عام مضى وآخر يأتي : تونس الرسمية والشعبية مع فلسطين
لم تكن سنة 2024 عادية في المشهد الدولي، ولسنا نبالغ حين نقول أنها كانت سنة كبيسة على الإنسانية ووصمة عار في التاريخ البشري الذي عرف الكثير من الحروب ومن جرائم الإبادة لكن ما حصل خلاله تجاه الشعب الفلسطيني استثنائي بكل المقاييس ومناف للقيم المتأصلة في بني البشر.
ورغم كل شيء، فإننا كنا إزاء امتحان كلفته باهظة لكنه سمح بتحقيق فرز على الأصعدة الوطنية والاقليمية والدولية وبرز مرة أخرى ان فلسطين توحّد الشعوب وأنه لا صوت يعلو فوق صوتها.
وقد أثبتت بلادنا في هذا السياق وحدتها الصمّاء الرسمية والشعبية في علاقة بالحق الفلسطيني وضرورة عدم التأخر في الدفاع عنه بشتى السبل ونقول بكل مسؤولية أن ما قدمناه الى حد الآن جيّد وبمقدورنا أن نذهب أشواطا متقدمة في تعزيزه رغم التحديات والاكراهات ورغم ظلم ذوي القربى أيضا.
لم تتردد تونس الرسمية والشعبية في التعبير عن مساندة أهلنا في فلسطين مباشرة مع انطلاقة ملحمة طوفان الأقصى في 7 اكتوبر 2023، ملحمة قد نختلف في حيثيات انطلاقتها وأهدافها التكتيكية والاستراتيجية والأطراف المحدّدة والمؤثرة فيها لكننا لا نختلف في أنها كانت لحظة مفصلية في تاريخ الصراع ليس العربي الصهيوني ولكن الصراع الإنساني الصهيوني.
لم تتأخر تونس الرسمية في الإدانة وفي الحديث بصوت مرتفع عن فلسطين التاريخية وعن المظلمة التي تعرض لها شعب فلسطين ولم تتردد الدبلوماسية التونسية في التعبير عن موقفنا بوضوح في المحافل الاقليمية والدولية رغم الضغوط التي كانت تمارس علينا بشكل مباشر وغير مباشر خصوصا مع تزامن ملحمة طوفان الاقصى مع موجة التطبيع مع العدو وهرولة عديد الدول الصديقة والشقيقة للأسف للتطبيع بناء على حسابات خاطئة، فالتأمّل في ما غنمته الدول العربية المطبّعة منذ سنوات يظهر بجلاء ان الكيان الصهيوني كان المستفيد الوحيد في المعادلة وأن أطماع هذا الكيان هي أكبر من مجرّد إرساء علاقات دبلوماسية بقدر ما هو اختراق مجتمعاتنا والتحكم في شعوبنا بحثا عن أمن مزعوم.
رسميا دائما، انضمت بلادنا الى جهد دولة جنوب افريقيا وأحفاد نلسون مانديلا الذين جرّوا الكيان الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية وقدمت طلب مرافعة شفوية أمامها أمّنها بكل حرفية ومبدئية أستاذ القانون بالجامعة التونسية اللغماني.
ورغم صعوبة إيصال المساعدات الإنسانية الى أهلنا في فلسطين وخصوصا في قطاع غزة أرسلت بلادنا خلال شهر جويلية باخرة مساعدات وهي خطوة اضافية الى جانب حملة جمع التبرعات الشعبية التي أشرف عليها الهلال الاحمر التونسي في تواصل مع الهلال الاحمر الفلسطيني إبان انطلاق ملحمة طوفان الاقصى.
شعبيا ومدنيا كان صوت التونسيين قويا وكانت المبادرات متعددة بين المظاهرات في شوارع وساحات مختلف المدن والوقفات الاحتجاجية أمام سفارات الدول النافذة الشريكة في العدوان وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية.
واجتهد الإعلام التونسي في وضع الحق الفلسطيني على رأس أولوياته فتوشحت بعض شاشات القنوات التلفزية بعلم فلسطين واستمر تقديم المادة المتعلقة بالتطورات الميدانية والسياسية في المحامل الاعلامية التونسية الى جانبي الحضور في بعض الإعلام الاجنبي والحديث باسم فلسطين من تونس.
ولأنه لا يمكن الفصل بين ما يحدث في فلسطين وفي لبنان واليمن وغيرها من الساحات العربية فإن التناغم والتكامل بين الموقفين الرسمي والشعبي متواصل والمطلوب في هذه المرحلة ربما الأخذ بعين الاعتبار الاكراهات والضغوط التي تحدثنا عنها آنفا التي تتعرض اليها الدولة لذلك يظل مجال التحرك بالنسبة للمجتمع المدني والسياسي أهم بكثير في تقديرنا وبإمكان أحزابنا ونخبنا ومنظماتنا بالخصوص التي هي جزء لا يتجزّأ من الشبكات الدولية للمنظمات الحقوقية والانسانية ان تطور وتوسع دائرة المعارك القانونية والاعلامية والثقافية نصرة للحق الفلسطيني ولحقوق شعوبنا العربية وحقوق الانسانية جمعاء.
ومثل ما نتحدث عن ضرورة توحيد العمل الفصائلي في الساحة الفلسطينية وتثبيت الوحدة الفلسطينية الصماء، فاننا نطرح بنفس الحدّة والقيمة وحدة العمل الشعبي والرسمي في بلادنا لأن الخطر الجاثم في فلسطين المحتلة والمنطقة، بعض جوانبه داهمة علينا اذا لم نستوعب التحديات بالشكل السليم ونقتنع بأن الأساطير المؤسّسة لتفوّق الكيان الصهيوني وداعميه الى زوال.
وبمعايير الحرب، يجب أن نعترف بشجاعة وألم شديد بأن خسائرنا البشرية والمادية كبيرة لكن التوازن الذي حققته المقاومة في الشرق الأوسط بأكمله وصمود هذه العقيدة وهذه القوة الإيمانية يؤشر لانتصار ممكن على الضيم ومن يراهن على ضعف المقاومة وضعف بيئة المقاومة فهو واهم لأن المقاومة فكرة والأفكار لا تموت.
كانت الظاهرة من أبرز العناوين «المثيرة» في 2024 : وتستمر الهجرة غير النظامية بأكثر مأساوية..!
استقبل سكان جزيرة قرقنة من ولاية صفاقس العام الجديد بحادثة أليمة أودت بحياة عشرات الضحايا …