ماذا يحدث في الخطوط التونسية ؟ مشاكل هيكلية و إدارية و عملياتية.. وشبهات فساد..
وصف رئيس الجمهورية قيس سعيد، ما يحدث في الخطوط التونسية بـ« الجريمة» حيث اعتبر أن ما حصل مؤخرا في الخطوط الجوية التونسية أمر يرتقي إلى مستوى الجريمة يتحمّل مسؤوليتها من قاموا بالتنفيذ وخططوا لها وكان ذلك خلال اجتماع مجلس الأمن القومي المنعقد الإثنين الماضي والذي تطرق فيه إلى عديد النقاط الحيوية الأخرى على غرار ارتفاع الأسعار وانتشار شبكات المضاربين والمحتكرين وتواصل الحرب على الفساد .
وتأتي هذه الاوضاع المتردية للخطوط التونسية مباشرة إثر انتهاء الموسم السياحي، حيث سجلت عديد الاضطرابات والتأخيرات في مواعيد سفراتها سيما خلال الأربعة أيام الأولى من الشهر الجاري واعتبرت الناقلة الوطنية أن ذلك كان بسبب مشاكل تقنية مُفاجئة لعددٍ من طائراتها، حيث تقدمت الخطوط التونسية باعتذاراتها عمّا لحق بالمسافرين وبالمتعاملين معها من إزعاج، كما بينت أنها تتفهم استياء الرأي العام وتؤكد ، بأنها تبذل كل جهودها لتجاوز هذه الوضعية واعادة الحركة إلى سالف نشاطها.
وفي هذا السياق أفادت الشركة بأنّها قامت باستئجار 3 طائرات لتعزيز أسطولها الحالي على أن يتم خلال الساعات القادمة استكمال إجراءات استئجار الطائرة الرابعة، وهو ما سيمكّنها من تأمين نقل مسافريها إلى وجهاتهم. وتؤكّد الناقلة الوطنية أنّها حرصت منذ بداية الأزمة على استئجار طائرات لتعويض النقص الحاصل في أسطولها إلا أن عدم توفّر عروض آنية بالاضافة إلى تعقد الاجراءات ، حال دون تدارك الإشكال القائم منذ بدايته .
كما طمأنت الخطوط التونسية مسافريها المتضرّرين من التأخيرات الحاصلة ، بأنّها ستتكفّل بمصاريف تغيير أو تعديل حجوزاتهم حسب طلباتهم وأنها تعمل كل ما في وسعها لتجاوز هذه الفترة الصعبة .
عود على بدء
جدير بالذكر أن بعض رحلات الناقلة الوطنية سجلت تأخيرات فاقت 20 ساعة خلال الايام القليلة الماضية ما خلف استياء كبيرا في صفوف حرفائها من تونس ومن جنسيات أجنبية أدى بهم إلى نشر مقاطع فيديو للتعبير عن تذمراتهم مما حصل.
وزير النقل رشيد عامري من جانبه أدى زيارة ليلية غير معلنة إلى مطار تونس قرطاج وعدد من المرافق التابعة للخطوط التونسية ليلة السبت المنقضي شملت أيضا مختلف فضاءات مطار تونس قرطاج من ذلك مربض الطائرات وعدد من المرافق التابعة لمجمع الخطوط التونسية على غرار الخطوط التونسية الفنية والخطوط التونسية للخدمات الارضية والشركة التونسية للتموين.
وعاين وزير النقل الإخلالات المسجلة على مستوى خدمات التموين المسداة ونوعيتها وظروف التزويد والتي تمس من سلامة الطائرات والمعدات، وكذلك ما تشكوه اليقظة من نقص على مستوى المتابعة المباشرة والميدانية لمختلف العمليات، مما ينجر عنه التأخير في التدخل الحيني لحل الاشكاليات الفنية الطارئة وتأمين السفرات طبقا للبرمجة المحددة، مضيفا أن ما تعانيه الخطوط التونسية من صعوبات هيكلية ومالية، لا يمنع بأي شكل من الأشكال كافة الساهرين على إدارة هذا المجمع والعاملين به، من التحلي باليقظة وروح المسؤولية والانضباط والجدية في تسيير المرفق العام .
وفي السياق ذاته حث الوزير على حسن التنسيق بين مختلف الأطراف المتدخّلة في المطار بهدف تفادي كل ما من شأنه ان يتسبب في اضطراب توقيت الرحلات ويعطل مصالح المسافرين سواء عند الوصول أو المغادرة ، مؤكدا على مزيد العمل لإكساب النجاعة لمنظومة الاعلام وتطوير اساليب الاحاطة والارشاد.
الأرقام تتضارب مع الواقع
وبلغة الأرقام تمتلك الخطوط التونسية 34 طائرة قيد الاستغلال إلى غاية شهر جويلية المنقضي دون اعتبار الطائرات المستأجرة وبخصوص تطور النفقات بين النصف الأول من سنة 2024 وسنة 2023 تشير المؤشرات إلى ارتفاع نفقات الوقود بنسبة 8,2 % ، نتيجة ارتفاع حجم الاستهلاك بـ 7.2 % وارتفاع سعر البرميل بـ 2.5 %. كما ارتفعت تكاليف الموظفين بنسبة 5,8 % بسبب الزيادات في الرواتب، لتتحول من 97.406 مليون دينار في سنة 2023 إلى 103.018 مليون دينار في سنة 2024. وبخصوص الديون، فقد سجلت انخفاضا بعد تسوية الآجال التعاقدية، حيث بلغت 720.374 مليون دينار.
ويرى خبراء في الاقتصاد أن واقع الخطوط التونسية محير جدا مقارنة بين أرقام ومؤشرات الاستغلال وبين الموارد البشرية الضخمة التي تتحمل أعباءها في غياب تفعيل برامج ناجعة لإعادة الهيكلة والإصلاح. إذ أن هذه الموارد البشرية لا يمكن أن تتحمل تكاليفها الشركة وهي في وضعية مالية حرجة وتواصل في نفس سياسات النظام القديم من حيث آليات التشغيل والإلحاق وغيرها من الآليات التي استنزفت مواردها المالية مقارنة بايراداتها ونفقاتها في غياب برامج استثمار تذكر.
الإنقاذ المنشود
تُعاني الخطوط التونسية منذ سنوات من مشاكل هيكلية وإدارية أثرت بشكل كبير على أدائها. ورغم الجهود المتكررة لإصلاحها، فإن النهج التقليدي في تسيير الشركة ظل يشكل عائقاً أساسياً أمام التطوير. وتعتمد الطرق التقليدية وفق الخبراء على الإدارة المركزية الصارمة، غياب التحفيزات للابتكار، والبيروقراطية الثقيلة، مما يبطئ عمليات اتخاذ القرار ويضعف الاستجابة للتحديات الجديدة في قطاع الطيران الذي يشهد تطورات سريعة.
أحد أبرز الانتقادات لهذا الأسلوب التقليدي هو اعتماده على الأساليب البيروقراطية القديمة، حيث يتداخل العمل الإداري مع الأداء العملياتي الميداني بشكل كبير، مما يساهم في تباطؤ الخدمات مثل الصيانة وإدارة الموارد البشرية. وقد نتج عن ذلك تأخير متكرر للرحلات، وتراجع ملحوظ في جودة الخدمات التي تُقدّم للمسافرين، وهي من أبرز القضايا التي تضع سمعة الشركة على المحك أمام الحرفاء في الداخل والخارج.
علاوةً على ذلك، لايمكن لمتابع الوضع بدقة، نكران أن الخطوط التونسية تعاني من مقاومة داخلية للتغيير، حيث أن جانبا كبيرا من الثقافة الإدارية في الشركة «حتى لا نعمّم» يميل إلى الحفاظ على الوضع القائم بدلاً من تبني إصلاحات جذرية ضرورية. على سبيل المثال، تُشير بعض التقارير إلى غياب برامج تطوير الموظفين بشكل كافٍ وعدم الاستثمار في تحسين المهارات التكنولوجية، ما يُضعف من قدرة الشركة على التكيف مع تقنيات الطيران الحديثة ومتطلبات السوق العالمية.
وبينما حاولت وزارة النقل والإدارة التنفيذية تقديم خطط إصلاحية، إلا أن غياب آليات فعالة للمساءلة وتقييم الأداء يظل تحدياً كبيراً. فالإصلاحات الهيكلية لم تحقق النتائج المرجوة، نظرًا لأن هذه الحلول غالباً ما تكون سطحية وتهدف فقط إلى معالجة الأعراض بدلًا من الأسباب الجذرية التي تتعلق بنمط الإدارة التقليدي.
إن إصلاح الخطوط التونسية يتطلب تجاوز الطرق التقليدية نحو نموذج إداري مرن وابتكاري. مثل هذا التحول قد يسهم في استعادة الثقة بشركة تملك إرثاً طويلاً في مجال الطيران، ولكنه لن يتحقق إلا بتبني مشروع استثمار كبير يشمل اقتناء طائرات جديدة تلبي الطلب ومشروع حوكمة فعال وتدريب مستمر لموظفيها، والاستثمار في التقنيات الحديثة لتحسين جودة الخدمات وضمان استمرارية الشركة .
مرّة أخرى الرئيس يتوقف عند « التخريب الممنهج» لقطاع النقل.. نحو مقاربة جديدة لإعادة بناء منظومة منهكة..!
يواجه قطاع النقل في تونس، منذ سنوات، تحديات متزايدة ألقت بظلالها على حياة المواطن اليومية …