2023-10-10

هل عجز الإعلام الوطني عن الارتقاء إلى مستوى اللحظة : الخطاب السياسي ذهب بعيدا… وبعض المنابر فقدت توازنها

بداية‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التنويه‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬القنوات‭ ‬التلفزية‭ ‬الرسمية‭ ‬العربية‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬أن‭ ‬تواكب‭ ‬الحدث‭ ‬العظيم‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلة،‭ ‬وبعضها‭ ‬تعثّر‭ ‬ولم‭ ‬يستطع‭ ‬الثبات‭ ‬والمواصلة،‭ ‬والبعض‭ ‬الآخر‭ ‬كأنه‭ ‬غير‭ ‬معني‭ ‬أصلا‭ ‬بالحدث،‭ ‬وحدها‭ ‬القنوات‭ ‬التجارية‭ ‬واكبت‭ ‬وتابعت‭ ‬العملية‭ ‬لحظة‭ ‬بلحظة،‭ ‬وبكل‭ ‬أبعادها‭ ‬وتفاصيلها،‭ ‬وحللت‭ ‬ووجهت‭ ‬حسب‭ ‬رؤيتها‭ ‬ومن‭ ‬منطلق‭ ‬مموّليها،‭ ‬سياسيا‭ ‬وعقائديا‭.‬

والاعلام‭ ‬الوطني‭ ‬لم‭ ‬يحد‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬القاعدة،‭ ‬اذ‭ ‬غابت‭ ‬التلفزة‭ ‬الوطنية‭ ‬عن‭ ‬تغطية‭ ‬الحدث‭ ‬طيلة‭ ‬العشر‭ ‬ساعات‭ ‬الاولى،‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬عنفوان‭ ‬الحدث،‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬منبهرا‭ ‬ومشدوها‭ ‬ويبحث‭ ‬عن‭ ‬التغطية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬منبر‭ ‬يخطر‭ ‬على‭ ‬باله،‭ ‬وبقيت‭ ‬تنتظر‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬الرسمي،‭ ‬وحتى‭ ‬عندما‭ ‬صدر‭ ‬بلاغ‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهورية،‭ ‬فانها‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬مواكبته‭ ‬واكتفت‭ ‬بتصدير‭ ‬الخبر‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬النشرة‭ ‬مع‭ ‬استدعاء‭ ‬ضيوف‭ ‬وسؤالهم‭ ‬بطريقة‭ ‬تبدو‭ ‬بدائية‭ ‬جدا‭ ‬ولا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬بما‭ ‬يحدث،‭ ‬من‭ ‬قبيل‭: ‬بماذا‭ ‬شعرت‭ ‬عندما‭ ‬سمعت‭ ‬بعملية‭ ‬الطوفان‭ ‬في‭ ‬فلسطين؟‭.‬

في‭ ‬حين‭ ‬حاول‭ ‬الاعلام‭ ‬الخاص‭ ‬ان‭ ‬يلحق‭ ‬بركب‭ ‬الحدث‭ ‬لا‭ ‬ان‭ ‬يواكب‭ ‬الحدث‭ ‬ويصنع‭ ‬منه‭ ‬فرجة‭ ‬تليق‭ ‬وخبرا‭ ‬يستوعبه‭ ‬المشاهدون،‭ ‬فتنادت‭ ‬بعض‭ ‬القنوات‭ ‬الى‭ ‬ابلاتوهاتب‭ ‬تشعر‭ ‬انها‭ ‬قامت‭ ‬على‭ ‬عجل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ان‭ ‬تقول‭ ‬فقط‭ ‬نحن‭ ‬هنا‭ ‬ونواكب،‭ ‬وحتى‭ ‬من‭ ‬حضروها‭ ‬كانوا‭ ‬مختلفين‭ ‬جدا،‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬ان‭ ‬يبين‭ ‬للناس‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬حدثا‭ ‬عظيما‭ ‬يجري‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬الحبيبة،‭ ‬وبين‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬ان‭ ‬يقول‭ ‬أنظروا‭ ‬إليّ‭ ‬اني‭ ‬أحب‭ ‬فلسطين‭ ‬وألبس‭ ‬كوفيتها‭.‬

لكن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬ينفي‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬أصواتا‭ ‬برزت‭ ‬منذ‭ ‬الدقائق‭ ‬الاولى‭ ‬للعملية،‭ ‬وواكبت‭ ‬بكل‭ ‬نبضها‭ ‬واستطاعت‭ ‬ان‭ ‬تفرض،‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الاذاعات‭ ‬الخاصة‭ ‬على‭ ‬الاقل،‭ ‬متابعة‭ ‬حينية‭ ‬ومواكبة‭ ‬كبرى‭ ‬لكل‭ ‬تفاصيل‭ ‬العملية،‭ ‬مع‭ ‬إعطاء‭ ‬الإخبار‭ ‬والتحاليل‭ ‬زخما‭ ‬نضاليا‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬الموقفين‭ ‬الشعبي‭ ‬والرسمي‭ ‬مما‭ ‬يجري‭.‬

وهي‭ ‬ليست‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬يعجز‭ ‬فيها‭ ‬إعلامنا‭ ‬الوطني‭ ‬عن‭ ‬الارتقاء‭ ‬الى‭ ‬مستوى‭ ‬حدث‭ ‬بهذا‭ ‬الحجم‭ ‬وهذه‭ ‬الأهمية،‭ ‬الى‭ ‬درجة‭ ‬بدا‭ ‬خطاب‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬عالي‭ ‬السقف‭ ‬جدا‭ ‬مقارنة،‭ ‬بالتلفزة‭ ‬والإذاعة‭ ‬الوطنية‭ ‬وحتى‭ ‬بوكالة‭ ‬الأنباء‭ ‬الرسمية،‭ ‬حيث‭ ‬وصل‭ ‬خطابه‭ ‬إلى‭ ‬سقف‭ ‬مبدئي‭ ‬تعوّد‭ ‬العرب‭ ‬عادة‭ ‬على‭ ‬تجاهله،‭ ‬حيث‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬البلاغ‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬غلاف‭ ‬غزة‭ ‬هو‭ ‬أرض‭ ‬فلسطينية‭ ‬محتلة‭ ‬وان‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬الوقوف‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬لتحرير‭ ‬أرضهم‭ ‬فلسطين‭ ‬التاريخية،‭ ‬وهي‭ ‬لغة‭ ‬خلت‭ ‬منها‭ ‬البلاغات‭ ‬الرسمية‭ ‬العربية‭ ‬منذ‭ ‬عقود،‭ ‬وحلّت‭ ‬محلها‭ ‬لغة‭ ‬تدّعي‭ ‬الواقعية‭ ‬والعقلانية،‭ ‬وتقوم‭ ‬على‭ ‬مصطلحات‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬او‭ ‬الحوار‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬او‭ ‬مبادرات‭ ‬السلام‭ ‬والتطبيع‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الكلمات‭ ‬التي‭ ‬ربما‭ ‬بدأ‭ ‬الاعلام‭ ‬الرسمي،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬او‭ ‬الوطني‭ ‬العربي،‭ ‬يتعوّد‭ ‬عليها‭ ‬ولم‭ ‬يستطع‭ ‬ان‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬بوتقتها‭ ‬خلال‭ ‬تغطيته‭ ‬لعملية‭ ‬طوفان‭ ‬الاقصى‭.‬

خطاب‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬كان‭ ‬أعلى‭ ‬سقفا‭ ‬بكثير‭ ‬ربما‭ ‬مما‭ ‬توقعه‭ ‬القائمون‭ ‬على‭ ‬المنابر‭ ‬الاعلامية‭ ‬الوطنية،‭ ‬خاصة‭ ‬الرسمية‭ ‬منها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬البعض‭ ‬منها‭ ‬يترنح،‭ ‬ولم‭ ‬يستوعب‭ ‬اصدمةب‭ ‬السقف‭ ‬العالي‭ ‬لخطاب‭ ‬الرئيس،‭ ‬وبقي‭ ‬يراوح‭ ‬مكانه‭ ‬بين‭ ‬المساندة‭ ‬المحتشمة،‭ ‬وبين‭ ‬اللغة‭ ‬الخشبية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تعطي‭ ‬موقفا‭ ‬واضحا،‭ ‬وفي‭ ‬الاخير‭ ‬اعتمد‭ ‬على‭ ‬المنقول‭ ‬من‭ ‬القنوات‭ ‬العربية‭ ‬والعالمية،‭ ‬وخصوصا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬خطته‭ ‬وكالات‭ ‬الانباء‭ ‬ومراسلات‭ ‬التلفزيون‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬الاراضي‭ ‬المحتلة،‭ ‬ولم‭ ‬يكلّف‭ ‬نفسه‭ ‬عناء‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬مصدر‭ ‬مستقل‭ ‬خاص‭ ‬به‭ ‬وسط‭ ‬طوفان‭ ‬من‭ ‬الاخبار‭ ‬التي‭ ‬بالتأكيد‭ ‬لا‭ ‬تبثها‭ ‬منابر‭ ‬موحدة‭ ‬او‭ ‬ذات‭ ‬نفس‭ ‬الاهداف،‭ ‬بل‭ ‬كل‭ ‬كما‭ ‬يحلو‭ ‬له،‭ ‬ومنابرنا‭ ‬نقلت‭ ‬عنهم‭ ‬بغثه‭ ‬وسمينه‭.‬

وهذا‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬يعطي‭ ‬اشارة‭ ‬ليست‭ ‬بالهيّنة،‭ ‬خصوصا‭ ‬أمام‭ ‬من‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬اصلاح‭ ‬الاعلام‭ ‬او‭ ‬من‭ ‬ينادون‭ ‬بالنهوض‭ ‬بالقطاع،‭ ‬وما‭ ‬عليهم‭ ‬الا‭ ‬ان‭ ‬يراجعوا‭ ‬رؤاهم‭ ‬لان‭ ‬الوهن‭ ‬بلغ‭ ‬حدا‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬معه‭ ‬الاصلاح‭ ‬هيّنا،‭ ‬فحين‭ ‬تعجز‭ ‬منابر‭ ‬اعلامية‭ ‬مملوكة‭ ‬للدولة‭ ‬والشعب‭ ‬التونسي‭ ‬عن‭ ‬التماهي‭ ‬مع‭ ‬موقف‭ ‬الدولة‭ ‬والشعب،‭ ‬فمعنى‭ ‬ذلك‭ ‬ان‭ ‬الخلل‭ ‬كبير‭ ‬وان‭ ‬الاصلاح‭ ‬طريق‭ ‬طويل‭ ‬وصعب‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

يمكنها‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬بديلا‭ ‬قارا‭ ‬وثابتا‭:‬ السياحة‭ ‬البديلة‭ ‬ومفهوم‭ ‬الاحتياط‭ ‬لكل‭ ‬المواسم

تشكّل‭ ‬السياحة‭ ‬رافدا‭ ‬هاما‭ ‬من‭ ‬روافد‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني،‭ ‬بل‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭…