جامعة مجدّدة ومندمجة في محيطها الاقتصادي: كسب الرّهان ما يزال ممكنا
انتصفت السنة الجامعية تقريبا، ولا حديث اليوم في الفضاء الجامعي والبيئة الطالبية سوى عن استكمال الدروس وإجراء ما تبقى من الاختبارات والفروض الحضورية وإنجاز الأشغال الموجّهة وتقديم العروض والمشاريع استعدادا لامتحانات السداسي الأول مطلع السنة الادارية الجديدة أي مباشرة بعد عطلة الشتاء.
على أن ما يلفت الانتباه، حرص بعض المؤسسات الجامعية العمومية والخاصة على القيام بجملة من الأنشطة الثقافية والعلمية الموازية بهدف الإثراء والتطوير والتجديد علاوة على المراهنة على الولوج لسوق الشغل أو بالأحرى أسواق الشغل، فخريج الجامعة التونسية يجد نفسه أمام أسواق متعدّدة سواء بالنظر الى التخصّص أو حتى الجغرافيا بما أن الشهادة الجامعية التونسية مرغوب فيها خارج حدود الوطن.
وعلى غرار السنوات القليلة الماضية، انضمت جامعات عمومية للجامعات الخاصة ونظمت ما صار يعرف بـ«يوم المؤسسة» وهو نشاط وجيه تستقبل من خلاله المؤسسة الجامعية المؤسسة الاقتصادية بكل أنواعها الصناعية والخدمية والتجارية والفلاحية وغيرها تحت عنوان واحد هو التجديد والاندماج في المحيط الاقتصادي.
في غضون ذلك، كثّف وزير التعليم العالي والبحث العلمي منذر بلعيد نشاطه في العاصمة وخارجها، وركّز في كلمات الافتتاح في الملتقيات والندوات التي يشرف عليها وكذلك خلال ظهوره الإعلامي على ما يمكن اعتبارها كلمة السرّ في مقاربته لإصلاح التعليم العالي ببلادنا وضبط أقوم المسالك لبلوغ ذلك.
والإصلاح يبدأ حسب الوزير بتجديد منظومة تأهيل مؤسسات التعليم العالي والبحث لإسناد الشهادات الوطنيّة، وكان هذا محور أيام إعلامية تم خلالها التأكيد على ضرورة مواكبة المؤسسات الجامعيّة للتطوّرات بهدف تمكين الطلبة من الاندماج الفعلي في سوق الشغل وتنمية الاقتصاد الوطني والحياة الاجتماعية ويمكن أن يتحقق ذلك بإعادة النظر في مسار التكوين ومراجعته وتدارك النقائص لتيسير إدماج الطلبة في سوق الشغل والرفع من القدرة التشغيلية.
ولإعطاء كل ذي حق حقه، ورغم ما يعبّر عنه البعض من قلق بشأن وضع الجامعة التونسية وموقع البحث العلمي فيها، فإنّها تحتلّ مراتب متقدّمة ضمن التصنيف الدولي بفضل الحركية التي يشهدها البحث العلمي غير أن مبعث القلق هو في آفاق تشغيل خريجيها، «فرغم هذا الإشعاع اللّافت تظلّ نسبة طالبي الشغل من خريجي الجامعات غير الملبّاة مرتفعة» وفق الوزير.
وحسنا فعل الوزير بتشريك الجامعة في هذا الجهد الذي يبذله من أجل بلورة مشروع إصلاح للتعليم العالي والبحث العلمي في تونس لكن تشريك العمداء والمديرين وهيئات التدريس يجب ان يتسع الى الهياكل المهنية الأستاذية والطالبية على حد سواء فالعملية التعليمية مركّبة وشاملة وتطويرها جهد جماعي ويظل الطالب المحور الأساسي لعملية الإصلاح التي يجب أن تفضي الى النجاح في المسار الأكاديمي أولا والولوج إلى سوق الشغل ثانيا، دون أن ننسى أننا في صراع مع الوقت وقد أعلن مدير ديوان وزير التعليم العالي والبحث العلمي والمدير العام للتجديد الجامعي أحمد بن الشيخ العربي أنه سيتم بداية من سبتمبر 2025 الانطلاق في تنفيذ إصلاح منظومة التعليم العالي والبحث العلمي.
وما يزيد في التحدّيات اليوم، وجود شركاء خارجيين مهتمين بدعم التكوين والتشغيلية، ونذكر هنا على سبيل المثال البنك الدولي الذي يموّل مشروعا لتحسين جودة البرامج الأكاديمية وتحسين تصنيف الجامعات التونسية على المستوى العالمي وتعزيز قابلية توظيف الخريجين..
وكما هو معلوم فإن هذا المشروع يعطي الأولوية لما نسميها الجامعة العمومية والحال ان بلادنا عرفت منذ ثلاثة عقود تجربة الجامعات الخاصة التي يلجأ إليها زهاء أربعين ألف طالب تونسي وأجنبي اليوم، وبعضها على درجة كبيرة من الجودة المعترف بها دوليا ومن الانفتاح على سوق الشغل وفيها من يتباهى بأن لديه صفر بطالة في صفوف خريجيه، ويمكن من خلال دعمها ومن خلال الشراكة بين القطاعين العام الخاص التقدم بشكل أفضل وأسرع في اصلاح التعليم حسب الأهداف التي رسمتها الوزارة.
بقي ان نشير إلى أن إصلاح التعليم العالي مرتبط أشدّ الارتباط بإصلاح التعليم الأساسي والثانوي والتكوين المهني على قاعدة حكمة أو لنقل فلسفة بسيطة لكنها جدّ بليغة تقول ان التربية والتعليم «مصعد اجتماعي» في بلادنا ترتقي بواسطته الناشئة في العلم وفي العمل.
فواصل رياضية: كـيــروش لـمـاذا جــاء ولـمـاذا ذهــب؟ …ولــن يعود
يكتبها عبد السلام ضيف الله عاد كارلوس كيروش من حيث أتى، ربما كان…