نقائص حادة في البنية التحتية للمؤسسات التربوية : أزمة تهدّد جودة التعليم في المدن… والأرياف أشدّ قسوة
ما تزال البنية التحتية للمؤسسات التربوية في تونس تمثل إحدى المسائل الرئيسية التي تعيق تطوير القطاع التربوي وتحسين نتائجه. ورغم ما تحقق من إنجازات في توفير التعليم للجميع منذ الاستقلال، فإن مظاهر التردي في البنية التحتية تكشف عن اختلالات عميقة تؤثر على جودة العملية التربوية سواء في المدن حيث تفتفر المدارس إلى عديد الخدمات أو في الأرياف والمناطق المهمشة حيث تعاني المؤسسات من أوجه قصور كارثية.
ورغم توفر بنية تحتية أفضل في المدن مقارنة بالمناطق الريفية إلا أن المؤسسات التربوية مازالت تعاني من عدة نقائص اذ تعاني العديد من المدارس من نقص كبير وعدم تهيئة لدورات المياه التي تعتبر خطرا على صحة التلاميذ بدرجة أولى كما تعاني المدارس من تهالك الطاولات حيث يضطر التلاميذ في بعض الأحيان إلى استخدام تجهيزات مهشمة، ما يؤثر على راحتهم أثناء الدراسة ويخلق بيئة غير مشجعة. إضافة إلى ذلك، يبرز غياب قاعات مخصصة للمراجعة أو الأنشطة التربوية، ما يحرم التلاميذ من فضاءات تساعدهم على التحضير الجيد لدروسهم أو تنمية مواهبهم في أوقات الفراغ .
كما يعد غياب ملاعب رياضية ملائمة أبرز المشاكل التي تواجه التلاميذ وعوض أن تكون الرياضة متنفسا يعزز النشاط البدني ويقطع مع الروتين الدراسي، فان الكثير من التلاميذ يجدون أنفسهم مجبرين على ممارسة الرياضة في ساحات صغيرة أو غير مهيأة وعدد كبير من التلاميذ لا يمارسون الرياضة وهي عبارة عن ساعة راحة في عدة مؤسسات تربوية .
الريف أكثر تعقيدا
إذا كانت المدارس في المدن تعاني من نقائص واضحة، فإن الوضع في الأرياف أكثر تعقيدا وأشد قسوة حيث تعاني المؤسسات التربوية في المناطق المهمشة من تهالك كبير في المباني، حيث يفتقر بعضها إلى الجدران السليمة والأسقف القادرة على حماية التلاميذ من الأمطار والبرد القارس.
كما يبرز النقص الحاد في دورات المياه والمياه الصالحة للشرب كأحد التحديات الرئيسية. اذ يضطر التلاميذ في بعض المناطق إلى قضاء حاجاتهم في ظروف لا إنسانية، ما يعرض صحتهم لخطر الإصابة بالأمراض.
وحسب الإحصاءات المتوفرة فان حوالي 500 مؤسسة تربوية تفتقر لأهم عنصر للحياة والسلامة الصحيّة وهو الماء الصالح للشراب فغياب التزويد بالماء في مدارس الريف في عديد جهات البلاد يؤثر حتما على سلامة تلاميذ المناطق الخارجة عن شبكة التغطية المائية ليضعهم في مواجهة مباشرة مع خطر الفيروسات المعدية بسبب غياب أبسط تدابير الوقاية التي تعتمد على الماء والصابون وغسل اليدين بصفة متواصلة.
وكان المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية قد أكد سابقا ان عدد المدارس غير المرتبطة بالماء الصالح للشراب يتجاوز 1400 مدرسة عمومية ، أي ما يعادل ثلث المؤسسات التربوية بالبلاد.
كما يمثل النقل المدرسي مشكلة حقيقية إذ يضطر العديد من التلاميذ في الأرياف إلى قطع مسافات طويلة سيرا على الأقدام للوصول إلى مدارسهم، ما يعرضهم للإرهاق والانقطاع عن الدراسة في سن مبكرة ما يؤثر على مستقبلهم .
لا شك ان النقائص الكبيرة في البنية التحتية سواء في المدن أو الأرياف تتسبب في تردي جودة التعليم وارتفاع نسب الانقطاع المدرسي خاصة في المناطق المهمشة. ويهدد هذا الوضع بخلق أجيال غير قادرة على مواكبة متطلبات سوق العمل ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة واستمرار حلقة الفقر و التهميش وارتفاع نسبة الجريمة…
إن تحسين البنية التحتية للمؤسسات التربوية في تونس ليس مجرد استثمار مادي بل هو استثمار في مستقبل الأجيال، فالتعليم هو أساس بناء المجتمعات، ولا يمكن تحقيق ذلك دون توفير بيئة تليق بطموحات التلاميذ وأحلامهم، سواء كانوا في المدن أو في الأرياف. ما يحتم على السلطات المعنية التحرك بشكل عاجل للقطع مع هذا الواقع الظالم للتلاميذ .
و يتطلب إصلاح البنية التحتية للمؤسسات التربوية في تونس رؤية شاملة تركز خاصة على تأهيل المدارس من خلال ترميم المباني المتهالكة وتوفير تجهيزات ملائمة وتعزيز الأنشطة الرياضية بإنشاء ملاعب وتجهيزها في المدن والأرياف مع ضرورة تحسين المرافق الصحية كأولوية قصوى بتوفير دورات مياه نظيفة ومياه صالحة للشرب إضافة إلى تأمين النقل المدرسي و توفير حافلات تضمن وصول التلاميذ إلى مدارسهم بكرامة وأمان.
هجرة الكفاءات التونسية : هل من حلول لإيقاف النزيف..؟
تشهد تونس موجة متصاعدة ومستمرة من هجرة الكفاءات في مختلف القطاعات التي زادت وتيرتها بعد سن…