2024 سنة سياسية بآمتياز.. 2025..ترجمة الأقوال إلى أفعال..
تجتاز بلادنا السنة الإدارية 2024 وهي في وضع أفضل من بلدان عديدة في العالم بكل المقاييس، ويُحسب لشعبنا أنه ما يزال يحافظ على الطابع المدني والسلمي لتجربته رغم الاكراهات والتحديات الجسيمة.
وبالرجوع الى أهم الأحداث والمحطّات السياسية التي ميّزت العام المنقضي، يمكن القول أنّه لم يكن فقط عاما مفصليا يرسم الحدود بين مرحلتين، وإنما كان مفتوحا على أكثر من سيناريو مرتبط بموازين القوى في الداخل والخارج وكذلك أداء العقل المدني التونسي إن جاز القول وهو المحدّد دون مبالغة في رسم ملامح المستقبل.
بلغة الأرقام والوقائع، كانت سنة 2024 ، سنة سياسية بامتياز رغم أن الاتفاق حاصل حول طبيعة الأزمة المركّبة في بلادنا وأنّ حلّها مركّب بالضرورة يشمل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أيضا لذلك تصعب المجازفة بالتبشير الآن بأن «الخروج من عنق الزجاجة» كما قال أحدهم ذات يوم أمر يسير فثمّة شروط ومتطلبات مطروحة على الجميع دون استثناء.
لقد بدأت السنة بالانتخابات وانتهت أيضا بالانتخابات، والهدف كما هو معلوم ارساء مؤسسات منظومة الحكم الجديدة ما بعد 25 جويلية 2021، فتم مطلع 2024 إرساء الغرفة الثانية أي المجلس الوطني للجهات والأقاليم الى جانب مجلس نواب الش2025عب وتم تصعيد سكان باردو الجدد وفق التصويت على الأفراد خلافا للتجربة السابقة منذ قيام دولة الاستقلال.
وتم في 6 أكتوبر انتخاب رئيس الجمهورية قيس سعيّد لولاية جديدة في سباق انتخابي غلب عليه النزاع القانوني أكثر من الصراع السياسي والنقاش حول البرامج فوجد ساكن قرطاج نفسه في طريق مفتوحة للحفاظ على موقعه وإظهار العزم على مواصلة تنفيذ مشروعه السياسي وتطبيق شعاره الانتخابي وهو البناء والتشييد.
بعبارة أخرى، يعي رئيس الجمهورية ان صفحة الولاية السابقة التي خرجت من رحم منظومة 2019 يجب ان تطوى نهائيا وان التذرّع مستقبلا بتركة ما يسمّى بالعشرية السوداء وإرث الماضي لن يكون كافيا ليس فقط أمام جمهور الرئيس وأنصاره ومسانديه النقديين، ولكن أمام عموم التونسيين وحتى الخارج فالمرحلة الان هي مرحلة الانجاز ومرحلة ترجمة الأقوال إلى أفعال وتحقيق النوايا الطيبة في ارض الواقع وهي ليست مهمة سهلة كما أسلفنا.
ولتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي أقدم رئيس الجمهورية على ترتيب البيت بمهل، وهو يبدو هنا حريصا على مواصلة مشروعه رغم أننا في صراع مع الزمن كما يقول هو نفسه، فبعد تحوير جزئي للحكومة في جانفي 2024 ثم اعفاء وزير التربية في أفريل وبعده وزير الشؤون الدينية في جوان، ثم تكليف كمال المدوري برئاسة الحكومة، والإعلان في 25 أوت عن تحوير عميق في فريق القصبة ليضم 19 وزيرا و3 كتّاب دولة، وبعده في سلك الولاة في شهر سبتمبر تمثل في تغيير 15 واليا وتعيين تسعة ولاة جدد وتواصلت في غضون ذلك إقالة وتعيين عدد من الرؤساء المديرين العامين في العديد من مفاصل الإدارة والمؤسسات التونسية.
وقد واصل رئيس الجمهورية أسلوبه في إثارة الملفات الشائكة تحت عنوان مكافحة الفساد والضرب بقوة على أيدي من يعتبرهم متآمرين وأعداء للوطن، فتعددت زياراته الميدانية الى العديد من المؤسسات والجهات التي يمكن توصيفها بالمنكوبة، ولئن كان التناغم والتوافق في التشخيص من تحصيل الحاصل فإن الغائب الأبرز في تقديرنا هو الحلّ العملي والعاجل لتجاوز هذا الواقع الرديء ومتابعة مخرجات هذه الزيارات.
هنا تحديدا برز فارق كبير في السرعة بين نسق رئيس الجمهورية وفريقه في الوظيفة التنفيذية وحتى الوظيفة التشريعية، فالثورة التشريعية لم تتحقق بل لم يحصل تقدم فيها والفريق الحكومي لم يقدم لنواب الشعب النصوص البديلة والمبادرات التشريعية الضرورية رغم كونها تحظى بالأولوية في النظر، والرهان عليها كبير لتغيير حياة البشر نحو الأفضل وستكون ميزانية العام 2025 التي صادق عليها المجلسان امتحانا دقيقا للأداء والانخراط والالتزام الفعلي بـ«25جويلية».
وهذا البطء والفارق في السرعة يؤرق ساكن قرطاج الذي كرر في الفترة الاخيرة رسائل التحفيز الى شركائه في منظومة الحكم في الحكومة والمجلسين، ولديه قناعة بان هذه الحالة متنفس للخصوم ولأعداء الوطن والمتآمرين وقد سجلت سنة 2024 انعقاد مجلس الأمن القومي في أكثر من مناسبة وهو ما يؤشر الى وجود ما يستوجب ذلك وفق رئاسة الجمهورية.
ولا ننسى الأجندات في الجوار والعالم والتي لا تنسجم بالضرورة مع الأجندا التونسية، فمواقف الأشقاء والأصدقاء تحكمها المصالح الخاصة وقد رأينا ذلك في الضغوط والابتزاز والمقايضات الذي تعرضت لها بلادنا من المؤسسات المالية ومن بعض الدول التي وظفت وما تزال موضوع الهجرة غير النظامية ووجود أفارقة جنوب الصحراء على أرضنا الى جانب التشدق بحقوق الإنسان والديمقراطية وتوظيف الاسلام السياسي لإجهاض التجربة التونسية وضرب استقلال قرارنا وسيادتنا الوطنية.
وحسنا فعل رئيس الجمهورية بانفتاحه على شركاء جدد وأهمهم على الاطلاق جمهورية الصين الشعبية وتغيير نبرة الحديث مع الشركاء التقليديين الى جانب الإصداح بجرأة بمواقف تقدمية وطنية وإنسانية في علاقة بالصراع مع الكيان الصهيوني وقد كان الموقف الرسمي صراحة متماهيا الى أبعد الحدود مع الموقف الشعبي وبمقدورنا ان نتقدم اكثر في دعم أهلنا في فلسطين ولبنان.
ان هذا التناغم هو الذي يجعل التفاعل مع حديث رئيس الجمهورية عن الوحدة الوطنية الصماء في ظهوره الأخير خلال ترؤسه لاجتماع مجلس الوزراء ومعايدته للتونسيين بمناسبة حلول السنة الجديدة هو الذي يحرك منسوب التفاؤل بأن التقدم في تجاوز الأزمة المركّبة التي عرفتها بلادنا ممكنة وان شروط صمود تونس أمام التحديات الداخلية والخارجية أكثر من ممكنة بفضل تظافر الجهود وتجاوز الحسابات الضيقة والانفتاح على القوى الخيّرة والحيّة التي كان دورها ووجودها ضروري في السابق وهو كذلك في الحاضر والمستقبل وهذا لا يعني أننا نعطيها صكّا على بياض.
لقد صمدت كيانات في المجتمع المدني والسياسي رغم انها عاشت ارتدادات الزلازل السياسية المتكررة، ونقطة قوة التجربة التونسية عبر التاريخ هي في ثراء المشهد الذي يزخر بالنقابات والجمعيات والأحزاب التي لا يمكن الدفاع عن بعضها لكن لا يمكن ظلم بعضها الآخر أيضا والذي كان صمام أمان البلاد والعباد في أحلك الفترات والأزمات والتدخلات الخارجية وهذا حسب رأينا الامتحان الذي يجب ان تنجح في اجتيازه تونس موحّدة وآمنة في عامها الجديد.
كانت الظاهرة من أبرز العناوين «المثيرة» في 2024 : وتستمر الهجرة غير النظامية بأكثر مأساوية..!
استقبل سكان جزيرة قرقنة من ولاية صفاقس العام الجديد بحادثة أليمة أودت بحياة عشرات الضحايا …