2024-11-24

التلوث في تونس يهدد حياة التونسيين : شهادات المواطنين تعكس معاناتهم اليومية…ودعوة الى وضع استراتيجية تكرّس ثقافة بيئية حقيقية

أكداس من القمامة مبعثرة هنا وهناك ، روائح كريهة تعم الأجواء وجحافل من الذباب والناموس التي تشن هجماتها دون هوادة على المواطنين ليلا نهارا ، هكذا هو المشهد العام الذي أصبح يطغى على أنهج وأحياء العاصمة فقد أصبحت مزرية وكارثية حيث تحولت الأنهج والشوارع الرئيسية الى مصبات للفضلات وفضلات البناء ، ومع ارتفاع درجات الحرارة يكون الأمر أتعس بكثير  ولأن تقدم الدول يقاس بمدى نظافة وجمالية مدنها فان تدهور الوضع البيئي في بلادنا يطرح أكثر من تساؤل ؟ أين البلديات ؟ لماذا تدهور الوضع البيئي بهذه الكيفية ؟

في هذا الريبورتاج تطرقت «الصحافة اليوم» الى أسباب التلوث وتداعياته على صحة المواطن والحلول المناسبة التي يمكن اتخاذها للحد منه ، واستطلعت آراء المواطنين الذين عبروا عن استيائهم وتذمرهم من تكدس الفضلات في الشوارع ، اذ تقول السيدة منى المهذبي (ربة بيت) أن الفضلات عمت أنهج وأحياء العاصمة باستثناء بعض الأحياء مشيرة الى أنها تقطن في أحد الأحياء التي كانت بالأمس القريب مثالا يحتذى  في النظافة ، لكن خلال السنوات الأخيرة أصبح هذا الحي لا يخلو من الفضلات المتراكمة وأصبحت مصدرا لقلق المتساكنين خاصة خلال فصل الصيف حيث يتكاثر مع هذه الفضلات الناموس الذي ينغص على متساكني الحي  الاستمتاع بالهواء النقي والتخلي عن المكوث لساعات طويلة تحت المكيفات الهوائية.

أرضية ملائمة لانتشار الأمراض

ومن جهتها أطلقت السيدة أمينة حاج علي (موظفة باحدى الشركات) صيحة فزع مما آل إليه الوضع البيئي من تدهور، اذ تقول في هذا السياق أن الروائح الكريهة والنفايات المتحللة تجعل من الصعب على العائلات العيش في بيئة نظيفة ، مما سيؤدي الى انتشار الأمراض الجلدية والتهابات الجهاز التنفسي .

وواصلت السيدة أمينة حديثها عن معاناتها اليومية مع أكوام القمامة التي تتزايد في الشوارع قائلة « إن عمال النظافة لا يأتون بانتظام ، وعندما يأتون فانهم يتركون خلفهم نفايات كثيرة ، هذه الأكوام أصبحت ملجأ للفئران والكلاب السائبة وصار أطفالنا معرضين للاصابة بالأمراض».

واصلنا مسيرنا نحو السوق الأسبوعية المتواجدة على مقربة من الوحدات السكنية حيث تكدست هناك أكوام من الفضلات ، ويشير السيد يوسف الهرماسي (بائع خضر) أن التلوث في بلادنا  بلغ مداه فمثلا الباعة يتركون وراءهم أكداسا من القمامة ولا أحد يهتم بالتنظيف حتى أن الحشرات والقوارض أصبحت جزءا من المشهد اليومي  مبينا أن هذه الفوضى تؤثر على صحة الباعة والمواطنين على حد سواء داعيا الى ضرورة توفير حلول فعالة لتحسين نظافة الأسواق.

كما يتجسد التدهور البيئي كذلك في تلوث الهواء حيث يشير السيد يوسف الى أنه يتنقل يوميا للعمل ولا يستنشق سوى الدخان بدلا من الهواء النقي فدخان السيارات نتيجة الاختناق المروري يجعل من الهواء ملوثا وهوما يمثل خطرا على صحة المواطن ويسبب له أمراضا تنفسية حادة على غرار الحساسية والربو.

أين الحلول؟

وفي سياق متصل دعا الخبير في المجال البيئي وعضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منير بن حسين الى اعلان حالة طوارئ بيئية واتخاذ اجراءات عاجلة لايقاف نزيف التلوث الذي أصبح يهدد حياة التونسيين ، مؤكدا لـ«الصحافة اليوم» أن التلوث البيئي يكلف الدولة سنويا 2,6 نقطة نمو. ولفت محدثنا الى أن 80 % فقط من النفايات المنزلية تصل الى المصبات في حين تبقى 20 % منها ملقاة في الشوارع وعلى حافة الطرقات تنهشها الكلاب السائبة .

وتتصرف وزارة البيئة في 16 مصبا مراقبا تعالج يوميا 7600 طن من النفايات المنزلية وتصل الى 15 ألف طن يوم عيد الاضحى .

ويرى الخبراء في المجال البيئي أنه للحد من التلوث البيئي يجب وضع استراتيجية تقوم على تكريس ثقافة بيئية حقيقية أي بزيادة وعي المواطنين بالمخاطر المرتبطة بانتشار النفايات من خلال حملة واسعة النطاق يتم بثها عبر شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام المرئية والمسموعة وكذلك المكتوبة وعبر ملصقات في الأماكن العامة الأكثر ترددا. كما يمكن اعتماد مادة البيئة كمادة رئيسية في البرنامج المدرسي مثلها مثل العلوم الطبيعية والرياضيات وأن يتم تدريسها في المؤسسات التعليمية بما فيها مراكز التكوين المهني من أجل تربية الأجيال القادمة على أهمية البيئة ونظافتها وبالتالي تكوين جيل متحضر ومسؤول .كذلك من بين الحلول الأخرى التي يؤكد عليها الخبراء في المجال البيئي تطبيق ما جاء في الفصل 47 من الدستور وتبني تثمين النفايات بدل ردمها اذ أن المشكل لا يكمن في النفايات ولكن في طريقة استغلالها فالفصل 47 من الدستور  ينص على أن « تضمن الدولة الحق في بيئة سليمة ومتوازنة والمساهمة في سلامة المناخ ، وعلى الدولة توفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي». لذلك لا بد من تهيئة المصبات وإصالاحها لتتوافق مع المعايير الدولية ، مع ضرورة ابعادها عن التجمعات السكنية وذلك لان العمل في الجانب البيئي يفرض بالضرورة التفكير في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للمساهمة في التنمية المستدامة المنشودة لبلادنا . كما يجب على الدولة أن تعتمد على التثمين عوضا عن ردم النفايات الذي يمثل مشكلة وليس حلا بالنظر الى أنه يسمم الأرض والمياه والبيئة .

شهادات المواطنين تعكس واقعا مريرا يتطلب تدخلا عاجلا من السلطات والمجتمع المدني ، فالتلوث البيئي ليس مجرد مشكلة محلية ، بل هو تهديد لصحة الانسان وجودة الحياة . لذلك فان تحسين الوضع البيئي في بلادنا يتطلب وضع استراتيجية لادارة النفايات وتعزيز النقل المستدام الى جانب تشديد الرقابة على مصادر التلوث ، فالمواطن يستحق العيش في بيئة نظيفة وصحية ، وبالتالي فالعمل يبدأ الآن قبل أن تتفاقم الأزمة الى حد لا يمكن السيطرة عليه .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

مع دخول فصل الشتاء : دعوة الى التزام اليقظة والحذر عند استعمال وسائل التدفئة

مع انخفاض درجات الحرارة وبرودة الطقس تلتجئ العائلات التونسية إلى اعتماد وسائل التدفئة سواء…