2024-11-26

منع الدروس الخصوصية خارج المؤسسات التربوية : مَنْعٌ  للعرض… ويبقى الطلب قائم الذات.. !

إنّ غلق باب التدريس خارج المؤسسة التربوية لا يعدّ حلاجذريا للمشكل الرئيسي إصلاح المنظومة التربوية ولا حتى لإحدى تفريعاته ونتائجه القضاء على دابر الدروس الخصوصية أو حتى الحد منها بل انه سيُحدث شرخا كبيرا يُضاف إلى ما ابتُليت به المدرسة العمومية من مصائب  فهو سيفتح الباب على مصراعيه للدخلاء  لتوفير هذه الخدمة المطلوبة لكن بجودة متدنية.فمنع الدروس الخصوصية خارج المؤسسات التربوية هو منع فقط للعرض في حين أن الطلب سيبقى قائم الذات وبالنسق نفسه.

الحل في القضاء على هذه الظاهرة لا يتمثل في بتر جزء من المساهمين فيها وإنما في استئصالها من جذورها وذلك بالبحث في كل خفاياها وأسرارها وما جعلها تنتشر و دراسة الأسباب الكامنة وراء إقبال الأسر عليها …وبالوقوف على الأسباب يمكن علاج هذه الظاهرة التي أثقلت كاهل العائلات والتي ورغم اكتوائها بمصاريف الدروس الخصوصية وتكاليفها  لكنها في نظرهم تُعدّ الوسيلة الوحيدة للتدارك ، حيث يتهافت اغلبهم على تسجيل أبنائهم فيها طمعا منهم في الحصول على أعلى النتائج و تحقيق التميز ربما.

فالحل إذن  يكمن في  إ صلاح شامل للمنظومة التربوية والقيام بمراجعة عميقة للبرامج الدراسية  المقدمة والتقليل من الكم الهائل من المعلومات المقدمة للتلاميذ وإصلاح المضمون المقدم وأسلوب التدريس والتقليص من عدد التلاميذ في القسم…

يقول في هذا السياق السيد رضا الزهروني رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ من الضروري اليوم  الإقرار بأن الدروس الخصوصية هي عنوان من العناوين البارزة لتدهور أداء المنظومة التربوية ونتيجة منطقية لانهيار المستوى التعليمي ومن ضمن أخطر ظواهرها السلبية الانقطاع المبكر عن الدراسة والعنف المدرسي وهجرة التعليم العمومي وتراجع نتائج الامتحانات الوطنية.فمدرستنا العمومية لم تعد اليوم مجانية ولا مصعدا اجتماعيا ولم تعد قادرة على ضمان العدالة الاجتماعية وأصبح الأمل في النجاح حكرا على الميسورين والمحظوظين من العائلات والجهات وهي التي اختارت الاستثمار في الدروس الخصوصية طيلة المسار الدراسي للمتعلم ومنذ بداية مرحلته الابتدائية والاستثناءات لا تنفي القاعدة.

فقد أصبحت الدروس الخصوصية شرطا أساسيا وضرورة قصوى لمن يريد النجاح في  المنظومة  التربوية. ظاهرة تتنامى وبنسق حثيث مع كل سنة دراسية ومنذ إصلاحي 1991 و2002ونحن نقف اليوم على مدى انتشارها واستفحالها داخل المجتمع التونسي.ظاهرة شملت كلّ المستويات التعليمية من الابتدائي إلى التعليم العالي وكل المواد بما فيها الرياضة والموسيقى وخلال السنة الدراسية وأثناء العطل الصيفية.وارتفعت بالتوازي كلفتها وتحولت تدريجيا إلى تجارة مربحة وتتحدث منظمات ناشطة في المجال التربوي على رقم معاملات يتراوح بين 1.5 و3 مليار دينار…ذلك ما عبر عنه السيد رضا الزهروني رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ.

ويقول في السياق نفسه «لو كانت معالجة الوضع  بالسهولة التي تريد وزارة التربية إقناعنا بها لما كانت الدروس الخصوصية شأنا عاما وموضع نقاش وجدل منذ عديد السنوات». في حين أن إجراءات الوزارة المعلنة في بلاغها لشهر نوفمبر 2024هي نفسها التي فشلت في تعاملها مع هذه الآفة  منذ إقرار الأمر الحكومي بمنع الدروس الخصوصية خارج المؤسسات التربوية سنة  2015وهي وإن تعبر على رغبة فعلية في محاربة جانبها غير الأخلاقي في سلوك بعض المربين خاصة منه المتصل بالابتزاز والضغط والثراء الفاحش وخلق الفوارق بين المتعلمين وحتى بين المدرّسين فهي ستزيد الأمور تعقيدا عندما لا تكون مصحوبة بأخرى تستهدف أصل الداء في جذوره ومن بداياته أي حين تكتفي بالتعامل مع عوارضها الجانبية وأضرارها المعنوية.

ويؤكد محدثنا انه من الناحية اللوجستية: ينص منشور الوزارة عدد 141 بتاريخ 13 نوفمبر 2024 على تقديم دروس دعم مجانية داخل الفضاءات المدرسية وخارج أوقات الدراسة لمن يستحق من التلاميذ وبعد موافقة أوليائهم أي لفائدة جلّ التلاميذ. وهي نفس المنهجية تقريبا بالنسبة للدروس الخصوصية وينتفع بها من يرغب من التلاميذ مقابل مبالغ مالية رمزية مقارنة بالأسعار المتداولة حاليا. وينص نفس المنشور على أن هذه الدروس يتم تنظيمها لمجموعات لا يتجاوز عدد افرادها 15 تلميذا وبمعدل ساعتين في الأسبوع أي 8 ساعات في الشهر.

ويضيف محدثنا إذا ما اعتبرنا أنّ كل فصول المؤسسة التربوية معنية وتتطلب توزيع تلاميذها على مجموعتين على الأقل لتتلقى كل واحدة منها 8 ساعات دروس تكميلية (دعم أو خصوصية) في الأسبوع وفي أربعة مواد أساسية. أي أن هذه المؤسسة مطالبة بتسخير الموارد البشرية والأقسام لتدريس16 ساعة في الأسبوع بالإضافة إلى زمن تدريسها العادي.أي يومي تدريس إضافيين لكل فصل بمعدل ست ساعات عمل في اليوم مع احتساب الأربع ساعات تدريس صبيحة يوم الأحد. ونعلم جيدا أن عديد مؤسساتنا التربوية تشكو اليوم نقصا ملحوظا في مواردها البشرية وفي بنيتها الأساسية تولّد عنه ضغط كبير على الأقسام وعلى المدرس.

وفي ما يتعلق بالجانب البيداغوجي يرى الزهروني انه عندما نعلم أن أغلبية التلاميذ وخاصة الذين تنتظرهم امتحانات وطنية آخر السنة يتلقون دروسا خصوصية بصفة منتظمة ومكثفة وفي كل المواد تقريبا وتبقى الاستثناءات كذلك لتأكيد القاعدة لا لنفيها. فالتساؤل يبقى مشروعا بخصوص قدرة التلميذ على تدارك النقص في مستوى تحصيله المعرفي عندما يتم تمكينه من ساعتي دروس خصوصية في المادة وفي الأسبوع في نفس ظروف التعليم العادي تقريبا ونعلم جيدا أن المؤسسة التربوية لن تقدر بتاتا على مجاراة النسق.

ومن النواحي القانونية والمعنوية يؤكد الزهروني على أنه باعتبار أن الإشكالية تتعلق بالأساس بالسلوك غير الأخلاقي لهذه الظاهرة وعندما يمارس المدرس ضغطا معنويا على التلميذ والولي ويتهاون في أدائه لعمله ويتهافت على الكسب الكثير والثراء الفاحش،فإنه على الإدارة التعامل مع المخالفين بالصرامة المطلوبة وتسليط العقوبات المستوجبة ومنذ سنوات لم يتمّ التأكد من مخالفتهم أخلاقيات المهنة وكان على المصالح المالية ان تلعب دورها أيضا وتتثبت مع المعنيين من مصادر ثرائهم.

فبمنهجيتها الحالية وكأن الوزارة تضع مجمل المدرسين في قفص الاتهام وحتى منهم من يتعامل بضمير مع الدّروس الخصوصية وتحمّل في الوقت ذاته الولي وحده مسؤولية الدفاع على حقوق أبنائه في التربية والتعليم من خلال مقاطعته الدروس الخصوصية خارج المِؤسسات التربوية والتبليغ عليها عند وجودها.

ويقول الزهروني «لو أن الأمور سهلة على هذه الطريقة لما بقينا نراوح في نفس المكان سنوات والخوف كل الخوف أن تساهم هذه الإجراءات في مزيد تراجع مستوى المنظومة التربوية وفي ميلاد سوق سوداء فعلية للدروس الخصوصية وفي مزيد ازدهار التعليم الخاص وفي تنامي القطيعة المعرفية وحتى العاطفية بين مختلف فئات المجتمع وجهاته وبين كل المتدخلين في الشأن التربوي».

وفي الختام يقول الزهروني«علينا جميعا الإدراك بان المصلحة البيداغوجية للتلميذ تبقى الفضلى من خلال حرصنا على البلوغ بتحصيله المعرفي إلى المستويات التي تضمن له اجتياز كل امتحاناته واستحقاقاته الوطنية بأكثر حظوظ النجاح ومن دون ان يكون الوضع الاجتماعي والمادي للعائلة العامل الأساسي لذلك. وهو ما يتطلب التركيز في برنامج الإصلاح التربوي على المرحلة الابتدائية والانطلاق فورا في إقرار إجراءات وحلول فعلية تضمن الرفع من أدائها في كل مكوناتها بهدف ضمان الارتقاء المستحق من سنة إلى سنة لأكثر عدد ممكن من أبنائنا وبناتنا. وعندها سننسف الأسباب الرئيسية لأخطر الظواهر السلبية لمنظومتنا التربوية».

وهذا لا يعني بتاتا  وفق الزهروني اننا نتجاهل مراحل التعليم الإعدادي والثانوي والعالي والتكوين المهني من خلال وضع مشروع إصلاح شامل وطموح يهدف إلى بناء مدرسة الغد والى الاستثمار الفعلي في ذكاء أبنائنا وبناتنا ويضمن النهوض بمجتمعنا والٍارتقاء ببلادنا إلى مستوى الدول الراقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

من الملفات التي تستدعي حلولا عملية : البناءات العشوائية تبعث الفوضى…وتثير الاستياء

عرفت بلادنا سنوات من الفوضى كانت «مرتعا» لطغمة من الفاسدين أتوا على الأخضر واليابس ولم يتر…