2023-08-23

في‭ ‬سياق‭ ‬التناغم‭ ‬بين‭ ‬القصرين‭:‬ أي‭ ‬برنامج‭ ‬حكومي‭ ‬لتطهير‭ ‬الإدارة؟

في‭ ‬لقائه‭ ‬برئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬السيد‭ ‬الحشاني،‭ ‬أكد‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬دور‭ ‬الإدارة‭ ‬هو‭ ‬اتنفيذ‭ ‬سياسة‭ ‬الدولة‭ ‬وعلى‭ ‬ضرورة‭ ‬الإسراع‭ ‬بتطهيرها‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬تعطيل‭ ‬أي‭ ‬مرفق‭ ‬عموميب،‭ ‬وهي‭ ‬دعوة‭ ‬واضحة‭ ‬وليست‭ ‬الاولى،‭ ‬للشروع‭ ‬في‭ ‬بحث‭ ‬ملفات‭ ‬المؤسسات‭ ‬والوزارات‭ ‬وكل‭ ‬الادارة‭ ‬التونسية‭ ‬التي‭ ‬امتلأت‭ ‬بشوائب‭ ‬عديدة،‭ ‬وبعشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬ممن‭ ‬يعطّلون‭ ‬أعمالها‭ ‬ولا‭ ‬يقومون‭ ‬بواجباتهم،‭ ‬بل‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬يشكّلون‭ ‬عقبة‭ ‬أمام‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬ان‭ ‬يشتغل‭ ‬بجدّية‭ ‬وعزم‭.‬

وكلام‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬موجّها‭ ‬الى‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬بوصفه‭ ‬مسؤولا‭ ‬تنفيذيا‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬بوصفه‭ ‬مسؤولا‭ ‬سياسيا‭ ‬عُيّن‭ ‬في‭ ‬ذاك‭ ‬المنصب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تنفيذ‭ ‬سياسة‭ ‬الدولة‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاغراق‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬عمل‭ ‬اداري‭ ‬يومي‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬ينجزه‭ ‬غيره‭.‬

ذلك‭ ‬ان‭ ‬حكومة‭ ‬السيد‭ ‬الحشاني‭ ‬جاءت‭ ‬على‭ ‬اثر‭ ‬رحيل‭ ‬حكومة‭ ‬السيدة‭ ‬بودن‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬انها‭ ‬رحلت‭ ‬لانها‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬حلّ‭ ‬المعضلات‭ ‬التي‭ ‬أرادت‭ ‬الدولة‭ ‬حلها،‭ ‬ولم‭ ‬تستطع‭ ‬ان‭ ‬تجسّم‭ ‬قرارات‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬وتنفّذ‭ ‬سياساته،‭ ‬أي‭ ‬باختصار‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬ان‭ ‬تنزّل‭ ‬شعارات‭ ‬المرحلة‭ ‬الجديدة‭ ‬ويافطاتها‭ ‬وعناوينها‭ ‬الكبرى‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬وتحوّلها‭ ‬الى‭ ‬سياسة‭ ‬عمل‭ ‬وبرنامج‭ ‬تنفيذي‭ ‬يتحقق‭ ‬للمواطن‭ ‬وتجني‭ ‬ثماره‭ ‬المجموعة‭ ‬الوطنية‭.‬

وبالتالي‭ ‬فوجود‭ ‬حكومة‭ ‬تكنوقراط‭ ‬او‭ ‬بيروقراطية‭ ‬ادارية‭ ‬لا‭ ‬يغني‭ ‬شيئا،‭ ‬لان‭ ‬المطلوب‭ ‬حكومة‭ ‬سياسية‭ ‬تنفّد‭ ‬شعارات‭ ‬المرحلة،‭ ‬وهو‭ ‬خيار‭ ‬رفض‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬الذهاب‭ ‬فيه‭ ‬الى‭ ‬آخره،‭ ‬ولم‭ ‬يشأ‭ ‬أن‭ ‬يكلّف‭ ‬حكومة‭ ‬حزبية،‭ ‬رغم‭ ‬وجود‭ ‬أحزاب‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬بالحجم‭ ‬الكافي‭ ‬للحكم،‭ ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬مستعدة‭ ‬لممارسة‭ ‬نشاطها‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬يراه‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة،‭ ‬أي‭ ‬انها‭ ‬كانت‭ ‬قابلة‭ ‬لتشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬ائتلافية‭ ‬مع‭ ‬بعضها،‭ ‬وحتى‭ ‬لتشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬مشتركة‭ ‬بين‭ ‬المتحزبين‭ ‬والتكنوقراط،‭ ‬ولكل‭ ‬الاحتمالات،‭ ‬لكن‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬اختار‭ ‬المواصلة‭ ‬في‭ ‬خيار‭ ‬التعويل‭ ‬على‭ ‬اأبناء‭ ‬الادارة‭ ‬التونسيةب‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬تربّوا‭ ‬داخل‭ ‬الوظيفة‭ ‬العمومية‭ ‬ويعرفون‭ ‬دهاليز‭ ‬ودواليب‭ ‬الدولة‭ ‬كيف‭ ‬تسير‭ ‬وكيف‭ ‬تدور،‭ ‬ومن‭ ‬المفترض‭ ‬أنهم‭ ‬مؤهّلون‭ ‬قبل‭ ‬غيرهم‭ ‬لاصلاح‭ ‬الادارة‭ ‬واعادة‭ ‬هيكلتها،‭ ‬او‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬تطهيرها‭ ‬من‭ ‬العناصر‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تعطيل‭ ‬برامج‭ ‬الدولة‭.‬

رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬مازال‭ ‬مصرّا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬االإدارة‭ ‬التونسية‭ ‬تعجّ‭ ‬بالكفاءات،‭ ‬التّي‭ ‬سُدّت‭ ‬أمامها‭ ‬أبواب‭ ‬تحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬وهي‭ ‬كفاءات‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحلّ‭ ‬محلّ‭ ‬من‭ ‬لم‭ ‬يؤدّ‭ ‬واجبه‭ ‬على‭ ‬الوجه‭ ‬المطلوب‭ ‬وأخلّ‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تعطيله‭ ‬لمصالح‭ ‬المواطنين‭ ‬بواجب‭ ‬التحفظ‭ ‬المحمول‭ ‬عليهب‭.‬

هذه‭ ‬الفقرة‭ ‬التي‭ ‬وردت‭ ‬في‭ ‬صفحة‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬وتحديدا‭ ‬في‭ ‬البلاغ‭ ‬المتعلق‭ ‬بلقائه‭ ‬برئيس‭ ‬الحكومة،‭ ‬الهدف‭ ‬منها‭ ‬الاشارة‭ ‬الى‭ ‬حادثة‭ ‬بعينها‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬وصلت‭ ‬للرئيس‭ ‬تقارير‭ ‬بشأنها،‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬العموم‭ ‬تمثّل‭ ‬الرؤية‭ ‬التي‭ ‬يؤمن‭ ‬بها‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬وأصبح‭ ‬يتطرّق‭ ‬اليها‭ ‬مؤخرا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناسبة،‭ ‬واصراره‭ ‬على‭ ‬التأكيد‭ ‬عليها‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬امام‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬تحفيز‭ ‬للحكومة‭ ‬على‭ ‬الاسراع‭ ‬بتنفيذ‭ ‬برامج‭ ‬الدولة‭ ‬ومقاومة‭ ‬الاحتكار‭ ‬والفساد‭ ‬والتهريب‭ ‬والاحتكار،‭ ‬وهو‭ ‬أيضا‭ ‬تحفيز‭ ‬للحكومة‭ ‬على‭ ‬التحول‭ ‬الى‭ ‬جهاز‭ ‬تنفيذي‭ ‬فعّال،‭ ‬صاحب‭ ‬مبادرة،‭ ‬يرسم‭ ‬سياساته‭ ‬وفق‭ ‬تعليمات‭ ‬الرئيس‭ ‬ويحرص‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬توجهات‭ ‬الدولة‭.‬

فبقاء‭ ‬الحكومة‭ ‬على‭ ‬صمتها‭ ‬وانتظار‭ ‬مبادرات‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة،‭ ‬يحوّلها‭ ‬بمرور‭ ‬الزمن‭ ‬الى‭ ‬اداة‭ ‬تنفيذ‭ ‬غير‭ ‬فعّالة‭ ‬وقد‭ ‬يدخلها‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬عطالة،‭ ‬باعتبار‭ ‬ان‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬التي‭ ‬تباشر‭ ‬بنفسها‭ ‬مواضيع‭ ‬حياتية‭ ‬يومية،‭ ‬كمعضلة‭ ‬الخبز‭ ‬والدقيق‭ ‬والاسعار‭ ‬وحتى‭ ‬الانتصاب‭ ‬الفوضوي‭ ‬وغلاء‭ ‬المعيشة‭ ‬والعودة‭ ‬المدرسية‭ ‬والطرقات‭ ‬والمستشفيات‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬قيد‭ ‬البناء‭ ‬وغيرها،‭ ‬وهي‭ ‬وظائف‭ ‬المفترض‭ ‬انها‭ ‬حكومية،‭ ‬وعجز‭ ‬الحكومة‭ ‬عن‭ ‬انجازها‭ ‬لا‭ ‬يرجع‭ ‬فقط‭ ‬الى‭ ‬قلّة‭ ‬الصلاحيات‭ ‬الممنوحة‭ ‬لها،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يرجع‭ ‬الى‭ ‬عامل‭ ‬التحفظ‭ ‬البيروقراطي‭ ‬الذي‭ ‬يلجم‭ ‬عادة‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬أخذ‭ ‬المبادرة‭ ‬والمغامرة‭ ‬بالارتماء‭ ‬على‭ ‬المنجز‭ ‬والمخاطرة‭ ‬السياسية‭ ‬بالربح‭ ‬او‭ ‬الخسارة‭.‬

ذلك‭ ‬ان‭ ‬الحكومة‭ ‬السياسية‭ ‬وحدها‭ ‬التي‭ ‬تمتلك‭ ‬هامش‭ ‬المناورة‭ ‬وتمتلك‭ ‬برنامج‭ ‬العمل‭ ‬المدعوم‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬سياسية‭ ‬تستطيع‭ ‬تسويقه‭ ‬ودعمه‭ ‬والدفاع‭ ‬عنه،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬الحكومة‭ ‬البيروقراطية‭ ‬الا‭ ‬ميزة‭ ‬التريث‭ ‬والتأني،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يحوّلها‭ ‬بمرور‭ ‬الوقت‭ ‬الى‭ ‬عبء‭ ‬على‭ ‬الدولة،‭ ‬خاصة‭ ‬اذا‭ ‬كانت‭ ‬الدولة‭ ‬تعيش‭ ‬مرحلة‭ ‬شعارات‭ ‬كبرى‭ ‬وعناوين‭ ‬قيادية‭ ‬تريد‭ ‬التأسيس‭ ‬لمشروع‭ ‬جديد‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

يمكنها‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬بديلا‭ ‬قارا‭ ‬وثابتا‭:‬ السياحة‭ ‬البديلة‭ ‬ومفهوم‭ ‬الاحتياط‭ ‬لكل‭ ‬المواسم

تشكّل‭ ‬السياحة‭ ‬رافدا‭ ‬هاما‭ ‬من‭ ‬روافد‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني،‭ ‬بل‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭…