لبناء منظومة تربويّة عالية الأداء : الإصلاح التربوي على أسس ثابتة ضرورة ملحّة
الدّعوات إلى استعجال إصلاح المنظومة التربوية مازالت تطرح بشدة وأكثر إلحاحا من كل مكونات المجتمع المدني عامة ومن المتدخلين في المنظومة التربوية بصفة خاصة ، ولعل استعجال الإصلاح وان دل على شيء فانه يدل على رغبة جامحة في تخليص المدرسة الوطنية ممّا لحقها من أدران خلال العقدين الأخيرين، وتدل على إدراك حقيقيّ لحجم الرّهان ومقتضيات الإصلاح التي تبنى على أسس صحيحة نأمل أن تفضي إلى بناء منظومة تربويّة تونسيّة عالية الأداء، لأن بناء مدرسة تونس المستقبل من أدقّ المشاريع وأعقدها…
يقول في هذا السياق رضا الزهروني رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ أن المنظومة التربوية التونسية تميّزت على امتداد عقود بدرجة عالية من الجودة نالت الاعتراف وطنيا ودوليا وكان التعليم الخاص والهجرة إلى بعض الدول الشقيقة ملاذ من فقدوا الحق في مواصلة دراستهم بالتعليم العمومي. ودائما ما كان التلميذ التونسي والطالب التونسي والباحث التونسي محل احترام وتقدير داخل المؤسسات التعليمية الأجنبية غربية كانت أو شرقية وكانت عديد الشهادات العلمية التي تسلمها هذه البلدان ومنها شهادات بلجيكية تستوجب المعادلة لمن كان يرغب في الالتحاق بالوظيفة العمومية.
ويستدرك محدثنا، غير أن القانون التوجيهي للتعليم والتربية عدد 80 لسنة 2002 المؤرخ في 23 جويلية 2002 جاء كابحا فعليا لنسق تطور المنظومة ولطموحاتها. ومن ضمن أهم المراجعات الجوهرية التي أتى بها: إلغاء إجبارية مناظرة اختتام المرحلة الابتدائية أو السيزيام وإقرار إجبارية التعليم إلى حدّ سن 16 سنة والاستغناء على مسار التكوين المهني ضمن مرحلة التعليم الثانوي والتي أصبحت تنجز على مرحلتين وهي التعليم الإعدادي والذي أصبح مع التعليم الابتدائي يكون مرحلة التعليم الأساسي. في حين أن التعليم الثانوي تم اختزاله في أربع سنوات عوضا عن سبع كما كانت عليه قبل 1991.
إجراءات تحمل فلسفة بيداغوجية بسيطة تتمثل في الاعتماد على الارتقاء الآلي وعلى إرضاء نسبي لدعاة التعريب بتونس لمعالجة واقع خطير للمدرسة التونسية يتمثل في إقصائها لعدد هائل من تلاميذ التعليم الابتدائي وفق محدثنا . حيث بلغ معدل المنقطعين عن الدراسة حوالي 66 ألف تلميذ سنويا وذلك خلال المرحلة الممتدّة بين 1984 و2000 ووصل إلى حدود 95 ألف منقطع خلال السنة الدراسية 1991-1990. وهي إجراءات وإن لم تكن قادرة على معالجة الوضع فقد تسببت أيضا في عديد الأضرار الجانبية مازالت تكتسي درجة عالية من الخطورة.
حيث حافظ الانقطاع المدرسي على نفس مستوياته وبمعدل سنوي في حدود 110 آلاف تلميذ وذلك على امتداد الأربعين سنة الأخيرة مع الانزلاق بمركز ثقله إلى مرحلتي التعليم الإعدادي والثانوي بالتوازي مع بروز ظاهرة جديدة تتمثل في تجاوز عدد تلميذات التعليم الثانوي عدد تلاميذها بسبب الارتفاع الكبير في مستوى نسب الانقطاع المبكر عند الذكور مقارنة بالإناث والذي بلغ أكثر من الضعف في عديد السنوات الدراسية. ومن جهة ثانية تؤكّد عدة تقارير وطنية ودولية تراجع مستوى أداء المنظومة التربوية التونسية في اللغات وفي مواد التعبير والعلوم والرياضيات مع تنامي ظواهر الدروس الخصوصية والعنف المرسي وتراجع نسبة التمدرس ونسب النجاح في الامتحانات الوطنية وهجرة شعبة الرياضيات وهجرة التعليم العمومي.
فمدرستنا العمومية اليوم لم تعد مجانية ومصعدا اجتماعيا وهي اليوم غير قادرة بتاتا على تحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص. فأبناء العائلات الميسورة وبناتها لهم امل في النجاح والفئات الفقيرة والمهمشة حظهم الفشل والاستثناء يؤكد القاعدة لا ينفيها. واقع يتسبب لنا مع مر السنوات في خسارة لا يمكن تقديرها وإهدار كبير للموارد العامة بسبب بعثرة المكاسب البشرية والإنسانية وكأننا نضع شبابنا في مواجهة مع العجز المعرفي والإقصاء الاقتصادي والاجتماعي ومع الانحراف وندفع بهم في اتجاه منحدر الفشل بمختلف تعقيداته والمتعلقة بوهم المعرفة وتقديس الجهل على حد تعبير الزهروني .
ويشير محدثنا «تناولت شخصيا هذا الموضوع في مناسبات عدة ومنذ سنوات لأؤكد للرأي العام ولأصحاب القرار أيضا على خطورة وضعنا التربوي وراسلت الأسبوع الماضي رئيس الحكومة في هذا المعنى. لا شيء الا لأذكر بأنّ المجتمعات لا يمكن ان يكون لها ايّ مستقبل عندما تنهار مدارسها ولأذكر أيضا ان حل الإنقاذ متاح وفي المتناول ويتمثل ـ من وجهة نظرنا ـ في الانطلاق بمعالجة أصل الداء والذي مازالت تعاني منه اليوم المرحلة الابتدائية».
ويتمثل الحلّ وفق الزهروني في الانطلاق الفوري في تنفيذ حزمة من الإجراءات التنظيمية والعملية والبيداغوجية والتي تضمن بالفعل الرفع من أداء المرحلة الابتدائية في كل مكوناتها قصد ضمان الارتقاء المستحق من سنة إلى سنة لأكثر عدد ممكن من أبنائنا وبناتنا وأؤكد على توفرها وجدواها. وعندها سنعالج بصفة طبيعية وآلية جزءا كبيرا من الظواهر التي تعاني منها اليوم منظومتنا التربوية وخاصة مدرستنا العمومية. وهذا لا يعني بتاتا اننا نتجاهل تماما مراحل التعليم الإعدادي والثانوي والعالي والتكوين المهني في إطار رؤية شاملة للإصلاح التربوي.
ويؤكّد محدثنا ان بناء مستقبل هذا الوطن مسؤولية تحتّم على الجميع الإقرار بالواقع الخطير لمنظومتنا التربوية وبحتمية الاستثمار في ذكاء أبنائنا وبناتنا لضمان مستقبل الأجيال ولكسب الرهان المتمثل في الرقي ببلادنا الى صف الأمم الراقية والنهوض بها في كل المجالات.فلا خيار لنا غير التسلح بعقلية التحدي والخلق والإبداع قصد استشراف واقع جميل للمدرسة التونسية في كلّ مظاهرها بغاية الوصول بها إلى مستويات عالية من الجودة والعدالة الاجتماعية والإنصاف مع العمل في الوقت ذاته على تثمين نقاط قوة التّلميذ كالمثابرة والشّجاعة ورفع التحديّات وحب الاطلاع والبناء خدمة لمصلحة تونس دون سواها.
وهو ما يتطلب منا وفق الزهروني أن نضع لأنفسنا أهدافا طموحة وقابلة للتحقيق في الوقت نفسه خاصّة في ما يتعلّق بنمط التّفكير قصد الخروج من القوالب التّقليدية والشروط المكبلة مع البحث عن التجديد والفاعلية. ويتطلب منا أيضا أن لا يكون مبدأ استقلالية القرار سببا في حرماننا من الاستفادة من النماذج الملائمة والاستئناس بالدراسات ذات الصّلة وبالبرامج والتجارب الناجحة. فمنوال الانظمة التربوية هو كوني بامتياز في محوريه الأساسيين التربية والتعليم.
ويبقى الشأن التربوي شأنا عاما وشأنا وطنيا وشرطا من شروط الأمن القومي ويتطلب تشريك العديد من الأطراف ومن ضمنها الأولياء ومختلف الاختصاصات ووضع السياسات والاستراتيجيات المستوجبة بأهداف مدروسة وطموحة وتوفير كل الإمكانيات الضرورية وتحديد مسؤوليات كل الأطراف المعنية.
لمزيد تحسين جودة الخدمات المسداة في المؤسسات الوظيفيّة لرعاية كبار السنّ : نـــحـــو مـــضـــاعـــفـــة الـــجـــهـــود
توفير سبل الراحة في المؤسسات الوظيفيّة لرعاية كبار السن من خلال تحسين وتجويد الخدمات المسد…