2023-10-20

تدعم الكيان الصهيوني بلا شروط وتضع كل إمكانياتها السياسية والعسكرية من أجل سلامته : لِمََ تنزل أمريكا بكلّ ثقلها في المنطقة..؟

تتحرك الولايات المتحدة الامريكية بكلّ ثقلها في منطقة الشرق الاوسط… سياسيا عبر كبار ممثليها وهما الرئيس بادين ووزير خارجيته بلينكن وديبلوماسيا عبر سفرائها في كل العالم لمواجهة التحركات والمواقف المعادية لاسرائيل بالدول المعتمدين لديها وعسكريا من خلال تحريك بوارجها وأساطيلها البحرية اضافة الى قواتها البرية المتمركزة بالمنطقة واعلاميا من خلال توجيه كبار الصحافيين وكبرى القنوات التلفزيونية في أمريكا وفي أوروبا لتقديم «الرواية الكاذبة» كما هو حاصل الآن…
وبكل ثقلها ـ أيضا ـ تمارس الادارة الامريكية حق النقض في مجلس الامن الدولي وترفعه في وجه مشروع القرار الذي قدمته البرازيل الاربعاء الفارط ويحث جميع الاطراف على الامتثال الكامل للقانون الدولي ودعا القرار البرازيلي والذي تقدمت به بصفتها الرئيس الدوري لمجلس الأمن الى «هدنة انسانية من أجل السماح بوصول المساعدات من أغذية وماء ودواء وبشكل كامل وسريع الى قطاع غزة…» هذا «المقترح الانساني» واجهته أمريكا بالرفض ورفعت في وجهه «لاء النقض» وبالتالي لم يقع اعتماده…
ولم تكتف الادارة الامريكية بهذه العربدة اللاأخلاقية داخل مجلس الأمن بحيث رفعت للمرة الثانية وفي أقل من 48 ساعة «الفيتو» في وجه مشروع روسي يدعو الى وقف انساني لاطلاق النار وبشكل فوري ودائم مع تأمين اطلاق سراح كل الاسرى وتوفير المساعدات الانسانية من غذاء وماء ودواء لكل من يحتاجها من المدنيين في قطاع غزة…
أمريكا اسقطت هذا المشروع أيضا في مجلس الامن الدولي وهي تقف سدّا منيعا ـ الى الآن ـ ورغم حجم المأساة ضدّ دعوة البرلمان الاوروبي الى «وقفٍ انساني للقتال» وبالتوازي مع كل هذا الحراك الامريكي الهستيري نزل الرئيس الامريكي كما هو معلوم ضيفا على صديقه الشخصي رئيس الوزراء الاسرائيلي «بنيامين نتنياهو» والذي لم تمنعه المأساة في غزة من التعبير عن سعادته بتواجده باسرائيل مع التنويه بسخاء الاستقبال… ثم كذب كيفما شاء مع تأكيده على أن الادارة الامريكية ستوفر كل ما تحتاجه اسرائيل للدفاع عن وجودها الآمن في المنطقة ثم غادر في اتجاه الاردن…
ومن المهازل التي روّج لها أن قصف المستشفى المعمداني كان من جهة الجهاد الاسلامي (أسماهم الطرف الآخر) وهذه «كذبة حرب» تمّ كشفها وابطالها بالعود الى الاقمار الصناعية والتي أبانت جهة القصف وكان الرئيس بايدن قبل ذلك قد أطلق «كذبة حرب» كبرى حين تحدث عن اغتصاب وذبح الاطفال والنساء من طرف مقاومي حماس وكانت الكذبة كالفضيحة وقد سارع «الرئيس العجوز» إلى تكذيبها في بلاغ أصدره البيت الابيض وما يزال الاعلام الاوروبي والاسرائيلي بصدد ترديدها وبصدد رفعها كحجة قوية لتبرير «الجريمة الصهيونية» في غزة…
نحن اليوم أمام أمر واقع قديم بصدد التجدّد وهو عودة أمريكا بكل ثقلها الى منطقة الشرق الاوسط سياسيا وعسكريا واستخباراتيا ونحن اليوم أيضا أمام «وجهة نظر واحدة» في المنطقة وهي وجهة النظر الامريكية والتي لم تعد تقف في «منتصف المواقف» وانما أصبحت أكثر وضوحا في دعمها ومساندتها لاسرائيل وضد كل محاولات ادانة جرائمها أو إفشال مشروعها الكبير في تهجير الفلسطينيين ومن لم يمت منهم بالقصف سيموت جوعا وعطشا ولذلك تم تجفيف منابع كل دعم انساني مع رفع الفيتو في وجه كل مقترح بمجلس الامن الدولي…
تعمل الادارة الامريكية وتتحرك في المنطقة عبر كبار قادتها العسكريين او عبر وزير خارجيتها (قائد القيادة المركزية الامريكية وصل مصر يوم أمس) حتى لا تظهر مظهر الداعم الوحيد لاسرائيل في المنطقة وهي تسعى إلى تحييد الدول العربية وخاصة في منطقتي الشرق الاوسط والخليج العربي ودفعهم الىالتخفيض ـ كحدّ أدنى ـ من خطاب الادانة للجرائم الصهيونية في المنطقة وعليه فإن السؤال الابرز والاكثر أهمية هو الى متى يمكن ان يستمر الحال على ما هو عليه…؟ ماذا لو انفضّ من حولها حلفاء الامس خاصة مع امكانية توسّع التواجد الصيني الروسي في المنطقة ـ تماما ـ كما حدث مع سوريا حيث انقلبت موازين القوى بعد تدخل بوتين في المنطقة وبعد اعلانه للوجود القوي لروسيا والذي كان سببا في انقاذ نظام بشار الاسد من السقوط…
وهنا يمكن أن نفهم سبب هذا النزول الثقيل لأمريكا في المنطقة وهو في الواقع نزول بعنوانين أولا حماية اسرائيل وتوفير الوجود الآمن لكيانها باعتبارها حليف استراتيجي متقدم في المنطقة، وثانيا وهذا أساسي أيضا قطع الطريق أمام فكرة التوسّع الروسي ـ الصيني في منطقة الشرق الأوسط ومن ثمّة تحذير إيران من خطورة إقدامها على أيّ مغامرة.. وإيران في الواقع هي أيضا حليف استراتيجي متقدّم لروسيا والصين في المنطقة.
روسيا لها حليف قوي في المنطقة ومجاور لمنطقة النزاع ونعني ايران وبينهما شراكة عسكرية واستخباراتية كبرى وايران تسيطر أو هي تدير أكثر من جبهة مقاومة على الأرض أبرزها الجبهة التي يسيطر عليها حزب الله وكذا الجبهات التي تسيطر عليها حماس وبقية الفصائل على غرار الجهاد الاسلامي وكلّها في علاقة بإيران الحليف الكبير لروسيا والتي استخدمت ـ في إطار التحالف الحربي ـ «المسيّرات الايرانية» بكثافة في حربها على أوكرانيا…
التقارب بين ايران وموسكو يعتبر من أهم المفاتيح التي يمتلكها «بوتين» للتوسع في منطقة الشرق الاوسط وقواعدها العسكرية المتواجدة بالمنطقة تسمح لها بهذا التوسع وأمريكا تدرك ذلك جيدا وقد سارعت منذ «بدء الحرب» الى تحريك بوارجها وأساطيلها البحرية ونزلت سياسيا بكل ثقلها على أرض المعركة وهي كلّها رسائل موجهة الى ايران وقد حذّرها الرئيس الامريكي من خطر التدخل المباشر في الحرب الدائرة على الأراضي الفلسطينية وهي أيضا رسائل ضمنية الى روسيا ومن ثمّة الى الصين تحذر من حرب اقليمية جحيمية في حال تحركت ايران بدعم روسي صيني…
وفي كل الاحوال نحن لا نعتقد في تدخل مباشر روسي صيني في اطار خطّة التوسع بالمنطقة خاصة وأن فظاعة الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال قد حوّلت انتباه المجتمع الدولي عن الحرب الروسية الأوكرانية وصرفت اهتمام أمريكا التي نزلت بكل ثقلها في منطقة الشرق الاوسط وهو ما تعمل «موسكو» على «استثماره» ديبلوماسيا وذلك عبر خطاب الادانة الذي توجهه للادارة الامريكية باعتبارها المتسبب في تفاقم المأساة الفلسطينية بوقوفها الكامل مع اسرائيل وتسعى موسكو من وراء ذلك الى اضعاف أمريكا ومن ورائها أوروبا عبر خطاب تتوجه به موسكو الى كل الدول المساندة لفلسطين في منطقة الشرق الاوسط ويجد مقبولية وانتصارا كبيرا لمفرداته التي تدين بقوة الادارة الامريكية والمقدمة على انتخابات قد يكون «خراجها» لصالح بوتين في حال فوز الجمهوريين ومن وعودهم تخفيض الدعم العسكري لأوكرانيا…
التبدلات سريعة في المنطقة وحلفاء اليوم قد ينتقلون الى المعسكر المقابل اذا ما انقلبت الموازين وفي الانتظار نحن ـ هنا ـ بصدد احصاء «الشهداء» وهم يصعدون تباعا الى السماء…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

«مجلس أعلى للثقافة».. من أجل إعادة البناء..!

 من أكثر القطاعات التي تحتاج الى «حرب تحرير وتطهير» كبرى، قطاع الثقافة و«ثكنته البيروقراطي…