في الشأن التربوي الزمن المدرسي هو رافعة مردودية المنظومة التربوية
يلعب الزمن المدرسي دورا يكاد يكون محوريا في تعلم الناشئة ونجاحها وبالتالي فهو يؤثر تأثيرا مهما على مردودية المدرسة وبالتالي مردودية المنظومة التربوية. لذلك فإن تطويره باعتماد البحوث والمقاربات العلمية الحديثة سيجعل الفضاء المدرسي فضاء رفاه بالنسبة للمتعلمين مما سيطور من نتائجهم المدرسية وسيعطي للمدرسة أسلوب اشتغال حديث يطور مردودها وبالتالي مردود المنظومة التربوية كلها . فكيف نحقق ذلك ؟
تعرف المردودية عموما بأنها قياس الفرق بين مدخلات المنظومة التربوية ومخرجاتها بمقارنة عدد الناجحين والراسبين والمتسربين في المؤسسات التربوية بعدد المسجلين فيها وهو ما يسمى بالمردود الواقعي . وحساب نسبة المردود في منظومة تربوية يساعد على اتخاذ أي قرارات تعدل نسبته وتعالج النقائص . كما يعرف المردود المدرسي من ناحية المكتسبات المدرسية بأنه قياس حجم الكفايات المدرسية التي تعلمها تلميذ في مستوى تعليمي معين وفق المعايير والأهداف المحددة والخصوصية التي يقوم عليها كل مستوى تعليمي . فمثلا عندما نحدد في أهدافنا أن التلميذ يجب أن يتم التعليم الابتدائي وهو قادر على القراءة والكتابة والقيام بالعمليات الحسابية الأساسية فنحن نتناول بذلك المعايير التي بها نقيم مردودية المنظومة في مستوى مكتسبات التعليم الابتدائي . فتقاس نسبة المردودية بنسبة المتمكنين من تلك الكفايات مقارنة بالعدد العام للتلاميذ في ذلك المستوى . هذا في المطلق ، لكن المردودية تتأثر بعديد العوامل التي تساهم إما في ارتفاعها أو تدنيها نذكر من بينها وأهمها دافعية الناشئة للتعلم، وانتظاراتهم والعائلة والمجتمع من المدرسة، والمقاربات البيداغوجية المعتمدة في التعليم، وجودة التعليم ، ونوعية تكوين المدرسين، وكيفية اشتغال الحياة المدرسية ، والجانب العلائقي في المدرسة بين التلاميذ فيما بينهم وبينهم وبين المدرسين، وعلاقة المدرسة بالعائلة ، والظروف التي تتم فيها عملية التعليم والتعلم …. ومن بين تلك الظروف نذكر خاصة الزمن المدرسي . فكيف يؤثر الزمن المدرسي في تعلّم التلاميذ ونجاحهم وبالتالي أثره في مردود المنظومة التربوية ؟
أثر الزمن المدرسي في المردود
يبدو لعديد المتابعين للشأن التربوي أن تنظيم الزمن المدرسي عملية شكلية لا دخل لها في تعلّم الناشئة . لأنهم فهموا أن التنظيم يعني توزيع جداول أوقات المدرسين والمتعلمين وتوزيع فترات الامتحانات والعطل . لكن تطور البحث التربوي في علاقة بالبحوث الجديدة التي تربط بين النشاط الإنساني وزمن وقوعه والتي تطبق في عديد الأنشطة كالطب مثلا .. واستنتج الباحثون التربويون في هذا المجال بأن زمن التعلّم وفتراته المختلفة تتأثر بنفسية المتعلم وبحضوره الذهني في علاقة بساعته البيولوجية الداخلية وبالتالي فهي تؤثر في استيعاب المتعلمين ومدى تمكنهم من المعارف التي تقدمها لهم المدرسة وفي درجة الانتباه لديهم . بل وتبين لهم أن اعتماد زمن معين للدراسة يوميا وأسبوعيا واعتماد فترات معينة للراحة أسبوعيا وسنويا وفق هذه المقاربة يزيد من حب المتعلمين للمدرسة وتعلقهم بالدراسة ويقوي دافعيتهم للتعلم .
وتقوم المقاربات الجديدة على تقصير حصص الدراسة وعدد الساعات اليومية والأسبوعية وتنظيم فترات الراحة السنوية في كل ثلاثي وفي آخر السنة الدراسية ووضع برامج مدرسية تتناسب مع الزمن الجديد وتستجيب لتطلعات الناشئة . وبينت الدراسات أن مردودية المنظومات التربوية التي تطبق تلك القواعد مرتفعة وأن التلميذ فيها يعمل في أريحية وبحكم ذلك يكون أداء المدارس مرتفعا وهذا يعني أن أداء المنظومة يصبح مرتفعا أيضا .
على هذا الأساس فإن زمنا مدرسيا بمفهوم حديث وبمقاربة نفسية تربوية سيكون دعامة لمردودية المنظومة التربوية من حيث المخرجات في المستقبل ومن حيث نوعية التعليم المقدم والذي يعتمد أساسا التكنولوجيات الحديثة . لكن أيضا سيؤثر في الحياة المدرسية إذ سيسمح بتنظيم أنشطة ثقافية ورياضية وفنية وترفيهية في المدارس وسيكون سدا منيعا ضد التوترات والتصرفات غير الحضارية التي تطال المدرسة كالعنف الموجه ضد المدرسين أو العنف المتبادل بين التلاميذ كما سيساعد على حل معضلة الانقطاع المدرسي .
إن التطوير على هذا الأساس مطلوب من أجل بناء مدرسة تونسية جديدة ومتطورة.
في الشأن التربوي : حتى نؤسّس لثقافة اللاّعنف في الوسط المدرسي
تنتشر اليوم ظاهرة العنف في الفضاء العام في تونس . ورغم المحاولات المتكررة للتصدي للظاهرة إ…