السوق المركزية تاريخ عريق بين التهالك والتجديد

يمثل السوق المركزي بمدينة بنزرت أحد أقدم المعالم التجارية في المدينة حيث يعود تأسيسه إلى أواخر الحقبة الاستعمارية. فعلى مر السنين أصبح هذا السوق وجهة رئيسية للتجار وحرفائهم حيث يعرضون الخضر والغلال واللحوم والدواجن. لكن رغم مكانته التاريخية باتت بنايته مهددة بالسقوط منذ أكثر من عقدين مما أثار قلق التجار وزوار السوق.
فرغم التحذيرات المستمرة اقتصرت تدخلات بلدية بنزرت خلال السنوات الماضية على إصلاحات بسيطة مثل معالجة التشققات وتسرب المياه في سنتي 2004 و2008. هذه الإجراءات المؤقتة لم تكن كافية لتدارك الوضع الخطير مما جعل السوق في حالة من التدهور المستمر.
في مواجهة خطر الانهيار المحدق للسوق المركزي ببنزرت اتخذت بلدية بنزرت مؤخرا قرارا حازما يقضي بإخلاء السوق من التجار وتهديمه مع وعود ببناء سوق جديد أو مركب تجاري عصري في نفس الموقع. إلا أن هذا القرار قوبل برفض شديد من قبل التجار الذين اعتبروا السوق جزءا من تاريخهم ومصدر رزقهم لعقود طويلة.
ردا على مخاوف التجار أكدت بلدية بنزرت أنها لن تقطع رزق أحد مشيرة إلى أنها ستعمل بالتشاور معهم لإعادة توزيعهم على أسواق بديلة مثل بوشوشة، عين مريم، وحي العمال بجرزونة. كما تم اقتراح مواقع محددة لتجار اللحوم والدواجن وتجار المواد التقليدية. إلا أن هذه الحلول لم ترضِ التجار الذين أعربوا عن خشيتهم من خسارة أصولهم التجارية التي اكتسبوها على مدار سنوات.
فرغم عقد اجتماعين بين ممثلي بلدية بنزرت والتجار لم يتم الاتفاق على خطة واضحة تشمل تحديد موعد انطلاق الأشغال أو مدتها الزمنية. ولتهدئة الأوضاع أعلنت البلدية أنها بصدد صياغة اتفاقية رسمية تضمن حقوق التجار في العودة إلى محلاتهم بعد انتهاء الأشغال. ومع ذلك يصر التجار على ضرورة تحديد موعد دقيق لانطلاق الأشغال وانتهائها إلى جانب تخصيص ساحة مؤقتة تتيح لهم مواصلة تجارتهم.
هذا ومن المنتظر عقد جلسة ثالثة بين الأطراف المعنية للوصول إلى حل يرضي الجميع. ويرى المتابعون أن نجاح هذا المشروع مرهون بمدى التزام البلدية بتعهداتها وضمان حقوق التجار مع أهمية إشراكهم في كل مراحل التخطيط والتنفيذ لضمان تحقيق التوازن بين حماية التراث التجاري وتطوير البنية التحتية.
فبين التمسك بالإرث التجاري والخطط البلدية للتجديد يبقى السوق المركزي ببنزرت شاهدا على تحديات التحول الحضري. فهل تنجح الأطراف المعنية في تجاوز الخلافات وتحقيق مشروع يعكس تطلعات الجميع؟ الأيام القادمة كفيلة بالكشف عن الإجابة.