2023-10-14

حتى تتجاوز تونس الضغوطات الخارجية «المرحلة صعبة» وفي حاجة إلى شركاء وطنيين..!

تواجه‭ ‬تونس‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬اولاجتماعية‭ ‬عمّقها‭ ‬العجز‭ ‬عن‭ ‬تمويل‭ ‬الميزانية‭ ‬وتوفير‭ ‬التمويلات‭ ‬الضرورية‭ ‬لتجاوز‭ ‬الشح‭ ‬في‭ ‬السيولة‭ ‬خاصة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العملة‭ ‬الصعبة‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬إيفائها‭ ‬بتعهداتها‭ ‬الخارجية‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬بتسديد‭ ‬الديون‭ ‬أو‭ ‬اقتناء‭ ‬حاجياتها‭ ‬الأساسية‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬من‭ ‬السوق‭ ‬العالمية‭.‬

وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬تجد‭ ‬تونس‭ ‬نفسها‭ ‬تحت‭ ‬ضغوطات‭ ‬خارجية‭ ‬كبرى‭ ‬فرضها‭ ‬الوضع‭ ‬الإقليمي‭ ‬الدولي‭ ‬والذي‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬جرّ‭ ‬تونس‭ ‬إلى‭ ‬سياسة‭ ‬محاور‭ ‬معينة‭ ‬و‭ ‬انخراطها‭ ‬في‭ ‬تجاذبات‭ ‬سياسية‭ ‬بين‭ ‬الأقطاب‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬كلمتها‭ ‬وخياراتها‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬بدوره‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬متغيرات‭ ‬متسارعة‭ ‬لتغيير‭ ‬أحادية‭ ‬القطب‭.‬

و‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬تأتي‭ ‬صعوبة‭ ‬تحقيق‭ ‬المعادلة‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬التحديات‭ ‬الداخلية‭ ‬والضغوطات‭ ‬الخارجية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭  ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬أزمتها‭ ‬المتشابكة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هشاشة‭ ‬تماسك‭ ‬الجبهة‭ ‬الداخلية‭ ‬وعدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬مناخات‭ ‬للثقة‭ ‬وتشاركية‭ ‬في‭ ‬الرؤية‭ ‬للمستقبل‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مشروع‭ ‬وطني‭ ‬ومجتمعي‭ ‬تنخرط‭ ‬فيه‭ ‬جميع‭ ‬القوى‭ ‬الحية‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تثمين‭ ‬قدراتنا‭ ‬الداخلية‭ ‬والسعي‭ ‬إلى‭ ‬التعويل‭ ‬عليها‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬عند‭ ‬لقائه‭ ‬مؤخرا‭ ‬أحمد‭ ‬الحشاني،‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة،‭ ‬وسهام‭ ‬البوغديري‭ ‬نمصية،‭ ‬وزيرة‭ ‬المالية‭ ‬بقصر‭ ‬قرطاج‭.‬

وتناول‭ ‬اللقاء‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬لسنة‭ ‬2024‭ ‬ومشروع‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬التعديلي‭ ‬لسنة‭ ‬2023‭  ‬كما‭ ‬تم‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والنمو‭ ‬الحقيقي‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬إمكانياتنا‭ ‬واختياراتنا‭ ‬الوطنية‭.‬

وأكد‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية،‭ ‬بالمناسبة،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬قادرة‭ ‬بإمكانياتها‭ ‬الذاتية‭ ‬على‭ ‬تخطي‭ ‬كل‭ ‬الصعوبات‭ ‬بعزم‭ ‬شعبها‭ ‬وعلى‭ ‬استقلال‭ ‬قرارها‭ ‬الوطني‭ ‬وبانخراط‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬التحرير‭ ‬التي‭ ‬نخوضها‭ ‬ولن‭ ‬نقبل‭ ‬أن‭ ‬نخرج‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬منتصرين‭ ‬محفوظي‭ ‬السيادة‭ ‬والكرامة‭ ‬الوطنية‭. ‬

ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬أوضح‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬أنه‭ ‬تمت‭ ‬إعادة‭ ‬المبلغ‭ ‬الذي‭ ‬قدّمه‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬دون‭ ‬علم‭ ‬السلطات‭ ‬التونسية‭ ‬بعنوان‭ ‬مقاومة‭ ‬جائحة‭ ‬الكوفيد‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة‭ ‬فيها‭ ‬مساس‭ ‬بكرامتنا‭ ‬وفرض‭ ‬أمر‭ ‬واقع‭ ‬لم‭ ‬تقع‭ ‬حتى‭ ‬استشارتنا‭ ‬فيه،‭ ‬فشعبنا‭ ‬يرفض‭ ‬المنة‭ ‬تحت‭ ‬أي‭ ‬عنوان‭ ‬ولا‭ ‬يقبل‭ ‬إلا‭ ‬بالتعامل‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬روح‭ ‬شراكة‭ ‬إستراتيجية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الندية‭ ‬والاحترام‭. ‬

وقد‭ ‬انطلقت‭ ‬تونس‭ ‬منذ‭ ‬مطلع‭ ‬السنة‭ ‬الجارية‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬حلول‭ ‬لتمويل‭ ‬الميزانية‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬تعثر‭ ‬حصولها‭ ‬على‭ ‬قرض‭ ‬1.9‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬حصولها‭ ‬على‭ ‬الموافقة‭ ‬المبدئية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الخبراء‭ ‬و‭ ‬قد‭ ‬خلق‭ ‬هذا‭ ‬التعثر‭ ‬فجوة‭ ‬في‭ ‬تمويل‭ ‬ميزانية‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬ضمن‭ ‬تقديراتها‭ ‬الأولية‭ ‬قيمة‭ ‬هذا‭ ‬القرض‭ ‬كما‭ ‬يبرز‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التوتر‭ ‬الحاصل‭ ‬بين‭ ‬تونس‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬رفض‭ ‬تونس‭ ‬مبلغ‭ ‬60‭ ‬مليون‭ ‬أورو‭ ‬الذي‭ ‬قدمه‭ ‬الاتحاد‭ ‬بعنوان‭ ‬دعم‭ ‬الميزانية‭ ‬والتخفيف‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬ترفض‭ ‬الضغوطات‭ ‬الخارجية‭ ‬بعنوان‭ ‬الدعم‭ ‬المادي‭ ‬واستغلال‭ ‬أزمتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لفرض‭ ‬توجهات‭ ‬إقليمية‭ ‬معينة‭ ‬أو‭ ‬القبول‭ ‬بملف‭ ‬التطبيع‭ ‬الذي‭ ‬يتضح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأحداث‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬أنه‭ ‬حجر‭ ‬الزاوية‭ ‬لأي‭ ‬تفاهمات‭ ‬اقتصادية‭ ‬أو‭ ‬مالية‭ ‬محتملة‭.‬

وهو‭ ‬ما‭ ‬تواصل‭ ‬تونس‭ ‬مواجهته‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬قناعات‭ ‬مبدئية‭ ‬وسيادية‭ ‬مع‭ ‬رفض‭ ‬المساومة‭ ‬بأي‭ ‬أزمة‭ ‬داخلية‭  ‬مع‭ ‬العمل‭ ‬على‭  ‬الاستثمار‭ ‬في‭  ‬المقدرات‭ ‬الداخلية‭ ‬للبلاد‭.‬

  ‬علما‭ ‬وأن‭ ‬تونس‭ ‬اقترضت‭ ‬من‭ ‬البنوك‭ ‬المحلية‭ ‬منذ‭ ‬مطلع‭ ‬سنة‭ ‬2023،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬قرضين‭ ‬بالعملة‭ ‬الصعبة‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بالقرض‭ ‬البنكي‭ ‬المجمّع،‭ ‬مبلغا‭ ‬قارب‭ ‬المليار‭ ‬و150‭ ‬مليون‭ ‬دينار،‭ ‬ما‭ ‬يشكّل‭ ‬ضعف‭ ‬المبلغ‭ ‬المرسوم‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬ميزانية‭ ‬الدولة‭ ‬لسنة‭ ‬2023‭.‬

وتقتضي‭ ‬الخطط‭ ‬الحكومية،‭ ‬وفق‭ ‬بيانات‭ ‬وردت‭ ‬ضمن‭ ‬تقرير‭ ‬حول‭ ‬ميزانية‭ ‬الدولة‭ ‬لسنة‭ ‬2023،‭ ‬اقتراض‭ ‬قرابة‭ ‬528‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭ ‬من‭ ‬السوق‭ ‬المحلية‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬عملة‭ ‬صعبة‭ ‬فقط‭  ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تعبئة‭ ‬موارد‭ ‬بالعملة‭ ‬الصعبة‭ ‬ناهزت،‭ ‬مليارا‭ ‬و270‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭ ‬سنة‭ ‬2021،‭ ‬وسعت‭ ‬إلى‭ ‬تعبئة‭ ‬340‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭ ‬وفق‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬لسنة‭ ‬2022‭ .‬

وتأتي‭ ‬هذه‭ ‬البيانات‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬سعي‭ ‬الحكومة‭ ‬إلى‭ ‬تعبئة‭ ‬قرابة‭ ‬24،3‭ ‬مليار‭ ‬دينار،‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬موارد‭ ‬اقتراض‭ ‬متنوعة‭ ‬خلال‭ ‬سنة‭ ‬2023‭ ‬تشمل‭ ‬مجالات‭ ‬الاقتراض‭ ‬الداخلي‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬رقاع‭ ‬الخزينة‭ ‬والقرض‭ ‬الرقاعي‭ ‬الوطني‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬القرض‭ ‬البنكي‭ ‬بالعملة‭.‬

ويؤكد‭ ‬خبراء‭ ‬الاقتصاد‭ ‬أنه‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬توفير‭ ‬مداخيل‭ ‬مالية‭ ‬لتمويل‭ ‬الميزانية‭ ‬فإن‭ ‬تونس‭ ‬بحاجة‭ ‬لتحسين‭ ‬مناخ‭ ‬الأعمال‭ ‬والاستثمار‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتطلب‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬ترتيب‭ ‬البيت‭ ‬الداخلي‭ ‬واستعادة‭ ‬منسوب‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ (‬حكومة‭ ‬ومنظمات‭ ‬اجتماعية‭ ‬ورجال‭ ‬أعمال‭) ‬و‭ ‬الانطلاق‭ ‬في‭ ‬تجاوز‭ ‬حالة‭ ‬العطالة‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬البلاد‭ ‬نتيجة‭ ‬تخوف‭ ‬البعض‭  ‬من‭ ‬ملامح‭ ‬المستقبل‭ ‬التي‭ ‬تظلّ‭ ‬غير‭ ‬واضحة‭  ‬نظرا‭ ‬لغياب‭  ‬رؤية‭ ‬مشتركة‭ ‬لتجاوز‭ ‬مختلف‭ ‬الأزمات‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬تونس‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

دعوة لبعث مجلس السيادة الغذائية : ضمانة ديمومة المنظومات الإنتاجية والحدّ من التبعية الغذائية

كشفت أزمة جائحة كورونا والحرب الروسية -الأوكرانية عن هشاشة منظومات الإنتاج المحلية في تونس…