لا شك ان احد الرهانات المطروحة على تونس اليوم هو التشغيل بكل ما يعنيه هذا الملف من تعقيد وبما له من ثقل اقتصادي واجتماعي. وباعتبار ان الشعار المرفوع في هذه المرحلة هو البناء والتشييد فالأكيد ان هذا لن يكون إلا بالعمل كقيمة حضارية بفضلها فقط تبنى الأمم وتتأسس الحضارات الكبرى. ومعلوم ان احدى المعضلات الكبرى التي يعيشها المجتمع التونسي هي ظاهرة البطالة سواء في صفوف الكفاءات النوعية من أصحاب الشهادات العليا او من اليد العاملة النشيطة في عديد المجالات وهذا يعود قطعا الى توقف قطار التنمية وتراجع بالتالي نسب النمو التي غالبا ما تنعكس على توفير فرص الشغل التي تحتسب في شكل نقاط يفسرها عادة الخبراء الاقتصاديون. ويقتضي الإنصاف هنا القول أولا بأن تراجع فرص الشغل هي ظاهرة عالمية نتيجة التحولات الكبرى التي تعصف بكل بلدان العالم مع تنامي التوترات والنمو الديمغرافي الرهيب والصراعات حول الموارد الطبيعية بين الكبار في اطار لعبة الأمم. هذا وتعد البطالة ظاهرة متفشية في المجتمع التونسي منذ فترة طويلة تعود الى بدايات الالفية الجديدة لكنها حتما تفاقمت مع التغييرات الجوهرية التي عاشتها بلادنا طوال عقد ونصف هو عمر المخاض السياسي والاجتماعي الذي عشناه منذ 14 جانفي 2011. والذي تزامن مع اهمال متعمّد للمجال الاقتصادي وانفلات كبير وشامل لكافة مناحي الحياة أثّر سلبا على مردود كل القطاعات المنتجة وتعطل الإنتاج في اغلب المؤسسات التي تمثل قاطرة تجر الاقتصاد التونسي وبالتالي تعطلت المساهمة في خلق الثروة وتوفير فرص الشغل. وفي ظل هذه العطالة عشنا ما يزيد عن عقد من الزمن كانت الطاقات الشبابية بالتحديد تبحث عن آفاق أخرى ووجدت ضالتها في بعض الممارسات غير القانونية أحيانا ومن أهمها ظاهرة الهجرة السرية وتكوّن شبكات لمافيا المخدرات وقودها شباب في اغلبه عاطل عن العمل الى جانب تفشي ظواهر السرقة والسطو والقتل وارتفاع بالتالي منسوب العنف في الفضاء العام والخاص على حد سواء. وامام كل هذا بات واضحا أنه لا مناص من إيجاد حلول جذرية للخروج من مأزق هذه العطالة ويأتي العمل بكل رمزيته في المقام الأول. ويبدو ان هناك ديناميكية في صلب الدولة تهدف الى إيجاد سياسات جديدة وتطوير مناويل تنمية متسقة مع السياق الحالي وملتصقة اكثر بحاجيات التونسيين وانتظاراتهم. وهناك خطط وضعت لهذا الغرض بهدف إعادة الروح الى القطاعات الحيوية في البلاد كما الحال بالنسبة الى قطاع الفسفاط الذي يوفر فرص شغل مهمة وجيدة بالإضافة الى انه يدرّ عائدات مالية مهمة يمكن ان تدعم خزينة الدولة كما ان محاربة الفساد الذي نخر عديد المؤسسات العمومية وإعادة الهيكلة في بعض المنشآت من شأنهما أن يكونا منطلقا لمرحلة جديدة بدأت بوادرها تتضح. ولعل ما جاء في كلمة وزير التشغيل السيد رياض شود حول الانتدابات في الوظيفة العمومية يأتي ليدعم هذه الفرضية وهو الذي أكد في كلمته أمام نواب البرلمان واجابة على اسئلتهم ان عديد الوزارات ستفتح باب الانتداب في عام 2025 وهذا ما يحيل على ان هناك فرصا متاحة ستكون أمام طالبي الشغل في اكثر من وزارة في القريب العاجل. والأكيد ان هذا سيخفف من وطأة البطالة على عدد لا يستهان به من الباحثين عن فرص عمل تماما كما سيكون له الوقع الاجتماعي الكبير والمؤثر. هذا وتجدر الإشارة كذلك الى ان هناك مبادرة تشريعية مطروحة الآن من أجل إيقاف نزيف هجرة الكفاءات النوعية أو ما يعرف بهجرة الأدمغة وذلك في اطار الرهان على الذكاء التونسي والتعويل على الذات. وهذا بالتوازي مع مساع ديبلوماسية مع الاشقاء والأصدقاء من اجل فتح فرص عمل امام العمالة التونسية الراغبة في الهجرة بشكل قانوني يضمن الحقوق التامة لهؤلاء العمال. والأكيد اليوم ان حلحلة الأوضاع الاقتصادية يبدأ من الرهان على العمل كقيمة حضارية وضمان تكافؤ الفرص أمام كل التونسيين الباحثين عن الشغل ومواصلة الحرب على الفساد بلا هوادة من اجل ضمان أسس التنمية العادلة.
العائدون من سوريا.. مـــاذا سنعدّ لهم..؟
سقط نظام بشار الأسد في سوريا وثبت أن بيته أوهن من بيت العنكبوت وان جيشه فقد العقيدة والثب…