2024-12-12

سؤال فجّرته وقائع سوريا من جديد : أيّ علاقة للمثقف بالسلطة؟

هل نحتاج استعادة ما فككه المفكر الكبير إدوارد سعيد عن علاقة المثقف بالسلطة ونحن نتابع الوقائع القادمة من عاصمة الأمويين؟ ام من الأفضل ان نستلهم مما خطّه عالم الاجتماع المصري سعد الدين إبراهيم عن تجسير الفجوة بين النخب الثقافية والفاعل السياسي؟ أو لعله من الأفضل التوقف عند ما كتبه عالم الاجتماع الألماني الأبرز عن العالم والسياسي؟ وهل يضيرنا اخذ العبر من نيكولا ميكيافيلي وهو يدبج نصائحه للـ«الأمير»؟.

هل الأسئلة قديمة متجددة تلحّ على الأذهان كلما استجدّ جديد وكلما عصفت بنا أحداث وتطلّب الامر متابعة مواقف أولئك الذين يقبعون في دائرة الضوء ويسمّيهم البعض نخبا والبعض الاخر شخصيات اعتبارية او القوة الناعمة لأي بلد، ولهم أدوار عديدة مركبة أحيانا وشائكة أحيانا أخرى؟.

وإذا اردنا ان نفصل كل هذا على ضوء الاحداث المتسارعة القادمة الينا من سوريا فإن الكثير من المسائل المهمة تستدعي الوقوف عندها.

إذن لم يبق احد تقريبا على الكوكب  لم يتابع وقائع الانهيار الكبير الذي حدث في سوريا  وأطنبت وسائل الاعلام بمختلف انماطها وانتماءاتها في رصد كل التفاصيل تماما كما ضجت فضاءات التواصل الاجتماعي بهذا الحدث وكل ما حف به في اخراج فرجوي يتراوح بين المأساة والملهاة.  فمن سقوط  النظام وما تلاه من مشاهد تختلط فيها كل المشاعر المتناقضة ما بين إيفوريا عالية لترددات الفرح بعد كسر القيود لدى البعض  وما بين ترقب وخوف وتوجس لدى البعض الآخر وما بين زخم اعلامي غير مسبوق اختلط فيه الحابل بالنابل والواقع بالخيال وما بين الحقائق التي تتفوق على المتخيل وما بين الاحداث المفبركة التي هي مطيّة الكثيرين في مثل هذه المناسبات.

لكن ثمة زاوية نظر مهمة يمكن ان نتوقف عندها ونعني الحديث عن النخب من مبدعين ومفكرين في مجالات الفن والادب وغيرها وهو ما يقودنا الى سجالات وصراعات مذهلة حقا تجلت في قوائم العار وقوائم الشرف. وهذا يذكّرنا بمشاهد عشنا ما يشبهها في تونس قبل ما يزيد من عقد من الزمن ولأن أخذ العبرة واستخلاص الدروس للمستقبل هو ما يهمنا فإننا نروم تفكيك هذه الظاهرة الشائكة عن علاقة المثقف أو المبدع بالسلطة وعن الأدوار الموكولة له في وقت الأزمات والمحن وعن انتمائه اللامشروط لقضايا  الناس بعيدا عن الاصطفاف الإيديولوجي أو الطائفي أو الزبونية أو الولاء للأشخاص.

هذه الظاهرة المركّبة لمسناها في ردود الفعل التي عبرت عنها الكثير من الشخصيات السورية من مثقفين وفنانين والانقسام الكبير الحاصل ما بين أولئك الذين اختار كل منهم فسطاطه. والحقيقة اننا نحن عموم التونسيين  كانت صلتنا بالعالم العربي وصورتنا المتخيلة عنه من صناعة الثقافة بالأساس فنحن نعرف نجوم الفن والطرب والادباء والشعراء ومنهم اكتسبنا تمثلنا لهذه البلدان لذلك نتعامل بشكل انفعالي مفعم بالعواطف الجياشة في كل موقف ونغفل عن التحليل والتدبر العميق الذي يفترضه العقل. وهذا ما جعلنا نصاب بالذهول والصدمة والذعر مما نشاهد وحدثت لنا لخبطة كثيرة في تقييم مواقف بعض المبدعين الذين احببناهم من خلال أعمالهم الفنية والأدبية ووقعنا في فخ الكثير من الاخبار الزائفة والصور المفبركة.

والحقيقة ان الدرس المستفاد من كل هذا هو أن  أهم دور للنخب هو ان تكون ذاك العقل المفكر في زمن الأزمات والعواصف وان تنير الدرب لعموم المواطنين حتى يتبين لهم الخيط الأبيض من الأسود ومن الأهمية بمكان ان يتجرد المثقف من الفئوية والطبقية والطائفية وان يتخفف من الإيديولوجيا ليرى العالم بشكل أوضح وأدق واشمل خاصة ونحن نعيش مرحلة من التحولات السريعة والمتلاحقة التي قال عنها أنطونيو غرامشي «العالم القديم يحتضر والجديد تأخر في الظهور وفي حالة انعكاس النور على العتمة  تولد الوحوش».

في هذه المرحلة بالذات من المهم ان تسقط الولاءات النفعية التي تجعل من المثقف «مقاولا» خاضعا لمصلحته الذاتية على حساب كل قيمة او مبدإ وطني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

«ضرورة اختصار كل ما هو إجرائي  لإنجاز المشاريع المعطّلة» لا مجال للتّراخي..تونس لم تعد تحتمل الإنتظار..

إلى متى يتواصل هذا التراخي بشأن المشاريع الكبرى التي من شأنها تغيير الكثير من حياة التونسي…