتد على طول شوارع العاصمة الأردنية منددة بالعدوان الهمجي والمجازر اليومية ضد الشعب الفلسطيني، في الوقت نفسه هدرت الملايين في شارع الستين وساحة التحرير بالعاصمة اليمنية صنعاء عقب صلاة الجمعة الأخيرة من عام 2023 صارخة بالموت لامريكا واسرائيل، مرددة شعارات الجهاد والتعبئة نصرة لفلسطين وتنديدا بالعدو الغاصب.

عواصم الغرب لم تختلف في شيء عن نظيراتها العربية والعالمية، فقد اهتزت مدينة مرسيليا الفرنسية لاول مرة ليلة رأس السنة الادارية وخرجت عن بكرة أبيها منددة بجرائم الصهاينة وتصرخ بأعلى صوتها مع الحق الفلسطيني في الحياة وضد القتل والمجازر البشعة، وذلك رغم ان السلطات الفرنسية قد صعّدت من حملة الاعتقالات وتطبيق قانون منع التظاهر الذي مرره برلمان ماكرون منذ العاشر من أكتوبر الفارط، حتى لا تخرج الجماهير الفرنسية نصرة لغزة المحاصرة.

كما شهدت العاصمة البريطانية مسيرة مليونية شاركت فيها كل فئات الشعب الانقليزي والمقيمون تنديدا بجرائم العدو، وهي ليست المرة الاولى التي ينتفض فيها سكان لندن ضد هذه الوحشية، فقد شهدت عاصمتهم منذ بداية العدوان على غزة، حراكا لا يهدأ ونظموا المليونيات والسلاسل البشرية فوق جسور نهر التايمز وهتفوا طويلا للمقاومة ولصمود الشعب الفلسطيني في غزة، وهو نفس ما ينطبق على الكثير من سكان الولايات المتحدة الامريكية في مختلف الولايات، الذين لم تنقطع هتافاتهم منذ بدء العدوان، بل ان بعض مسيراتهم فاقت بكثير ما شهدته عواصم عربية وأوروبية، وشارك فيها اليهود والسود والهنود والعرب المقيمون هناك، وتوسعت دائرتها وشملت حتى العاصمة السياسية واشنطن ومدنا كبرى، كانت تُحسب دائما في السابق على انها مراكز الثقل اليهودية وانها لا تناصر عادة القضايا العربية، لكن يبدو ان حجم الجريمة وتواصل التقتيل والمجازر قد دفعها للتحرك والانتفاضة ضد سياسة التعتيم التي تعتمدها الادارة الامريكية، وهو ما دفع الجمهوريين في الكونغرس الامريكي الى الدفع بقوة نحو ايقاف المساعدات التي تدفعها الادارة الأمريكية كل يوم وكل ساعة، وبلا حساب للعدو الاسرائيلي، ما جعل الرئيس بايدن ووزير خارجيته بلينكن يضغطان على العدو للبحث عن الحلول، لانه لم يعد في مقدورهم المواصلة في فتح خزائن أمريكا لحسابه دون رقابة، ولأن الغضب الشعبي يتصاعد ضدهم وضد سياساتهم يوما بعد يوم، وهم المقدمون في الاسابيع القريبة القادمة على انتخابات رئاسية يبدو ان حظوظ بايدن فيها لن تكون أفضل من خصمه ترامب خلال الاستحقاق الفارط.

صحيح ان زخم هذه الهبّة الشعبية قد تراجع كثيرا في المنطقة العربية، ولم يبق حاضرا الا في بعض العواصم التي عُرفت منذ القدم بوقوفها الى جانب الشعب الفلسطيني كعمّان وتونس وصنعاء وبغداد، لكن ذلك لا ينفي ان هناك عواصم أخرى لم تنخرط في الانتفاضة الشعبية رغم انها تعودت ان تدعم الفلسطينيين في كل مراحل العدوان سابقا، كالخرطوم والقاهرة وطرابلس والجزائر، وهو أمر مثير للتساؤل فعلا، ويدفع الى الشك في قدرة الجماهير الشعبية العربية على افتكاك زمام المبادرة فعلا من أيدي حكام المنطقة، وخلق واقع شعبي جديد تتوحد فيه الساحات والمصائر والشعارات وأدوات المعركة وتقلب الطاولة على كل حسابات المحتل وداعميه، ام ان فترة الصمت العربي، رسميا وشعبيا ستتواصل الى ما لا نهاية وان العدو لن يجد من يتصدى لغطرسته وجرائمه.

حتى على المستوى الوطني، فقد سجّلت الهبّة الشعبية في تونس تراجعا كبيرا قياسا بالأيام الاولى للعدوان، رغم ان جميع المراقبين يؤكدون على ان الوقفة التونسية الحازمة مع الشعب الفلسطيني وضد العدوان، مازالت في عنفوانها، سواء على المستوى الشعبي او على المستوى الرسمي ايضا، وانها لم تغير مواقفها ولا تراخت في دعمها، لكن ربما هناك عوامل أخرى أثرت على الاندفاعة الشعبية وقلّلت من درجة الحماس والانفعال الذي ساد في بداية العدوان على غزة، والذي جعل الجماهير الشعبية تحاصر لليال عدة مقرات السفارات الفرنسية والامريكية وتهتف طويلا نصرة لغزة وادانة للعدوان وداعميه.

وما يمكن استخلاصه من وقائع الأسابيع الفارطة، ان الشعوب قد بدأت تتحرك بقوة أكثر هذه المرة، وان عواصم ومدنا تظاهرت لاول مرة نصرة للشعب الفلسطيني، وان هناك زخما ثوريا ونضاليا لا بد من حسن استغلاله وتوجيهه حتى يؤتي أكله لفائدة القضية الفلسطينية، وحتى تعلو أصوات الشعوب المطالبة بوقف العدوان على أصوات المدافع المتعطشة للدماء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

يمكنها‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬بديلا‭ ‬قارا‭ ‬وثابتا‭:‬ السياحة‭ ‬البديلة‭ ‬ومفهوم‭ ‬الاحتياط‭ ‬لكل‭ ‬المواسم

تشكّل‭ ‬السياحة‭ ‬رافدا‭ ‬هاما‭ ‬من‭ ‬روافد‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني،‭ ‬بل‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭…