منع الهواتف الجوالة في المدارس : ضرورة تربوية أم مجرّد إجراء تنظيمي؟
كانت وزارة التربية، قد وجهت مذكرة تنظيمية لمندوبي التربية ومديري المؤسسات التربوية، تضمنت عديد الإجراءات بهدف إحكام سير العمل بعد كم التجاوزات وتكرر سيناريو الاعتداءات داخل المؤسسات التربوية على اختلاف تصنيفاتها، ومن بينها إعلام التلاميذ أنه يحجر عليهم اصطحاب جهاز الهاتف الجوال الذكي إلى المؤسسة التربوية تحجيرًا باتًا ولأي سبب من الأسباب والعمل على استعمال مختلف وسائل الإعلام المتاحة جهويًا ومحليًا بكافة المؤسسات التربوية لتحسيس التلاميذ بهذا الإجراء وإعلام الأولياء به.
كما تم التأكيد على التلاميذ والأولياء على أهمية الالتزام بهذا الإجراء، وأن كل مخالفة له يترتب عنها حجز الجهاز وفي صورة معاودة التجاوز فإن التلميذ المخالف يكون عرضة للعقوبات التأديبية المعمول بها في الغرض وإعلام كافة الأسرة التربوية أنه يمنع التصوير داخل الفضاء المدرسي منعًا باتًا إلا بإذن مسبق من مدير المؤسسة.
يقول في هذا السياق رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم السيد سليم قاسم «لقد أصبح انتشار الهواتف الجوالة بين الناشئة مشهداً مألوفاً في الحياة اليومية. فالتلاميذ يصطحبون هواتفهم إلى المدرسة كما يفعلون إلى أي مكان آخر، حيث باتت جزءاً لا يتجزأ من نمط حياتهم المعاصر. لكن هذا الانتشار الواسع يثير قضايا تربوية واجتماعية عميقة، دفعت وزارة التربية إلى إصدار منشور يمنع التلاميذ من اصطحاب الهواتف الجوالة إلى المؤسسات التربوية. كما أن الشباب اليوم يرتبط بشكل وثيق بشبكات التواصل الاجتماعيّ، التي تُعدّ الساحة الأبرز لاستهلاكهم الرقمي، لكنّ هذا الارتباط يتحوّل في كثير من الأحيان إلى إدمان يؤثّر على حياتهم اليومية. والأخطر من ذلك، هو تعرّض البعض منهم إلى محتويات غير مناسبة مثل المواقع الإباحية، التي يُفترض أن تكون ممنوعة عنهم، مما يشكّل خطراً على نموّهم النفسي والاجتماعي».
وأضاف قاسم «لقد تفاقم هذا الوضع نتيجة غياب التأطير والمراقبة سواء داخل الأسر أو من طرف الجهات المختصة. وهذا القصور الرقابي أتاح للهواتف الجوالة أن تتجاوز حدود استخدامها المفيد لتصبح مصدراً للضرر في أحيان كثيرة: فدخول الهواتف الجوالة إلى الفصول الدراسية أثر بشكل سلبيّ على عمليتي التعليم والتعلّم. فالتلاميذ يشغلون أنفسهم بالمحتوى الرقميّ خلال الحصص الدراسية، مما يضعف تركيزهم على الدروس. وإضافة إلى ذلك، أصبحت الهواتف وسيلة للغش في الامتحانات، خصوصاً مع انتشار تقنيات الذكاء الاصطناعيّ التي تُسهّل إعداد الإجابات السريعة. وعلى صعيد آخر، فإنّ شبكات التواصل الاجتماعي باتت تعجّ بمقاطع فيديو تظهر مربّين في حالات انفعال أو تلاميذ يسيئون إلى حرمة المدرسة وقاعات الدرس، بل ويتفاخرون بذلك، وهي محتويات تسهم في تدهور صورة المدرسة ودورها التربوي في المجتمع. ولا تتوقّف المخاطر عند هذا الحد: فحمل التلاميذ لهواتف ذكية يجعلهم عرضة لحوادث السير نتيجة تشتّت الانتباه، أو لحوادث عنف وسرقة».
ليؤكد أنه في ظل هذه التحديات، يأتي منشور وزارة التربية لمنع اصطحاب الهواتف الجوالة إلى المؤسسات التربوية كإجراء منطقيّ. فقد أثبتت التجربة أنّ الهواتف تُعدّ مصدر إلهاء وتراجع تربويّ، وأنّ الحدّ من وجودها داخل المدرسة يمكن أن يساهم في استعادة النظام والانضباط. لكنّ المنع وحده لا يكفي: فالتحدي الحقيقيّ يكمن في غرس وعي رقميّ لدى الناشئة. وهنا تبرز الحاجة إلى تنفيذ برامج توعية حقيقية، تُعلّم التلاميذ كيفية التعامل مع وسائل الإعلام والاتصال بوعي ومسؤولية. كما يجب أن تُعنى هذه البرامج بتنمية الفكر النقديّ والانضباط الذاتيّ، وهما مهارتان ضروريتان للتعامل مع العالم الرقمي».
جدير بالذكر أنّ منع الهواتف الذكية داخل المدارس ليس بدعة تونسية، بل هو إجراء مطبّق في العديد من النظم التربوية عالية الأداء. لكنّ نجاح هذا الإجراء يعتمد على التطبيق الفعليّ، حفاظاً على مصداقية المؤسسات التربوية وسلطة الإشراف. وفي المقابل، يمكن السماح للتلاميذ باستخدام هواتف بسيطة خارج ساعات الدرس، لتمكين أوليائهم من التواصل معهم عند الحاجة.
خلاصة القول إذن هي أنّ قرار منع الهواتف الجوالة داخل المؤسسات التربوية خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه بحاجة إلى دعم ببرامج توعية شاملة تواكب التحديات التكنولوجية الراهنة: فالتربية على الانضباط الرقميّ وتطوير مناهج تُنمّي المهارات الحياتية لدى التلاميذ يجب أن يكونا محور أيّ إصلاح تربويّ منظوميّ في بلادنا. فهذا هو السبيل نحو إعادة الاعتبار للمؤسسة التربوية كفضاء للتعلّم والتنشئة، بعيداً عن الضوضاء الرقمية ومخاطرها المتعاظمة.
في إطار برامج الإدماج الاقتصادي : 151 إشعار بالموافقة على تمويل مشاريع جديدة
في إطار تكريس الخيارات التنمويّة المرسومة من قبل رئيس الجمهورية ومواصلة دعم أسس الدولة الا…