2023-10-13

صفعات متتالية على وجوه من احترفوا الوصاية: تونس لا تُزايد على أحد بل تخُطّ مواقف أصيلة وثابتة…

ربما‭ ‬من‭ ‬اللحظات‭ ‬القليلة‭ ‬التي‭ ‬يذكرها‭ ‬تاريخ‭ ‬العمل‭ ‬العربي‭ ‬المشترك،‭ ‬لحظة‭ ‬وقوف‭ ‬تونس‭ ‬بتحفظ‭ ‬واستنكار‭ ‬لقرار‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الذي‭ ‬أباح‭ ‬استدعاء‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬التحريرب‭ ‬الكويت‭ ‬وتدمير‭ ‬العراق،‭ ‬وها‭ ‬هي‭ ‬تعيدها‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تحفظها‭ ‬على‭ ‬البيان‭ ‬الهزيل‭ ‬الذي‭ ‬صدر‭ ‬عن‭ ‬اجتماع‭ ‬وزراء‭ ‬خارجية‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬والذي‭ ‬لم‭ ‬يرتق‭ ‬الى‭ ‬مستوى‭ ‬اللحظة‭ ‬التاريخية،‭ ‬ولم‭ ‬يلامس‭ ‬حقيقة‭ ‬الجرائم‭ ‬الرهيبة‭ ‬البشعة‭ ‬التي‭ ‬تمارس‭ ‬كل‭ ‬ساعة‭ ‬وكل‭ ‬دقيقة‭ ‬ضد‭ ‬شعبنا‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬كيلومترات‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬مقر‭ ‬انعقاد‭ ‬الاجتماع‭.‬

كثير‭ ‬من‭ ‬المراقبين‭ ‬اعتبر‭ ‬ان‭ ‬البيان‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬في‭ ‬الساعات‭ ‬الاولى‭ ‬لعملية‭ ‬طوفان‭ ‬الاقصى،‭ ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬مزايدة‭ ‬خطابية‭ ‬واعنترياتب‭ ‬ثورية‭ ‬كما‭ ‬يسميها‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج،‭ ‬لكن‭ ‬تونس‭ ‬أثبتت‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تزايد‭ ‬بالخطابات‭ ‬ولا‭ ‬تتاجر‭ ‬بالكلمات،‭ ‬بل‭ ‬تمارس‭ ‬قناعات‭ ‬وثوابت‭ ‬ومواقف‭ ‬أصيلة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الطعن‭ ‬فيها‭.‬

تونس‭ ‬برهنت‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬مباشرة‭ ‬اثر‭ ‬انتهاء‭ ‬الاجتماع‭ ‬وما‭ ‬تمخض‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬بيان‭ ‬هزيل،‭ ‬على‭ ‬انها‭ ‬لا‭ ‬تساوم‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬الحق‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬التي‭ ‬يعتبرها‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬منذ‭ ‬ثمانية‭ ‬وأربعين‭ ‬قضيته‭ ‬المركزية،‭ ‬مازالت‭ ‬كما‭ ‬هي،‭ ‬وقناعة‭ ‬التونسيين‭ ‬لم‭ ‬تتغير‭ ‬ولم‭ ‬تتلون‭ ‬بألوان‭ ‬الموجات‭ ‬التطبيعية‭ ‬ولا‭ ‬بمشاريع‭ ‬صياغة‭ ‬الشرق‭ ‬الاوسط‭ ‬الجديد‭.‬

فقد‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬بلاغ‭ ‬نُشر‭ ‬منتصف‭ ‬ليلة‭ ‬أمس‭ ‬على‭ ‬الصفحة‭ ‬الرسمية‭ ‬لرئاسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬قد‭ ‬اكلّف‭ ‬السيد‭ ‬نبيل‭ ‬عمار،‭ ‬وزير‭ ‬الشؤون‭ ‬الخارجية‭ ‬والهجرة‭ ‬والتونسيين‭ ‬بالخارج،‭ ‬بتقديم‭ ‬التحفظ‭ ‬التالي‭ ‬على‭ ‬نص‭ ‬القرار‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬اجتماع‭ ‬مجلس‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الوزاري‭ ‬في‭ ‬دورته‭ ‬غير‭ ‬العادية‭ ‬المنعقد‭ ‬يوم‭ ‬الأربعاء‭ ‬11‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭: ‬

اان‭ ‬تونس،‭ ‬الثابتة‭ ‬على‭ ‬مواقفها‭ ‬والمتمسكة‭ ‬بحق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬دولته‭ ‬المستقلة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬وعاصمتها‭ ‬القدس‭ ‬الشريف‭ ‬أولى‭ ‬القبلتين‭ ‬وثالث‭ ‬الحرمين‭ ‬الشريفين،‭ ‬تتحفظ‭ ‬جملة‭ ‬وتفصيلا‭ ‬على‭ ‬القرار‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬اجتماع‭ ‬مجلس‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الوزاري‭ ‬في‭ ‬دورته‭ ‬غير‭ ‬العادية‭ ‬بتاريخ‭ ‬11‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬لأن‭ ‬فلسطين‭ ‬ليست‭ ‬ملفًا‭ ‬أو‭ ‬قضية‭ ‬فيها‭ ‬مدّع‭ ‬ومدّع‭ ‬عليه،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬حق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسقط‭ ‬بالتقادم‭ ‬أو‭ ‬يسقطه‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني‭ ‬بالقتل‭ ‬والتشريد‭ ‬وقطع‭ ‬أبسط‭ ‬مقومات‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬ماء‭ ‬ودواء،‭ ‬ومن‭ ‬غذاء‭ ‬وكهرباء،‭ ‬ومن‭ ‬استهداف‭ ‬للشيوخ‭ ‬وللنساء‭ ‬والأطفال‭ ‬الأبرياء‭ ‬وللبيوت‭ ‬وللمشافي‭ ‬وطواقم‭ ‬النجدة‭ ‬والإسعاف‭. ‬

إن‭ ‬الحق،‭ ‬بمقاييس‭ ‬شرائع‭ ‬الأرض‭ ‬والسماء،‭ ‬بيّن‭ ‬وعلى‭ ‬الإنسانية‭ ‬كلها‭ ‬أن‭ ‬تنتصر‭ ‬للحق‭ ‬وتستحضر‭ ‬المذابح‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬شعبنا‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬الذي‭ ‬مازال‭ ‬يقدم‭ ‬جحافل‭ ‬الشهداء‭ ‬وآلاف‭ ‬الجرحى‭ ‬والثكالى‭ ‬والأيتام‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استرجاع‭ ‬حقه‭ ‬السليب‭ ‬في‭ ‬أرضه‭ ‬السليبة‭ ‬كل‭ ‬فلسطينب‭.‬

من‭ ‬ناحية‭ ‬ثانية،‭ ‬قالت‭ ‬صفحة‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬ان‭ ‬الرئيس‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬خلال‭ ‬لقائه‭ ‬برئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬السيد‭ ‬الحشاني،‭ ‬ووزيرة‭ ‬المالية‭ ‬السيدة‭ ‬نمصية‭ ‬البوغديري،‭ ‬أعلن‭ ‬ان‭ ‬تونس‭ ‬قد‭ ‬أرجعت‭ ‬مبلغ‭ ‬الستين‭ ‬مليون‭ ‬أورو،‭ ‬الذي‭ ‬أرسله‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاوروبي‭ ‬دون‭ ‬استشارة‭ ‬تونس‭ ‬ودون‭ ‬التنسيق‭ ‬معها،‭ ‬على‭ ‬اساس‭ ‬أنه‭ ‬مساعدة‭ ‬متأخرة‭ ‬تعويضا‭ ‬عما‭ ‬تكبدته‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬مجابهة‭ ‬الكوفيد‭.‬

وجاء‭ ‬في‭ ‬بلاغ‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬عن‭ ‬اللقاء‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬أول‭ ‬أمس‭ ‬أنه‭ ‬اتمت‭ ‬إعادة‭ ‬المبلغ‭ ‬الذي‭ ‬قدّمه‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬دون‭ ‬علم‭ ‬السلطات‭ ‬التونسية‭ ‬بعنوان‭ ‬مقاومة‭ ‬جائحة‭ ‬الكوفيد‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة‭ ‬فيها‭ ‬مساس‭ ‬بكرامتنا‭ ‬وفرض‭ ‬أمر‭ ‬واقع‭ ‬لم‭ ‬تقع‭ ‬حتى‭ ‬استشارتنا‭ ‬فيه،‭ ‬فشعبنا‭ ‬يرفض‭ ‬المنة‭ ‬تحت‭ ‬أي‭ ‬عنوان‭ ‬ولا‭ ‬يقبل‭ ‬إلا‭ ‬بالتعامل‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬روح‭ ‬شراكة‭ ‬إستراتيجية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الندية‭ ‬والاحترامب‭.‬

صفعتان‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬واحد‭ ‬لجهتين‭ ‬مختلفتين‭ ‬جغرافيا‭ ‬وثقافيا‭ ‬وسياسيا،‭ ‬لكنهما‭ ‬تلتقيان‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬واحد‭ ‬هو‭ ‬احتراف‭ ‬مبدإ‭ ‬الوصاية‭ ‬على‭ ‬الشعوب،‭ ‬والتحكم‭ ‬في‭ ‬مصائر‭ ‬الدول،‭ ‬والنطق‭ ‬باسمها،‭ ‬والتعاطي‭ ‬معها‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬التعالي‭ ‬والفوقية،‭ ‬واعطاء‭ ‬الدروس‭ ‬للبلدان‭ ‬التي‭ ‬تعتبرها‭ ‬بمقاييسها‭ ‬اضعيفةب،‭ ‬وفرض‭ ‬تبعية‭ ‬دائمة‭ ‬في‭ ‬القرارات‭ ‬التي‭ ‬تسطّرها‭ ‬في‭ ‬غرف‭ ‬مظلمة‭ ‬وتمررها‭ ‬وتطلب‭ ‬من‭ ‬الجميع‭ ‬القبول‭ ‬بها‭ ‬وتمريرها،‭ ‬حتى‭ ‬دون‭ ‬مناقشة‭ ‬محتواها‭.‬

وهذا‭ ‬ما‭ ‬دأبت‭ ‬عليه‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬منذ‭ ‬تأسيسها،‭ ‬وكذلك‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاوروبي،‭ ‬لكن‭ ‬تونس‭ ‬استطاعت،‭ ‬وخلال‭ ‬أربع‭ ‬وعشرين‭ ‬ساعة‭ ‬فقط‭ ‬أن‭ ‬توجه‭ ‬صفعتين‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬موقفين‭ ‬قويين‭ ‬حازمين،‭ ‬رافضين‭ ‬للتبعية‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬المواقف‭ ‬والثوابت‭ ‬الأصيلة،‭ ‬وللتبعية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬يريدونها‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬منطق‭ ‬رمي‭ ‬الفتات‭ ‬للشعوب‭ ‬الضعيفة‭ ‬حتى‭ ‬تسكت‭ ‬وتفعل‭ ‬ما‭ ‬نطلبه‭ ‬منها‭.‬

صحيح‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬قد‭ ‬تكلّف‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬ربما‭ ‬بعض‭ ‬التبعات‭ ‬والنتائج،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬المحصّلة‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬لبلادنا‭ ‬ان‭ ‬تردّ‭ ‬على‭ ‬هؤلاء‭ ‬المتغطرسين،‭ ‬وكان‭ ‬عليهم‭ ‬ان‭ ‬يتلقوا‭ ‬الصفعات‭ ‬وهم‭ ‬الذين‭ ‬تعودوا‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬اعطاء‭ ‬التعليمات‭ ‬وأخذ‭ ‬القرارات،‭ ‬نيابة‭ ‬عن‭ ‬الاخرين‭ ‬ودون‭ ‬حتى‭ ‬استشارتهم‭ ‬او‭ ‬إعلامهم‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

يمكنها‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬بديلا‭ ‬قارا‭ ‬وثابتا‭:‬ السياحة‭ ‬البديلة‭ ‬ومفهوم‭ ‬الاحتياط‭ ‬لكل‭ ‬المواسم

تشكّل‭ ‬السياحة‭ ‬رافدا‭ ‬هاما‭ ‬من‭ ‬روافد‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني،‭ ‬بل‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭…