هل يعتزم الرئيس تفكيك اقتصاد الريع الفلاحي..؟ : الأمن الغذائي يستدعي تحرير السوق لا آحتكارها..!
أثار رئيس الجمهورية قيس سعيد مسألة الإحتكار من جديد خلال زيارة أداها الإربعاء المنقضي إلى شركة لتعليب المياه وصنع العصير بزغوان وشركة لتجميع الحليب بنفزة من ولاية باجة والمقر السابق للشركة التونسية لصناعة الحليب «ستيل» بباب سعدون . حديث كان الرئيس يحمل في طياته توجّها للدولة في سياساتها الإقتصادية نحوإمكانية إعادة تفرّدها باحتكار إنتاج وتوريد بعض المواد التي تشهد مضاربة ونقصا في السوق المحلية ، إذ في علاقة بملف الحليب ومسالكه قال أن الدولة ستحدث ديوانا وطنيا للأعلاف ولا يمكن أن تتواصل عملية إدارة هذا القطاع قسرا على عدد محدود من الشركات المحتكرة والتي أضرت بعمليات الإنتاج .
ومن دون الخوض في المسائل القانونية التي أثارها الرئيس بشأن وضعية الشركة التونسية لصناعة الحليب والتساؤلات بخصوص عملية تصفية الشركة حيث أكد أنه تم السطوعلى صناعة الحليب من قبل جهات معنية وهناك شبكة كاملة للفساد تتعلّق بالعقارات والمصنع وكيف تم تفليسه والاستحواذ على العقارات والحسابات الجارية بعدد من البنوك وهذا يستدعي تحقيقات في ذلك .
بالعودة إلى خلفيات هذه الزيارات فإن معضلة قطاع انتاج الحليب وتوزيع الأعلاف في تونس أصبحت عويصة وبدت نتائجها وخيمة على الأمن الغذائي المهدد ، وبين السطور يبدوتصريح رئيس الجمهورية ملتصقا بنموذج الاقتصاد السياسي الذي يعمل على تفعيله ضمن برنامجه في الحكم ، حيث المجال أصبح واضحا لدرس التفاعلات بين العوامل الاقتصادية والإجتماعية والسياسية في البلاد ، وذلك بقطع النظر عن مدى تأثيرات عمليات الإحتكار من عدمها في ظل ندرة الموارد المالية العمومية وصعوبة توفير الحاجيات الأساسية من الخارج .
مخاطر الإحتكار على المجتمع والإقتصاد
من أبرز تهديدات ظاهرة الإحتكار ، ارتفاع الأسعار حيث يمكن لشركات أو أفراد يسيطرون على سوق معينة رفع الأسعار بشكل غير مبّرر، مما يؤدي إلى زيادة العبء المالي على المستهلكين وهنا نسوق مثال قطاع الأعلاف في تونس المؤثر بشكل مباشر على الإنتاج الحيواني علاوة على عدم استقرار الأمان الغذائي فاحتكار السلع الغذائية يؤدي إلى تقليل استقرار الأمان الغذائي في حالات الأزمات الطارئة أوالتغيرات المناخية وفترات الصراعات السياسية وغيرها .
الواقع اليومي يشهد تشويها لمبدإ التنافسية في السوق ما يؤدي إلى فقدان الحوافز الاقتصادية وتقليل الابتكار في الإنتاج وهي تحديات تتطلب مراقبة فعّالة وسياسات تنظيمية لضمان توفر الغذاء بأسعار معقولة وتحقيق العدالة الاقتصادية .
وللتصدي لاحتكار السلع الغذائية، يمكن اتخاذ عدة إجراءات تحدث عنها عديد الخبراء في الإقتصاد على غرار تشجيع المنافسة وتعزيز بيئة السوق المفتوحة والتشجيع على المنافسة بين الشركات يمكن أن يقلل من فرص احتكار السلع الغذائية وبالتالي القطع مع اقتصاد الريع الذي تسيطر عليه لوبيات بعينها .
نقاط أخرى مهمة تتمثل في تنظيم القطاعات الإنتاجية من خلال فرض قوانين وسياسات لتنظيم مسالك انتاج وتوزيع السلع الغذائية مع مراقبة فعالة للأنشطة التجارية والممارسات الاقتصادية ممّا يساهم إلى حد كبير في تعزيز الشفافية وزيادة مستوى الثقة والوضوح في سلسلة التوريد اللذين يمكن أن يساعدا في تحديد أي نشاط احتكاري وتعزيز الرقابة .
فيما يبقى التشجيع على الزراعة المستدامة ومساندة الفلاح في تونس دعامات مهمة للزراعة المحلية والمستدامة ويمكن أن يسهم في تقليل الاعتماد الكبير على الاستيراد ويعزز من الأمن الغذائي المحلي وسط تقلبات عالمية في الإنتاج والأسعار.
الشجرة التي تخفي الغابة
ترتبط أغلب المنتجات المفقودة في تونس بتراجع مخيف لسلسلة الإنتاج خلال الأعوام الأخيرة والحديث عن الإحتكار لا يمكن أن «يغطي عين الشمس بالغربال» أو«الشجرة التي تخفي الغابة» كما جاء على لسان رئيس النقابة التونسية للفلاحين الميداني الضاوي في تصريح لـ«الصحافة اليوم» ، إذ يعتقد أن التوجه نحوإحداث ديوان وطني للأعلاف يستدعي بالضرورة التفكير في توفير قطيع الأبقار حتى يتسنى استيراد الأعلاف .ويفسر الضاوي نقص وتراجع مادة الحليب في السوق بتراجع قطيع الأبقار خلال الآونة الأخيرة بنحو 35 % وهورقم مؤثر جدا في حلقة الإنتاج . وغلاء اسعار الأعلاف أدى إلى التخلي بالبيع للأبقار ولم يعد الفلاح قادرا على تلبية حاجيات القطيع بما أن سعر الطن الواحد من العلف المركب تضاعف ثلاث مرات في أقل من ثلاث سنوات حيث كان في حدود الـ 600 دينار ليصبح سعر الطن في حدود الـ1800 دينار .
ولاحظ محدثنا أن تونس كانت تحقق في ذروة الإنتاج ما يفوق حاجياتها العادية بنحو400 الف لتر يوميا ومخزونها من الحليب يضاهي الـ 60 مليون لتر في حين يبلغ المخزون الحالي قرابة الـ 6 مليون لتر فحسب .
وتابع محدثنا قوله ، إذا ثمة نوايا للنهوض بالإنتاج الفلاحي الغذائي فذلك لن يحصل في غياب رؤية استراتيجية تحلل الأسباب وتوفر الحلول التي أولها استعادة ما أمكن من قطيع الأبقار أي في حدود الممكن وأن لا يقل عن 500 ألف رأس مع النظر في حلول تساعد الفلاح ماديا باعتبار أن الكلفة الحقيقية للتر من الحليب تفوق الـ 2000 مليم في حين يتحصل المنتج على 1340 مليم فقط ، وهي مؤشرات تبين الفرق بين كلفة الإنتاج والدعم والتسويق ، مؤكدا أن معالجة ظاهرة الإحتكار لا تتم إلا بتوفير المادة المحتكرة في السوق ومعالجة أسباب فقدها من الحلقات الأولى .
غياب التشجيعات وضعف مسالك التوزيع
ويرى خبراء الاقتصاد أن تشجيع الاستثمار ودعمه يمثل أحد أبرز الركائز الممكن توخيها في توفير سلاسل إنتاج دائمة تعتمد على التنمية الزراعية والتقنيات الحديثة فضلا عن إيجاد التوازن الفعّال بين الحماية من الاحتكار وتحفيز الابتكار والاستثمار كضرورة لضمان استدامة القطاع الغذائي ، دون التغافل عن تنظيم مسالك توزيع المنتجات الذي يلعب دورًا هامًا في تحسين كفاءة سلسلة التوزيع من ناحية وتعديل السوق من خلال التوريد من ناحية ثانية ويتحتم على مصالح التجارة استخدام التكنولوجيا وتبنّي تطبيقاتها الحديثة والمعتمدة في البلدان المتقدمة ، مثل أنظمة إدارة المخزون وبرامج تتبع المنتجات مما يساعدها في تحسين رؤية سلسلة التوريد وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين وتعديل .
ويبقى أبرز مشكل تعاني منه المسالك التجارية في تونس هوكثرة عدد الوسطاء ذلك أن تقليل الطبقات الوسيطة في سلسلة التوريد يمكن أن يساهم في تقليل التكلفة وزيادة فعالية التوزيع والحد من المضاربة في الأسعار. والتوجه نحواستخدام تقنيات التنبؤ المعتمدة في كثير من دول العالم المتقدم لمساهمتها في دراسة تحليل السوق والتخطيط لتوفير الطلب المستقبلي في منتجات معينة تشهد خللا في الإنتاج.
انتظارات الشعب بعد إعادة انتخاب قيس سعيد : أمل متجدّد في الاستقرار وخدمة تونس اجتماعياً واقتصادياً
بعد الإعلان الرسمي عن فوز الرئيس قيس سعيد بعهدة رئاسية ثانية بفارق كبير عن منافسيه، عاد نب…