2023-12-04

من أجل إنقاذ مؤسسة الزواج من التلاشي : خبراء ومختصون يشخّصون الواقع ويطرحون البدائل

بات من الصعب اليوم على أغلب الشباب تكوين أسرة والقبول بالدخول إلى القفص الذهبي نتيجة للعديد من العوامل الاقتصاديّة والاجتماعية والثقافية والنفسية على غرار البطالة والفقر وارتفاع تكلفة الزواج وأيضا انعدام الثقة بين الطرفين لذلك  يفضّل الكثيرون تأجيل فكرة الارتباط  أو العزوف كليا عنها وهو ما يفسر بروز ظواهر عديدة منها ارتفاع نسب العنوسة وتأخر سن الزواج والإنجاب خارج أطر الزواج والأخطر من كل ذلك ارتفاع نسب الطلاق التي ستكون تداعياتها جد وخيمة على تماسك الأسرة وعلى ظروف عيش الأطفال الذين يمثلون الحلقة الاضعف.

لقد‭ ‬أصبحت‭ ‬الأسرة‭ ‬التونسية‭ ‬بسبب‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المتأزم‭ ‬تواجه‭ ‬ضغوطات‭ ‬متزايدة‭ ‬ساهمت‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬تفشي‭ ‬العنف‭ ‬الزوجي‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬إلى‭ ‬الطلاق‭ .‬

‭ ‬الشباب‭ ‬يرفض‭ ‬الهيمنة‭ ‬

لقد‭ ‬مثلت‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬النقاط‭ ‬محور‭ ‬اهتمام‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المختصين‭ ‬خلال‭ ‬اليوم‭  ‬الدراسي‭ ‬الذي‭ ‬نظمته‭ ‬وزارة‭ ‬الأسرة‭ ‬والمرأة‭ ‬والطفولة‭ ‬وكبار‭ ‬السن‭ ‬يوم‭ ‬الخميس‭ ‬30‭ ‬نوفمبر‭  ‬2023‭  ‬حول‭ ‬امؤسسة‭ ‬الزّواج‭ ‬في‭ ‬تونس‭: ‬سبل‭ ‬الدعم‭ ‬والحماية‭ ‬حيث‭ ‬أكّد‭ ‬السيّد‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬بن‭ ‬فرج،‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬اجتماعيّة‭ ‬ثقافيّة‭ ‬في‭ ‬مسارات‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الزّواج‭  ‬تحت‭ ‬عنوان‭  ‬اهويّة‭ ‬الثّنائي‭: ‬تشكّلها‭ ‬وتطوّرها‭ ‬أنّ‭ ‬التّحدّي‭ ‬الأكبر‭ ‬لدعم‭ ‬أركان‭ ‬الأسرة‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬لحظة‭ ‬تشكّل‭ ‬الثّنائي‭ ‬باعتبار‭ ‬أنّ‭ ‬الشّريك‭ ‬معاضد‭ ‬لمؤسّسة‭ ‬الزّواج،‭ ‬مبرزا‭ ‬أنّ‭ ‬الشّباب‭ ‬التّونسي‭ ‬باختلاف‭ ‬جنسه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مستعدّا‭ ‬لقبول‭ ‬أيّ‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الهيمنة‭ ‬وذلك‭ ‬لانفتاحه‭ ‬على‭ ‬المدرسة‭ ‬والتّعليم‭ ‬والحقوق‭ ‬الفرديّة‭…‬

وأضاف‭ ‬الخبير‭ ‬أنّه‭ ‬من‭ ‬الضّروريّ‭ ‬وضع‭ ‬خطط‭ ‬ضمن‭ ‬استراتيجيّة‭ ‬للمراقبة‭ ‬والتّكوين‭ ‬في‭ ‬كيفيّة‭ ‬بناء‭ ‬العلاقات‭ ‬المتوازنة‭ ‬والمنفتحة‭ ‬على‭ ‬انتظارات‭ ‬الشّريكين،‭ ‬وتعديل‭ ‬التّوقّعات‭ ‬المسبقة‭ ‬عبر‭ ‬آليّات‭ ‬الوساطة‭ ‬المدروسة‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬مختصّون‭ ‬في‭ ‬الوساطة‭ ‬الاجتماعيّة‭ ‬والإحاطة‭ ‬بالشّباب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التّثقيف‭ ‬السّليم‭ ‬في‭ ‬كيفيّة‭ ‬التّعامل‭ ‬مع‭ ‬انتظارات‭ ‬الشّريك‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الأصعدة‭ ‬الثّقافيّة‭ ‬والنّفسيّة‭ ‬والجنسيّة‭ ‬والانجابيّة،‭ ‬واعتبرت‭ ‬السّيدة‭ ‬إقبال‭ ‬الغربي،‭ ‬الباحثة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬علم‭ ‬النّفس‭ ‬والأنثروبولوجيا‭ ‬في‭ ‬مداخلتها‭ ‬حول‭ ‬امعايير‭ ‬بناء‭ ‬مؤسّسة‭ ‬الزّواج‭ ‬النّاجح‭ ‬ومقاييس‭ ‬اختيار‭ ‬الشّريكب‭ ‬أنّ‭ ‬مؤسسة‭ ‬الزّواج‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬المهيكلة‭ ‬والمحدّدة‭ ‬للاجتماع‭ ‬البشري‭ ‬وأنّ‭ ‬الزّواج‭ ‬علاقة‭ ‬بين‭ ‬شخصين‭ ‬مختلفين‭ ‬في‭ ‬الجنس‭ (‬رجل‭ ‬وامرأة‭) ‬يشرّعها‭ ‬ويحدّد‭ ‬المجتمع‭ ‬آليّات‭ ‬وجودها،‭ ‬مضيفة‭ ‬أنّ‭ ‬مقاربات‭ ‬علم‭ ‬اجتماع‭ ‬الأسرة‭ ‬وعلم‭ ‬النّفس‭ ‬الأسري‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬ثقافة‭ ‬اجتماعيّة‭ ‬وارشاديّة‭ ‬ونفسيّة،‭ ‬تشجّع‭ ‬على‭ ‬الزّواج‭ ‬وتسلّط‭ ‬الضّوء‭ ‬على‭ ‬مسألة‭ ‬اختيار‭ ‬الشّريك‭.‬

وأشار‭ ‬السيّد‭ ‬عبد‭ ‬الوهاب‭ ‬الشّارني،‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع،‭ ‬في‭ ‬مداخلته‭ ‬االتّعارف‭ ‬واختيار‭ ‬الشّريك‭ ‬عبر‭ ‬شبكات‭ ‬التّواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وتأثيرها‭ ‬على‭ ‬مؤسّسة‭ ‬الزّواجب‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬العولمة‭ ‬الاقتصاديّة‭ ‬والعمليّة‭ ‬الاتصاليّة‭ ‬مؤثرة‭ ‬في‭ ‬مؤسسة‭ ‬الزواج،‭ ‬مبرزا‭ ‬أنّ‭ ‬المجتمع‭ ‬الاتصالي‭ ‬قد‭ ‬هيمن‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعيّة‭ ‬والعلاقات‭ ‬الأسريّة‭ ‬نتيجة‭ ‬انتشار‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعيّة‭ ‬وتحكمها‭ ‬في‭ ‬مؤسسة‭ ‬الزواج‭ ‬بدلا‭ ‬عن‭ ‬الأساليب‭ ‬التقليديّة‭ ‬للزواج‭.‬

‭ ‬أسرة‭ ‬متماسكة‭ ‬

وبينت‭ ‬السيدة‭ ‬منية‭ ‬الرقيق،‭ ‬في‭ ‬مداخلتها‭ ‬حول‭ ‬امؤسسة‭ ‬الزواج‭ ‬وأهميتها‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬أسرة‭ ‬متماسكة‭ ‬ومتوازنةب‭ ‬أنّ‭ ‬من‭ ‬الوظائف‭ ‬الأساسية‭ ‬لمؤسسة‭ ‬الأسرة‭ ‬هي‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬التعديل‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬رغم‭ ‬التحولات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬والتغيّرات‭ ‬الوجودية،‭ ‬معتبرة‭ ‬أنّ‭ ‬جوهر‭ ‬التوتّر‭ ‬الذي‭ ‬تعيشه‭ ‬العائلة‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬كيفيّة‭ ‬التوفيق‭ ‬بين‭ ‬دور‭ ‬الأسرة‭ ‬كمؤسسة‭ ‬اجتماعية‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬الاندماج‭ ‬والتعديل‭ ‬وبناء‭ ‬فرد‭ ‬متماسك‭ ‬ومتوازن‭ ‬في‭ ‬الآن‭ ‬ذاته‭.‬

وبينت‭ ‬استنادا‭ ‬إلى‭ ‬الإحصائية‭ ‬القضائية‭ ‬تداعيات‭ ‬التفكك‭ ‬الأسري‭ ‬على‭ ‬الأطفال‭ ‬المهدّدين‭ ‬والأطفال‭ ‬في‭ ‬نزاع‭ ‬مع‭ ‬القانون،‭ ‬حيث‭ ‬أشارت‭ ‬أنّه‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬القضائية‭ ‬2021-2020‭ ‬تعهّد‭ ‬قضاة‭ ‬الأسرة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المحاكم‭ ‬الابتدائية‭ ‬بـ‭ ‬2468‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬المهدّدين‭. ‬في‭ ‬حين،‭ ‬استعرضت‭ ‬السيدة‭ ‬نرجس‭ ‬عمار،‭ ‬المندوبة‭ ‬الجهوية‭ ‬للديوان‭ ‬الوطني‭ ‬للأسرة‭ ‬والعمران‭ ‬البشري‭ ‬وأخصائية‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الجنس،‭ ‬الركائز‭ ‬الأساسية‭ ‬لاستمرار‭ ‬الزواج‭ ‬وهي‭ ‬المشاركة‭ ‬والإعجاب‭ ‬والثقة‭ ‬والتواصل‭ ‬والحياة‭ ‬الجنسية،‭ ‬مبيّنة‭ ‬أبرز‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الجنسية‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬التركيبة‭ ‬النفسية‭ ‬والتربية‭ ‬الجنسية‭ ‬والانتظارات‭ ‬من‭ ‬الشريك‭ ‬والاضطرابات‭ ‬الجنسية‭ ‬للطرفين‭ ‬وغيرها‭ ‬كما‭ ‬أشارت‭ ‬إلى‭ ‬كيفية‭ ‬التصرف‭ ‬إزاء‭ ‬الاضطرابات‭ ‬الجنسية‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬الطرفان‭ ‬وسبل‭ ‬التعهد‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الطبيب‭ ‬المختص‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الجنس‭.‬

‭ ‬تداعيات‭ ‬

وفي‭ ‬مداخلته‭ ‬حول‭ ‬االتّداعيات‭ ‬النفسيّة‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والاقتصاديّة‭ ‬للتوتّر‭ ‬والخلافات‭ ‬بين‭ ‬الأزواج‭ ‬وآثارها‭ ‬على‭ ‬الأطفال‭ ‬والأسر‭ ‬والمجتمعب‭ ‬أكّد‭ ‬السيّد‭ ‬الطاهر‭ ‬العارم،‭ ‬الأستاذ‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬والمندوب‭ ‬المساعد‭ ‬لحماية‭ ‬الطفولة‭ ‬بولاية‭ ‬سوسة‭ ‬أنّ‭ ‬الحياة‭ ‬الزوجيّة‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬الاجتماعيّة‭ ‬المتمثّلة‭ ‬في‭ ‬تعارض‭ ‬الأنماط‭ ‬السلوكيّة‭ ‬للزوجين‭ ‬حول‭ ‬أساليب‭ ‬التنشئة‭ ‬الاجتماعيّة‭ ‬للأطفال‭ ‬وطرق‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬ومعاملة‭ ‬الآخرين‭ ‬واختلاف‭ ‬القيم‭ ‬والعادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬وفي‭ ‬المستوى‭ ‬الثقافي‭ ‬والتعليمي‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬سوء‭ ‬التصرّف‭ ‬في‭ ‬الموارد‭ ‬الماليّة‭ ‬للأسرة‭ ‬وعدم‭ ‬الانفاق‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬الآثار‭ ‬الاجتماعية‭ ‬على‭ ‬الزوجين‭ ‬والمتمثّلة‭ ‬في‭ ‬تهديد‭ ‬استقرار‭ ‬الأسرة‭ ‬وبروز‭ ‬مشاعر‭ ‬الكراهية‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬الانفصال‭ ‬والابتعاد‭ ‬واستعمال‭ ‬القوة‭ ‬والعنف‭ ‬المادي‭ ‬والمعنويّ‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬تلبية‭ ‬الحاجيات‭ ‬الأساسيّة‭ ‬والعجز‭ ‬على‭ ‬الإحاطة‭ ‬والتربية‭.‬

كما‭ ‬قدّم‭ ‬أبرز‭ ‬الآثار‭ ‬الاجتماعيّة‭ ‬للتوتّرات‭ ‬والخلافات‭ ‬العائليّة‭ ‬على‭ ‬الأبناء‭ ‬من‭ ‬شعور‭ ‬بعدم‭ ‬الأمان‭ ‬ومواجهة‭ ‬صعوبات‭ ‬مدرسيّة‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬اختلال‭ ‬في‭ ‬التنشئة‭ ‬الاجتماعيّة‭ ‬للطفل‭ ‬وعدم‭ ‬قبوله‭ ‬للآخر‭ ‬وسرعة‭ ‬الانفعال‭ ‬والغضب‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

ترسانة من القوانين والتشريعات : هل اكتملت حقوق الطفل ..؟

تكاد  العديد من الدراسات الرسمية وغير الرسمية الكمية منها والنوعية في تونس كما في غيرها من…