خيرّت الدولة التونسية اتّباع سياسة الإقتراض الداخلي لتمويل خزينتها في توجه يقوم على التقليص تدريجيا من الدين الخارجي وتبعاته السلبية على الاقتصاد الوطني حيث تمكنت الدولة من خلاص حوالي 86 بالمائة من ديونها الخارجية إلى حدود شهر أكتوبر المنقضي ساعدها في ذلك تطور مخزونها من العملة الصعبة نتيجة ارتفاع العائدات السياحية وتحويلات التونسيين بالخارج.

وقد كان خيار الدولة في هذا الخصوص هو التعويل على الإقتراض الداخلي تجنبا لمصادر التمويل الخارجية من المؤسسات المانحة وما تفرضه من شروط لا تتناسب مع الواقع  الاجتماعي والاقتصادي للبلاد. وقد اعتمد الاقتراض الداخلي  في جزء هام منه على القرض الرقاعي الوطني والذي مكن الخزينة العامة للبلاد من تعبئة 1270،7 مليون دينار في إطار القسط الثالث من  الاكتتاب الوطني لسنة 2024، متجاوزا بذلك  المبلغ المستهدف، المقدر بـ700 م د، أي بنسبة استجابة قدرها 182 بالمائة علما انه تمت تعبئة 3.7 مليار دينار من جملة 2.8 مليار مبرمجة لكامل العام وفي الأقساط الأربعة،  ومن المرجح أن يصل الرقم إلى 5 مليارات دينار مع نهاية السنة الجارية، إلى جانب  اللجوء إلى الإقتراض من البنك المركزي التونسي لأول مرة بشكل إستثنائي مبلغا قدره 7 مليار دينار وسط مخاوف من ظهور تداعيات سلبية أبرزها تعميق التضخم المالي.

وتشير المعطيات الإحصائية إلى أن القروض الخام المسندة من البنوك العمومية الثلاثة لفائدة الاقتصاد الوطني بلغت مع موفى شهر جوان المنقضي 39.3 مليار دينار وهو ما يمثل ٪33.5 من مجموع القروض الاجمالية المسندة من كافة البنوك التونسية لفائدة الاقتصاد الوطني. علما  أن البنوك العمومية تمتلك أكثر من ٪25 من الفروع البنكية المالية من ناحية التوزيع الجغرافي وأن ٪45 من هذه الفروع موجودة داخل الجمهورية.

ولئن مثّل خيار التعويل على مصادر التمويل الداخلية عن طريق الإقتراض من البنوك التونسية حلا بديلا عن الإقتراض الخارجي وأخف الأضرار بالنسبة للإقتصاد إلا أن هذا الخيار لا يخلو من بعض التداعيات التي أثّرت سلبا على الإستثمار الوطني باعتبار تشدد البنوك في منح قروض لتمويل المشاريع وفرض نسبة فائدة مرتفعة وكما هو معلوم يعد الإستثمار أحد أبرز مصادر خلق الثروة ودفع عجلة الاقتصاد  إذ تشير الأرقام التي كشف عنها البنك المركزي التونسي أن  القروض المسندة  لم تتطور سوى بنسبة 3.3 في المائة فقط منذ بداية العام إلى أواخر جويلية  الماضي، مما يعني أنه التمويل الأضعف في تاريخ البلاد في العقدين الأخيرين كما أظهرت البيانات ذاتها  تواصل تطور  الكتلة النقدية في تونس  خلال هذه السنة بنسق أرفع مما هو مسجل في السنة الفارطة، مدفوعاً بالزيادة اللافتة لحصول الدولة على القروض من السوق الداخلية.

وتمكّن القطاع البنكي من تعزيز نسب الملاءة والسيولة بفضل التدابير الاحترازية الاستباقية التي اتخذها البنك المركزي خلال السنوات الأخيرة في ما يتعلق بتوزيع الأرباح وتغطية مخاطر القرض بالمدخرات، من ناحية، وبفضل ترسيخ ممارسات الحوكمة الرشيدة وإدارة المخاطر لدى أهم البنوك على الساحة من ناحية أخرى.

في نفس السياق من الضروري أيضا الإنتباه لخطورة الإقتراض الداخلي من البنوك التونسية خاصة عبر اعتماد آلية الإكتتاب رغم أهميتها في تعبئة موارد مالية للدولة إذ تشير الأرقام إلى أن أكثر من 45 بالمائة من المشاركين في عمليات الإكتتاب السابقة هي البنوك التي تنتفع عبرها  بأرباح هامة في حين أن فكرة الإكتتاب في حد ذاتها تكون ذات نجاعة عندما تشارك فيها أغلبية من الأشخاص الطبيعيين إضافة إلى أن مساهمة البنوك من شأنها أن تستنزف السيولة البنكية وتؤثر سلبا على دور البنوك في ضخ تمويلات وقروض لفائدة المشاريع الإستثمارية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

بهدف إنجاح الشركات الأهلية : قريبا إطلاق منصة رقمية لتسهيل إجراءات تأسيسها و متابعة أدائها

تم إلى حد الآن إحداث 124 شركة أهلية قانونيا من بينها 21 شركة ناشطة فعليا، إضافة إلى 8 شركا…