تزايدت أعدادهم خلال السنوات الأخيرة : من يوقف ظاهرة التسوّل في شوارع العاصمة ؟
بملابس ممزقة متسخة ومهترئة وأحذية بالية تكتسيها اكوام من الغبار ، وبصوت تغلب عليه نبرة حزن مصطنع يطلب العطف من المارة ، يتخذ المتسولون الشوارع والازقة مقرات عمل لهم يبدؤون يومهم بتقمص الشخصيات منذ طلوع الفجر وينتهون بعد منتصف الليل ، منهم من يستعمل علبة الادوية حجة لتسوله ومنهم من يدّعي اصابته بمرض خبيث ، ومنهم من يجلس على كرسي متحرك يوهم المارة بانه مقعد لا يقوى على الحركة …
جميع هذه القصص المتعددة والمختلفة هدفها واحد وهو طلب الرأفة من القلوب السخية لمدهم ببعض من القطع النقدية لتتهاطل بعدها سيول من دعوات الخير والنجاح يستبشر بها المارة .
لا يختلف اثنان في ان ظاهرة التسول قد تفاقمت في السنوات الاخيرة وبشكل ملفت فلم يعد يقتصر تواجدهم على الشوارع والازقة فقط بل اصبحنا نراهم في كل الاماكن في وسائل النقل والمحطات والاسواق والمطاعم والمقاهي والمساجد ، وحتى امام المؤسسات العمومية والخاصة . والملفت للانتباه ان المواطن لم يعد قادرا على التمييز بين المتسولين الذين دفعتهم الظروف الاجتماعية والاقتصادية لطلب يد العون ، وبين المتسوّلين المحتالين الذين يثيرون استعطاف المارة وينجحون في نيل أموال طائلة دون تعب او مشقة.
وفي تعليقه على تفاقم ظاهرة التسول في تونس اكد الاستاذ في علم الاجتماع سامي نصر ان تفشي هذه الظاهرة يعود الى عدة اسباب ابرزها البطالة والازمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد والسبب الاخر يتعلق بانتشار ظاهرة التحيل وظهور اشكال جديدة من المهن مشيرا الى ان عملية التسول لم تعد مجرد طلب حسنة ومد اليد للغير ، بل تطورت في السنوات الاخيرة لتصبح اوظيفةب ومهنة تتطلب حرفية عالية واتقانا جيدا للدور الذي يتقمصه المتسول اضافة الى حسن اختيار توقيت ممارسة هذه المهنة والمكان المتميز والضحية المناسبة خاصة لمن يعتمد على التحيل في ذلك .
وفسر نصر انه عادة ما ترتبط هذه التقنيات بخصائص المتسول ذاته مثل الجنس والفئة العمرية ، فالذكور منهم يعتمدون عادة على تقمص دور المحتاج الظرفي او المعاق ليتمكنوا من كسب عطف ضحيتهم ، في حين تتقمص الاناث دور الام الحنون على ابنائها والعاجزة عن توفير قوتهم .كما تتغير عبارات التسول حسب الفئة العمرية التي ينتمي اليها المتسول ، وترتبط تقنيات التسول حسب خصائص المكان الذي يتواجدون فيه ، فالمختصون منهم بالمساجد يتقمصون دور التقي والزاهد في الدين احيانا يعتمدون على نوع اللباس او اللحية الطويلة. واحيانا اخرى تراهم يطلبون حسنة لبناء مسجد ولاقناع اصحاب القلوب الطيبة، يحملون معهم وثيقة توحي بانهم ممثلون لاحد المساجد . اما المختصون بالتسول في المستشفيات فيعتمدون عبارات وتقنيات اخرى تتماشى وخصوصية هذا المكان.
شركات وجمعيات متخصصة في التسول
وابرز الاستاذ في علم الاجتماع ان ظاهرة التسول قد خرجت من دائرة الاحتراف والمهارة الفردية الى ما يسمى بالعمل التنظيمي والمؤسساتي ، كما ان عالم التسول لم يعد مقتصرا على النشاط الفردي والنشاط المهيكل في شكل شركات خفية تمارس نشاطها بشكل سري بل اقتحمت هذه الظاهرة عالم الجمعيات والمجتمع المدني لتخرج الظاهرة من العالم السري الخفي الى العالم العلني وبنوعية نشاط الجمعية.
التسوّل تجارة مربحة…
ولفت محدثنا الى ان ظاهرة التسول قد واكبت التطور التكنولوجي الحاصل في العالم وخاصة المتعلقة منها بعالم الاتصال الرقمي وتوظيف شبكات التواصل الاجتماعي للقيام بالتسول ، احيانا يكون بشكل فردي واحيانا اخرى يكون بشكل منظم ومهيكل وكثيرا ما تتداخل العديد من الظواهر الاجتماعية والاجرامية مع بعضها البعض مثل التسول والتحيل والشعوذة … مشيرا الى ان هناك شركات عابرة للقارات تشتغل في هذا المجال توفر الحماية للمتسولين وتوزعهم على المناطق وتؤمن لهم التنقل.
واثبت المسح الميداني الذي اجرته الجمعية الدولية للدفاع عن حقوق الانسان والاعلام خلال شهر افريل الماضي حول ظاهرة التسول ان 4000 متسول بينهم قرابة 600 طفل يتوزعون على اقليم تونس الكبرى ، وان 60 % منهم من النساء مرفوقات عادة باطفال وان المدخول اليومي للفرد الواحد منهم يقدر بـ 20 و30 دينارا وبعضهم يصل دخله اليومي الى 70 دينارا . كما كشف المسح الميداني عن ان 15 % فقط من المتسولين هم من الفقراء واجبرتهم الخصاصة والفقر على الخروج للتسول.
وكانت تونس قد باشرت برنامجا لمكافحة كل اشكال التسول منذ سنة 2000 ، حيث قامت خلاله بتوفير وحدات تتكون من اخصائيين اجتماعيين واعوان امن لمراقبة الشوارع والفضاءات العامة ، واطلقت خدمات اجتماعية تتيح تمكين المتسولين من موارد رزق قارة ومساعدات في السكن ودعم مالي مباشر ، غير ان هذا البرنامج قد توقف منذ اندلاع ثورة 14 جانفي ، مما ادى الى ارتفاع اعداد المتسولين .
كما تجرّم تونس التسول وتعاقب عليه ضمن الفصل 171 من القانون الجنائي التونسي ، حيث ينص هذا القانون على عقوبات تصل الى ستة اشهر لكل من يتحايل على الناس ويكذب عليهم كي يحصل على الصدقة وترتفع العقوبة الى عام كامل اذا كان المتسول يستغل طفلا للتاثير على المارة.
لتلبية حاجيات السوق الداخلية : وصول شحنات من السكر والقهوة مطلع الأسبوع المقبل
مازال نسق التزود بمادتي السكر والقهوة بطيئا في الأسواق الداخلية ، حيث يشتكي المستهلك من نق…