إن استكمال المسار السياسي ووضع اللمسات الأخيرة لبقية الاستحقاقات الوطنية في الفترة القليلة المقبلة ونقصد هنا انتخاب المجالس المحلية ومجلس الأقاليم والجهات الغرفة التشريعية الثانية يقتضي اليوم وبالتوازي مع ذلك التمهيد لوضع خارطة طريق واضحة وشاملة لاستكمال المسار الاقتصادي والاجتماعي الذي لا يقل أهمية عن السياسي بل يعتبر من أولويات هذه المرحلة بامتياز.
وإذا ما سلّمنا بأن المطالب الأساسية التي قامت من أجلها الثورة هي الشغل والحرية والكرامة الوطنية وهو الشعار ذاته الذي رفع في الأيام الأولى للثورة في مختلف المناطق والجهات وهتف به الملايين من التونسيين فقد بات من الوجاهة اليوم تحويل هذا الشعار إلى ممارسة وواقع ذرغم اقتناعنا وإدراكنا بصعوبة هذه المرحلة ذباعتبار أن التعافي الاقتصادي وانعكاسه على الوضع الاجتماعي في أي دولة كانت حدثت بها ثورة أو انتفاضة تنتهي بتغيير النظام السياسي وإحداث تغييرات جوهرية في الدولة مؤسساتية وتشريعية واجتماعية واقتصادية وغيرها تمتدّ على ثلاثة عقود كحد أدنى وذلك يكون على الأقل بداية بالمصارحة الحقيقية ووضع خارطة طريق شاملة تلتزم بها جميع الأطراف وتضمن الدولة تفعيلها وتنفيذها وفق آليات واضحة ومضبوطة زمنيا.
فاستكمال المسار الاقتصادي والاجتماعي اليوم بات حتمية ملّحة يفرضها الواقع ويشرّعها المطلب الشعبي المتواصل من أجل تحسين وضعية المواطن التونسي وتحسين دخله وإيجاد الحلول الكفيلة بأن يحظى كل مواطن تونسي في كل شبر من وطننا العزيز بالحد الأدنى من العيش الكريم وبالكرامة التي تعزز انتماءه وحبه لهذا الوطن الذي ذهب ضحيته شهداء في سبيل استقلالية قراره الوطني وسيادته.
أكثر من اثني عشر عاما ومايزال المواطن التونسي ينتظر تحقيق أهداف الثورة وهو على وعي تام بدقة المرحلة وأن تحقيق جملة المطالب التي ينتظرها رهين القطع مع السياسات الخاطئة التي أعتمدت سابقا من قبل الحكومات المتعاقبة أو من قبل مسؤولين سابقين في الدولة في إطار المحاصصة والولاءات خدمة لأجندات خاصة وترضية لبارونات التهريب واالحيتان الكبرىب الذين احتكروا كل شيء.. دون استثناء وفي كل قطاع ومجال، في استضعاف تام للفقراء وللمواطن البسيط وللطبقة الوسطى وفي ضرب واضح للقانون ولمؤسسات الدولة.
نعتقد أن من أبرز مطالب االتوانسةب اليوم هو التشغيل وإيجاد مورد رزق وتحسين المقدرة الشرائية وتحسين المرفق العام في جل القطاعات في الصحة والتربية والتعليم… وضمان كافة حقوق المواطن التونسي وفي كل الفضاءات العامة والخاصة وتكريسها فعليا على أرض الواقع دون تمييز والإحاطة بالطبقة الوسطى التي تنهار يوما بعد يوم خاصة في ظل تواصل الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها على بلادنا التي ليست بمعزل عن كل المتغيّرات الإقليمية والدولية.
لا يمكن أن تتحقق هذه المطالب وفق تقديرنا إلا بالخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية التي تمر بها البلاد وتجاوز هذه التراكمات التي أصبحت إرثا مؤرقا للدولة وللمجتمع إلا بالمرور إلى خلق الثروة والإنتاج وجلب الاستثمارات وغيرها من الآليات التي تعتبر حلولا لتجاوز هذه الأزمة الراهنة التي تعتبر نتيجة طبيعية لسياسات خاطئة وفاشلة اعتمدت خاصة خلال العشرية الأخيرة.
وعلى سبيل الذكر لا الحصر فان البنك الدولي ذكر في تقرير له حول الظرف الاقتصادي لتونس صدر في ديسمبر الماضي تحت عنوان اإدارة الأزمة في وضع اقتصادي مضطربب، أنه يتعين على تونس إصلاح منظومة دعم الحبوب المكلفة على مستوى الدعم المباشر والتوريد لضمان صلابة النظام الغذائي، علما بأن هذه الإصلاحات الحساسة سياسيا واجتماعيا تتطلب دراسة معمقة وجدولة لمواعيد تنفيذها.
فمشكلة التضخم النقدي وارتفاع الأسعار ليست جديدة، ولكنها زادت بشكل ملحوظ مؤخراً، ومن المرجح أن يستمر التضخم عند مستويات عالية إلى نهاية العام الحالي ،حيث تقدر نسبة التضخم في تونس بحسب أحدث بيانات لمعهد الإحصاء بـ9.1 بالمائة، إلى حدود جويلية 2023 بتراجع طفيف عمّا تم تسجيله في أفريل الفارط حيث قدرت النسبة بـ10.1 %.
كما أدى التضخم النقدي وارتفاع الأسعار الدوري بحسب دراسة جديدة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إلى توسع دائرة الفقر في تونس لتشمل ثلث السكان وتآكل الطبقة المتوسطة، نتيجة السياسات الاقتصادية الخاطئة وانخفاض نسبة النمو، والتداين المفرط بسبب انعدام خلق الثروة.
فتجاوز الأزمة الحادة ومتعددة الأبعاد التي تعيش على وقعها بلادنا منذ أكثر من عقد من الزمن رهين تجاوز مطبّات خارجية في علاقة بالحد من المديونية وسياسة الاقتراض والأخذ بعين الاعتبار جل المتغيّرات الإقليمية والدولية وبناء شراكات مربحة، وأخرى داخلية من قبيل إيجاد بدائل لتعبئة موارد إضافية للدولة وخلق الثروة وحسن استثمارها لصالح االتوانسةبوتغيير المنوال التنموي لبلادنا بما يتوافق مع خصوصيتنا ويحقق الاكتفاء الذاتي في أغلب المنتوجات وخاصة منها الحبوب ذولنا من القدرة والكفاءات والأراضي الدولية وبذورنا الممتازة التي استرجعنا مؤخرا جزءا منها ما يضمن تحقيق ذلك- ووضع سياسات عمومية تستجيب للوضع الاقتصادي الدقيق وما يفرضه من تحديات على المالية العمومية وانتظارات الشعب التونسي في علاقة بتحقيق النمو الاقتصادي والنهوض بالتنمية وجلب الاستثمار وتحفيز الشباب للرفع من إمكانات التشغيل لضمان الحد الأدنى من الكرامة والتي لا تستقيم دون شغل أو حرية أو استقلالية.. وهي أبسط وأدنى ضروريات الحياة الإنسانية.
«صَمْتٌ»..إلى حين..!
ساعات قليلة تفصلنا عن موعد الاقتراع في الانتخابات الرئاسية 2024 داخل تونس بكافة تراب الجم…