لم‭ ‬يتعب‭ ‬الرئيس‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬من‭ ‬مطاردة‭ ‬ملفات‭ ‬الفساد‭ ‬وقد‭ ‬تراكمت‭ ‬على‭ ‬مكتبه‭ ‬ـ‭ ‬كما‭ ‬يبدو‭ ‬ـ‭ ‬بثقيلها‭ ‬وخفيفها‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬الفساد‭ ‬الكبير‭ ‬الى‭ ‬الفساد‭ ‬الصغير‭ ‬كما‭ ‬يسمّيه‭ ‬أهل‭ ‬الذكر‭ ‬وقد‭ ‬تعدّدت‭ ‬عناوين‭ ‬هذا‭ ‬الفساد‭ ‬وتوزعت‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مجال‭ ‬وقطاع‭ ‬وأخذت‭ ‬أشكالا‭ ‬مختلفة‭ ‬وثقيلة‭ ‬ومعقدة‭ ‬أيضا‭ ‬يستدعي‭ ‬فضّها‭ ‬منهجية‭ ‬عمل‭ ‬مضنية‭ ‬اضافة‭ ‬الى‭ ‬فرق‭ ‬وهيئات‭ ‬مختصة‭ ‬ومستقلة‭ ‬تعمل‭ ‬ليلا‭ ‬نهارا‭ ‬لقطع‭ ‬دابره‭…‬

‭ ‬لكن‭ ‬الأمر‭ ‬‭ ‬وكما‭ ‬يبدو‭ ‬‬ليس‭ ‬بهذه‭ ‬السهولة‭ ‬ولا‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬البساطة‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬المقاربة‭ ‬والتناول‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬اراية‭ ‬الفسادب‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬عالية‭ ‬وما‭ ‬تزال‭ ‬عناوينها‭ ‬قوية‭ ‬ومتنفذة‭ ‬ومتوزعة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مفاصل‭ ‬الادارة‭ ‬التونسية‭ ‬‭ ‬تقريبا‭ ‬‭ ‬وما‭ ‬يزال‭ ‬بعضها‭ ‬ممسكا‭ ‬بالقرار‭ ‬‭ ‬أيضا‭ ‬‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬تعطّل‭ ‬الحسم‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬القضايا‭…‬

الرئيس‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬يدرك‭ ‬ـ‭ ‬عميقا‭ ‬ـ‭ ‬صعوبة‭ ‬المهمّة‭ ‬ويدرك‭ ‬أنه‭ ‬أمام‭ ‬متاهة‭ ‬مضيعة‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬تُهدِرَ‭ ‬كل‭ ‬عهدته‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يتوصل‭ ‬الى‭ ‬فكّ‭ ‬مساربها‭ ‬وهي‭ ‬مسارب‭ ‬معقدّة‭ ‬يصعب‭ ‬اختراقها‭ ‬عشوائيا‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬تشييدها‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬العشرية‭ ‬الاخيرة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭… ‬عشرية‭ ‬كان‭ ‬حكامها‭ ‬رعاة‭ ‬للفساد‭ ‬وعناوينه‭ ‬الكبرى‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬حكومة‭ ‬الاخوان‭ ‬الاولى‭ ‬والثانية‭ ‬مرورا‭ ‬بحكومة‭ ‬الشاهد‭ ‬التي‭ ‬صنعت‭ ‬لوحدها‭ ‬ادولة‭ ‬فسادب‭ ‬ووضعت‭ ‬عليها‭ ‬حرّاسا‭ ‬أشداء‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬خَلَفُها‭ ‬الاّ‭ ‬نسخة‭ ‬منها‭ ‬وهكذا‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬سقطت‭ ‬كل‭ ‬المنظومة‭ ‬برمّتها‭ ‬مساء‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2021‭ ‬والتي‭ ‬اصطدمت‭ ‬ابجبلب‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬الفساد‭ ‬وما‭ ‬يزال‭ ‬جاثما‭ ‬على‭ ‬ادولة‭ ‬الرئيسب‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬وقد‭ ‬اختار‭ ‬مواجهته‭ ‬بقوّة‭ ‬القانون‭ ‬والذي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬نصوصه‭ ‬كافية‭ ‬ـ‭ ‬لوحدها‭ ‬ـ‭ ‬باعتبار‭ ‬تعثّر‭ ‬تطبيق‭ ‬هذه‭ ‬النصوص‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬والتي‭ ‬تصطدم‭ ‬في‭ ‬أحيان‭ ‬كثيرة‭ ‬ابسلطات‭ ‬محصّنةب‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬ذاته‭…!‬؟

الرئيس‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬‭ ‬بدوره‭  ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬اكتشاف‭ ‬ملفات‭ ‬الفساد‭ ‬ويبدو‭ ‬أنه‭ ‬مصدوم‭ ‬لهولها‭ ‬ولضخامتها‭ ‬ولاستفحالها‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬نلاحظه‭ ‬في‭ ‬ردّة‭ ‬فعله‭ ‬بحيث‭ ‬يكاد‭ ‬ينفجر‭ ‬من‭ ‬فيض‭ ‬الغيض‭…‬

لكن‭ ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬النوايا‭ ‬الصادقة‭ ‬وحدها‭ ‬لا‭ ‬تكفي‭ ‬لمواجهة‭ ‬اجبال‭ ‬الفسادب‭ ‬المتراكم‭ ‬وبما‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الممكن‭ ‬اختراق‭ ‬ادولة‭ ‬الفسادب‭ ‬بمعاول‭ ‬الانفعال‭ ‬فإن‭ ‬المرحلة‭ ‬وحتى‭ ‬لا‭ ‬يفلت‭ ‬زمامها‭ ‬وحتى‭ ‬تكون‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الفساد‭ ‬حاسمة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تجديد‭ ‬االعدّة‭ ‬والعتادب‭… ‬أي‭ ‬تجديد‭ ‬المقاربة‭ ‬القانونية‭ ‬والتشريعية‭ ‬والتي‭ ‬تتسّم‭ ‬بالتشتت‭ ‬وعدم‭ ‬الوضوح‭ ‬وبأكثر‭ ‬دقة‭ ‬فإن‭ ‬الرئيس‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬مطالب‭ ‬بوضع‭ ‬ااستراتيجيا‭ ‬كاملةب‭ ‬لمقاومة‭ ‬مظاهر‭ ‬الفساد‭ ‬السابق‭ ‬واللاحق‭ ‬ودعم‭ ‬الآليات‭ ‬الرقابية‭ ‬والهيئات‭ ‬المختصة‭ ‬وتجديدها‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬حلّ‭ ‬الهيئة‭ ‬الوطنية‭ ‬لمكافحة‭ ‬الفساد‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬مكلفة‭ ‬بوضع‭ ‬السياسات‭ ‬ومتابعة‭ ‬تنفيذ‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬وباصدار‭ ‬المبادئ‭ ‬التوجيهية‭ ‬لمنع‭ ‬استفحاله‭ ‬اضافة‭ ‬الى‭ ‬دورها‭ ‬الأساسي‭ ‬والمتمثل‭ ‬في‭ ‬كشف‭ ‬الفساد‭ ‬بالقطاعين‭ ‬العام‭ ‬والخاص‭ ‬وتلقي‭ ‬الشكاوى‭ ‬والاشعارات‭… ‬ومنذ‭ ‬انهاء‭ ‬عمل‭ ‬هذه‭ ‬الهيئة‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬وضع‭ ‬بديل‭ ‬لها‭ ‬اضافة‭ ‬الى‭ ‬السؤال‭ ‬حول‭ ‬الملفات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬لديها‭ ‬وتضم‭ ‬معطيات‭ ‬شخصية‭ ‬اضافة‭ ‬الى‭ ‬هوية‭ ‬المبلغين‭ ‬عن‭ ‬الفساد‭ ‬والمشمولين‭ ‬بقانون‭ ‬يمنع‭ ‬الافصاح‭ ‬عن‭ ‬هوياتهم‭ ‬وعليه‭ ‬وبما‭ ‬ان‭ ‬الارادة‭ ‬السياسية‭ ‬قد‭ ‬أبانت‭ ‬عن‭ ‬عزمها‭ ‬وعلى‭ ‬تمسكها‭ ‬واصرارها‭ ‬على‭ ‬مقاومة‭ ‬الفساد‭ ‬فمن‭ ‬الاستعجالي‭ ‬تجديد‭ ‬الهيئات‭ ‬المختصة‭ ‬وتقوية‭ ‬الآليات‭ ‬الرقابية‭ ‬مع‭ ‬الدفع‭ ‬نحو‭ ‬قضاء‭ ‬عادل‭ ‬وفعال‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬البت‭ ‬في‭ ‬القضايا‭ ‬ونحن‭ ‬نتحدث‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬الزمن‭ ‬القضائي‭ ‬وأيضا‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬الامكانيات‭ ‬والضمانات‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬مؤهلا‭ ‬لمواجهة‭ ‬كمّ‭ ‬الملفات‭ ‬العالقة‭ ‬وبالتالي‭ ‬حسمها‭ ‬بسرعة‭ ‬ونجاعة‭… ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬فكرة‭ ‬تجديد‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬لمقاومة‭ ‬الفساد‭ ‬مهمّة‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬بعثه‭ ‬سنة‭ ‬2012‭ ‬وتمت‭ ‬عرقلته‭ ‬وتعطيل‭ ‬كل‭ ‬أشغاله‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬بما‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يشكّل‭ ‬خطرا‭ ‬على‭ ‬اكبار‭ ‬الفاسدينب‭ ‬وكانوا‭ ‬وقتها‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬وفي‭ ‬مواقع‭ ‬متقدمة‭ ‬من‭ ‬الحكم‭…‬

إن‭ ‬طريق‭ ‬مكافحة‭ ‬الفساد‭ ‬طويلة‭ ‬ومضنية‭ ‬وتستدعي‭ ‬عملا‭ ‬تشاركيا‭ ‬حقيقيا‭ ‬وإرادة‭ ‬سياسية‭ ‬قويّة‭ ‬وعزما‭ ‬كبيرا‭ ‬على‭ ‬اغلاق‭ ‬كل‭ ‬المنافذ‭ ‬أمام‭ ‬ثقافة‭ ‬الافلات‭ ‬من‭ ‬العقاب‭ ‬وهذه‭ ‬الطريق‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬يسلكها‭ ‬شخص‭ ‬بمفرده‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬عبقرية‭ ‬هذا‭ ‬الشخص‭ ‬باعتبار‭ ‬ثقلها‭ ‬وباعتبار‭ ‬ضخامة‭ ‬الملفات‭ ‬المفتوحة‭ ‬والعالقة‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬تشريك‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬والهيئات‭ ‬الحقوقية‭ ‬ضروري‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬القضايا‭ ‬مع‭ ‬تجديد‭ ‬الهيئات‭ ‬المختصّة‭ ‬وضبط‭ ‬مهامها‭ ‬وصلاحياتها‭ ‬ومن‭ ‬ثمّة‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬الانفعال‭ ‬والدهشة‭ ‬الى‭ ‬منطقة‭ ‬الفعل‭ ‬المقاوم‭ ‬للفساد‭…‬

فمن‭ ‬السهل‭ ‬تضمين‭ ‬مقاومة‭ ‬الفساد‭ ‬كأولوية‭ ‬من‭ ‬أولويات‭ ‬المرحلة‭ ‬وكعنوان‭ ‬أساسي‭ ‬ضمن‭ ‬السياسات‭ ‬العمومية‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬تحويل‭ ‬هذا‭ ‬التضمين‭ ‬الى‭ ‬فعل‭ ‬حقيقي‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬اذا‭ ‬ما‭ ‬انعدم‭ ‬النزوع‭ ‬التشاركي‭… ‬فالمعركة‭ ‬تحتاج‭ ‬الى‭ ‬مجهود‭ ‬جماعي‭ ‬مواطني‭ ‬ومجتمعي‭ ‬وقانوني‭ ‬وقضائي‭ ‬متماهٍ‭ ‬بالضرورة‭ ‬مع‭ ‬الارادة‭ ‬السياسية‭ ‬المطالبة‭ ‬بوضع‭ ‬استراتيجيا‭ ‬متكاملة‭ ‬تتضمن‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬بعناوين‭ ‬واضحة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ارساء‭ ‬دولة‭ ‬مواطنية‭ ‬عادلة‭…!‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

ذكرى الجمهورية بين «واقعتين»..!

يحتفل التونسيون اليوم بالذكرى 67 لعيد الجمهورية الموافق لـ25 جويلية 1957وهي ذكرى عزيزة على…