التشخيص والتوصيف متّفق عليه : كيف سيتمّ إنقاذ المؤسسات العموميّة؟
أشار وزير النقل رشيد عامري مطلع الأسبوع الجاري بأن برنامج مراجعة شاملة لشركة الخطوط التونسية جاهز وسيرى النور قريبا وأكّد خلال أشغال الجلسة العامة البرلمانية المشتركة لمناقشة مهمة وزارة النقل لسنة 2025 على أن الوزارة تجاوزت مرحلة التوصيف لحالة الشركة ومرت إلى الإنجاز.
وكشف الوزير أن «الإنجاز» سيكون على مراحل وأولها تحسين الخدمات للحريف وهو ما سيمكّن من الترفيع في التسعيرة خاصة وأن من بين طلبات المسافرين هي إمكانية الترفيع في التسعيرة لكن في المقابل تقديم عرض جيّد على حدّ تعبيره.
وكما هو معلوم، فإن شركة الخطوط التونسية هي واحدة من بين أكثر من مائة مؤسسة عمومية تمر بأزمة حادة يذهب البعض الى القول ان العديد منها في حالة موت سريري وبعضها الآخر يحتاج الى ضخ دماء جديدة فيها على وجه السرعة.
وتحت قبة البرلمان عبّر أغلب الوزراء عن نفس التوجه في الحفاظ على المؤسسات العمومية التي تعود اليهم بالنظر واعتبارها مكسبا وطنيا يجب الحفاظ عليه.
ولعلّ ما يثلج الصدر هو هذا التوافق بين السلطة والنخب والأطراف الاجتماعية وأهمها الاتحاد العام التونسي للشغل بطبيعة الحال حول الدور الاجتماعي للدولة وضرورة إنقاذ المرفق العام واعتبار المؤسسات العمومية خطا أحمر رغم الضغوط والاكراهات المطروحة داخليا وخارجيا، فالتفويت والخوصصة والغلق مثلا خيارات مطروحة على جدول أعمال شركائنا سواء منهم المؤسسات المالية أو حتى بعض الدول بحجة ارتفاع كتلة الأجور وتعثر قطار التنمية، وهنا يطرح السؤال العبثي عن المؤسسات التي تفشل عندما تكون تحت إشراف الدولة وتنجح وتشعّ عندما يتمّ التفويت فيها للخواص وليس في الأمر سرّا حسب رأينا بما ان التغيير الوحيد الحاصل هو في الحوكمة وفي ترشيد التوظيف والانتاج والجودة والتصدي لكل مظاهر الفساد والإفساد.
المسألة الثانية الايجابية في تقديرنا هي التي عبّر عنها وزير النقل نفسه بقوله أننا تجاوزنا مرحلة التوصيف، حيث ثمّة بالفعل تناغم أيضا في توصيف وتشخيص واقع المؤسسات العمومية في بلادنا وإقرار بوجود صعوبات ظرفية وهيكلية، قديمة ومستجدّة، وكلفة تنفيذ أي مشروع للاصلاح والانقاذ مرتفعة للغاية، والمطلوب ليس فقط وقف النزيف وإعادة الحياة لهذه المؤسسات المنهكة، ولكن ايضا ضمان استمرار حياتها وتأمين مستقبلها في إطار الدولة الاجتماعية دائما.
هو صراع ضد الزمن بأتم معنى الكلمة، وكل سنة بل كل شهر وكل يوم يمرّ دون البدء في مباشرة الانقاذ، يضاعف الخسائر ويعدم الأمل في النجاح في تجاوز الأوضاع الراهنة.
ليس ذلك فحسب، لا يمكن إنقاذ كل مؤسسة على انفراد أو في أوقات مختلفة ومتباعدة بعبارة أخرى يجب ان تنطلق عملية الانقاذ في نفس التوقيت وفق خارطة طريق واضحة وجدول زمني دقيق لا يهم ان استمر على مدار سنة أو سنتين أو حتى أكثر الأهم هو الحصاد والوصول الى نتيجة يلمسها التونسيون في الواقع.
لقد شدّد رئيس الجمهورية قيس سعيّد في أكثر من مناسبة أمام فريقه الحكومي على ضرورة الإسراع في عملية إنقاذ عديد المؤسسات والمنشآت العمومية وأدى زيارات لبعضها على غرار الشركة التونسية للسكر وشركة الفولاذ والشركة الوطنية لعجين الحلفاء والورق وشركة نقل تونس والشركة الوطنية للسكك الحديدية الى جانب مؤسسات إعلامية وبنكية أطلق العاملون فيها صيحات الفزع.
إنها أولوية الأولوية في تقديرنا، وبالرجوع الى شعار الحملة الانتخابية للرئيس قيس سعيّد وعنوان ولايته الثانية في قرطاج، لن يكون بمقدور التونسيين التقدم في البناء والتشييد ما لم تقع تهيئة وإعداد البيئة المناسبة التي يضطلع فيها المرفق العام بوظيفته الطبيعية في تكامل ايضا مع القطاع الخاص في إطار الدولة الاجتماعية.
في مجابهة الجمعيات «المارقة».. ضرورة فرز السمين من الغثّ…!
قرر القطب القضائي الاقتصادي والمالي تجميد أموال عدد من الجمعيات في علاقة بالتمويل الأجنبي …