تراثنا المادي واللاّمادي : الثروة التي يجب صونها…
تونس بلد ثري هذه حقيقة وليس محض خيال ونعني بالثراء هنا الإرث الحضاري والتاريخي الذي تملكه بلادنا فرغم صغر مساحتها جغرافيا الا انها تتحوّز على ثروة هائلة من المعالم الاثرية والتراثية ومن الموروث الثقافي المادي واللاّمادي. وقد كانت مثار اهتمام عديد الانثروبولوجيين الغربيين الذين انكبوا على دراسة هذا الإرث التليد.
لكن ومع الأسف هناك فئة كبيرة من التونسيين لا تكترث كثيرا بهذه الأمور وتساهم بشكل متعمد او عن غير قصد في تبديد هذه الثروات في حين تكابد نخبة تونسية مهتمة وشغوفة بهذا المجال من اجل الحفاظ على ثرواتنا الحضارية وتثمينها وطنيا ودوليا.
ومعلوم ان عديد المعالم التونسية أصبحت تراثا عالميا.
والواضح انه في الآونة الأخيرة بات الاهتمام كبيرا بإرثنا التاريخي ومواقعنا الاثرية من قبل الفاعل السياسي بعد سنوات من الاهمال وعدم الاكتراث.
وهناك رؤية واضحة لرئيس الجمهورية قيس سعيّد بشأن قضايا التراث المادي واللامادي وما فتئ يعلن في اكثر من مناسبة عن ايلائه اهتماما بالغا لهذا الملف الثقافي والتاريخي بالغ الأهمية.
ولعل هذا ما حدا برئيس الحكومة السيد كمال المدوري الى التأكيد في المجلس الوزاري المضيّق المنعقد مؤخرا على ضرورة العمل من اجل انفاذ رؤية رئيس الدولة بخصوص المحافظة على التراث المادي واللامادي كثروة وطنية وجبت حمايتها وصونها للأجيال الحالية والقادمة. وما تتطلبه من تعزيز لمقومات النظام القانوني الحمائي والمستدام لفائدته.
وقد خصص هذا المجلس المضيّق لمتابعة تنفيذ توصيات لجنة التراث العالمي بخصوص الممتلك الثقافي جربة : شاهد على نمط تعمير في مجال ترابي جزيري.
كما أكد رئيس الحكومة على ضرورة اضطلاع كل الأطراف المتدخّلة بالأدوار المنوطة بعهدتها على أحسن وجه ووفق روزنامة محدّدة ودقيقة لمزيد العناية بهذا التّراث الإنساني المصنّف عالميّا وبالغ الأهميّة، والذي يعتبر مكوّنا جوهريّا للخصوصيّة الثّقافية المحليّة وثراء للهوية الوطنيّة وملكا للإنسانيّة جمعاء من حماية وتثمين وحوكمة ناجعة.
فجربة التي تعدّ من أهم الجزر في حوض البحر الأبيض المتوسط وتاريخها ضارب في القدم كما أنها نموذج للمدينة الكوسمبوليتية التي تتعايش فيها ثقافات وأديان مختلفة هي انعكاس أيضا لانفتاح تونس وسمة الانصهار التي وسمت المجتمع التونسي منذ القدم الى اليوم، ولذلك من المهم ان تكون على لائحة التراث العالمي.
وفي هذا الاطار تولت وزيرة الشؤون الثقافية السيدة أمينة الصرارفي تقديم عرض بشأن الممتلك المذكور ومستوى تقدم الاعمال وأهم المنجزات والاستحقاقات القادمة والتوصيات المقدمة في هذا الشأن.
إذن تراثنا المادي واللاّمادي وارثنا الحضاري الثمين لابد من الاهتمام به والحدب عليه باعتباره مقوّما أصيلا من مقومات هويتنا وعنوان دال على التنوع الثقافي والحضاري لهذا البلد. وهو الأمر الذي يمكن التسويق له من اجل مزيد دعم اشعاع بلادنا واعادتها الى الصورة الحضارية التي عرفت بها على مر العصور.
وهنا علينا الإشارة الى ظاهرة خطيرة في هذا السياق وهي تبديد التراث التونسي بأشكال وطرائق مختلفة سواء تعلق الأمر بالإهمال والتقصير من قبل بعض المسؤولين مع الأسف او بعدم الاكتراث والوعي بقيمة هذا الرأسمال الحضاري من طرف بعض المواطنين او محاولات الاعتداء والسرقة من قبل عصابات منظمة تهدف الى التجارة بالآثار وهي بمثابة شبكات عابرة للحدود تستغل ضعاف النفوس من اجل تسهيل عملية الاعتداء على التراث التونسي.
وفي هذا الصدد يمكن ان نتوقف عند آخر واقعة تمت في القصرين حيث تمكنت وحدات الحرس الوطني من ضبط أربعة اشخاص من بينهم عنصران أجنبيان بحوزتهم بعض المواد السائلة التي تستعمل في تحديد أنواع المعادن ومبلغا ماليا.
وبعد التحريات تبيّن ان هؤلاء بصدد التنقل الى احدى الجهات من اجل اقتناء قطعة اثرية من احد الأشخاص. وتم ضبطهم بعد نصب كمين محكم له وتمكنت وحدات الحرس من حجز القطعة المذكورة واتخاذ الإجراءات القانونية بشأن المتهمين مع إحالة المحجوز الى المعهد الوطني للتراث لإجراء الاختبارات الفنية اللازمة لتحديد القيمة التاريخية والاثرية لهذه القطعة.
وتدلّل هذه الواقعة على يقظة قواتنا الأمنية وجاهزيتها لمكافحة هذه الظواهر الخطيرة وهذا ما يتسق مع الإرادة السياسية راهنا التي تعمل بكل جدية من اجل صون تراثنا وحمايته من التبديد والإهمال.
العائدون من سوريا.. مـــاذا سنعدّ لهم..؟
سقط نظام بشار الأسد في سوريا وثبت أن بيته أوهن من بيت العنكبوت وان جيشه فقد العقيدة والثب…