لا نستطيع إنكار أن مرور ذكرى الثورة كان محتشما او لنقل اعتياديا او غير لافت ودونما بالغ احتفاء يذكر هذه السنة مثل السنوات التي سبقت ولم يعد يشبه بهجة الأعوام الأولى في فترة الإيفوريا والنشوة اللامتناهية التي تلاشت مع مرورنا بامتحانات صعبة خاصة مع سقوط قطرات الدم الأولى التي روت أرضنا و صفعت التونسيين وأيقظتهم على كابوس شائك وبالغ التعقيد وبدا واضحا ان هناك خللا بنيويا ما…
ذلك ان السؤال الأهم في الثورات والمحطات التاريخية الكبرى وهو:
ماذا سنفعل في اليوم الموالي ؟ لم يفكر فيه أحد.
إذن لم يجب التونسيون على الاستفهام المحيّر المحوري في أوانه وهذا ما كلّفهم الكثير وضيّع على البلد الكثير من الفرص.
وفي غمرة الاحتفاء بالحرية واسترداد الأنفاس غفل التونسيون بكل فئاتهم وتياراتهم السياسية على إقامة «حفلة نقد ذاتي» وانخرطوا جميعا في ملهاة تحولت في بعض المحطات الى مأساة بينما كانت استعادة « الآغورا» هدفا في حد ذاته وهي لحظة اكتمال المشهد الاغريقي بكل تفاصيله .
ورغم ان الفضاء العام ضجّ بالنقاش المجتمعي المهم حينا والأقل أهمية أحيانا إلا أن الفاعلين لم ينجحوا في كسر مراياهم الداخلية واختاروا امتطاء النرجسية وكان ما عشنا تفاصيله ولسنا في وارد استعادته. فقد كان حصادا مرّا بكل ما تختزله الكلمات من معان.
وإذا كنّا قد فوّتنا على انفسنا فرصة تخطيط عقلاني جاد لمستقبل بلادنا وشعبها في تلك اللحظة المفصلية واستهوتنا الهوامش والتفاصيل على حساب المهم وما ينفع الناس، فقد ادركنا في السنوات الثلاث الأخيرة أننا نحتاج تغييرا قطعيا بشأن مسار الانتقال السياسي الذي اعترته الكثير من الشوائب حتى لا نقول أخطاء بحجم الخطايا واستدركنا وهذا هو الأهم.
ولعلّه من المفيد هنا التذكير بأن الديمقراطية الناشئة الغضّة التي أردنا إنباتها في تربتنا قد ألمّت بها الكثير من العلل حتى أصبحت فاسدة جراء ما اقترفه بعض السياسيين الذين جعلوا من الفعل السياسي سفسطة وادعاء وآثروا التكالب على السلطة حتى حقّ عليهم قول غاندي «كثيرون حول السلطة وقليل حول الوطن».
الآن نحن نريد ان نلج مرحلة جديدة عنوانها الفعل والانجاز وملمحها الأساسي هو العمل والتعويل على الذات وعدم المراهنة على الغير مهما كان مع قدر عال من الاعتبار مما يحدث حولنا.
ولأن ما يجمع التونسيين مهما اختلفت مشاربهم يظل أكبر بكثير مما يفرّقهم فمن المهم الاشتغال على المشترك بينهم من اجل بناء تونس جديدة أساسها العدالة الاجتماعية وضمان الحقوق للجميع.
والأهم هو مجابهة هذه التحديات الكبرى داخليا وخارجيا والتي لم يعد هناك مجال لإنكارها او تجاهلها او حتى التهوين منها.
وفي مثل هذه المحطات تحتاج الدول الى كل أبنائها من اجل البناء والإنجاز.
والأكيد ان كل مستلزمات هذه المرحلة من تاريخنا المعاصر توفرت فالإرادة السياسية حاليا متوفرة من اجل مجابهة الرهانات الكبيرة والقطع مع الماضي بكل آثاره السلبية ومواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية الى جانب الوعي المجتمعي بأهمية اللحظة وتفهم خصوصيات السياق الحالي وعدم الانجرار خلف أصحاب النوايا التدميرية حتى لا نجد أنفسنا نلاحق طواحين الريح مثل دونكشوط.
كما ان إلقاء نظرة على محيطنا الإقليمي وما يحدث فيه من وقائع من الأهمية بمكان من أجل الحفاظ على استقرار بلادنا وأمنها وسلامة ترابها والمراهنة فقط على أبنائها ليحققوا ما يصبون اليه اقتصاديا واجتماعيا وحضاريا.
الثورة التونسية بين الأهم والمهم… في ذكرى اندلاعها: مسار صعب..بين يسر وعسر..!
في مثل هذا اليوم من عام 2010 انطلقت الشرارة الأولى لحراك شعبي تونسي سلمي اتفق على تسميته ل…