يستأثر الملف الاقتصادي والاجتماعي بأهمية بالغة ضمن أولويات هذه المرحلة التي ترفع فيها الدولة تحديات كبيرة وهو ما أكد عليه  رئيس الجمهورية قيس سعيّد أول أمس خلال جلسة أداء اليمين الدستورية، حيث ذكر أن  «من التحديات التي يجب رفعها هو بناء اقتصاد وطني يرتكز على خلق الثروة، وفي ظل اختيارات وطنية خالصة نابعة من إرادة الشعب لن يكون الأمر يسيرا».

ويتبين من هنا توجه السلطة نحو بناء إقتصاد وطني قادر على خلق الثروة وهو ما يستوجب العمل على توفير مناخ ملائم للتشجيع على الإستثمار وبعث المشاريع باعتبارها أحد أعمدة  خلق الثروة إلا أن تحقيق هذا الهدف يحتاج تغيير وتنقيح القوانين المكبلة للإستثمار أو المعطلة له والتي طالما تم الحديث عنها وعلى رأسها البيروقراطية و المنظومة الإجرائية المعقدة و لعل في دعوة الرئيس قيس سعيد في كلمته إلى «ضرورة الانطلاق بسرعة في ثورة تشريعية تجسم على أرض الواقع آمال الشعب التونسي» إشارة لأهمية إرساء أو تعديل المنظومة القانونية بما يخدم المواطن التونسي ويوفر له فرصا وحوافز وتسهيلات تشجعه على  بعث المشاريع  والمساهمة في الدورة الاقتصادية وهو ما سيساعد على  خلق مواطن الشغل  وتوفير بيئة مشجعة على العمل والإنتاج ذلك أن خلق الثروة لا يتحقق في غياب رؤية واضحة لمتطلبات هذه المرحلة والقطاعات التي تحقق القيمة المضافة وتساهم بشكل إيجابي في دفع الاقتصاد نحو التعافي من أزمته.

وفي الواقع يحتاج القيام بالإصلاحات الاقتصادية اللازمة وقتا لتجاوز الهنات التي ساهمت في إضعاف الاقتصاد و تراجع مؤشراته لكن في الوقت ذاته ستساعد شجاعة القرار بالمرور إلى الإصلاح الجدي على التأسيس لمرحلة إقتصادية أكثر مردودية على أن تأخذ مجمل هذه الإصلاحات بعين الإعتبار المتغيرات الكبرى التي يشهدها العالم وما يعيشه من صراعات وتغييرات جيوسياسية وتحديات مناخية ذات علاقة بالأمن الغذائي  والأمن المائي والأمن الطاقي التي لا تقل أهمية عن الأمن الوطني.

و في سياق متصل قال الرئيس قيس سعيد أن «التحديات وليس أقلها الحفاظ على المؤسسات والمنشآت العمومية بعد تطهيرها لقد استعاد الشعب ثورته وعلى الدولة أن تستعيد دورها الاجتماعي كاملا»  مستدركا بأن «ذلك لا يعني استهداف المبادرة الحرة والدستور يضمن التعايش بين القطاعين العام والخاص والمبادرة الحرة يجب أن تمارس في وضع قانوني سليم» وتتبين هنا الرسالة التي يريد الرئيس سعيد تمريرها و المتعلقة بالمحافظة على المؤسسات العمومية التي تعد أحد مكتسبات الدولة التونسية الحديثة غداة الإستقلال ورغم الصعوبات والأزمات التي أضعفتها إلا أن إرادة إصلاحها قادرة على أن تضمن إستمراريتها وتحسين أدائها وهذا بدوره يستوجب عملا دؤوبا وإجراءات ناجعة إنطلاقا من تشخيص دقيق ومعمق لواقع هذه المؤسسات للوقوف على الأسباب التي قادتها إلى حالة الوهن التي تشهدها لكن في الوقت نفسه أكد سعيد على أهمية القطاع الخاص في الدورة الاقتصادية في كنف إحترام القانون وهنا وجب التأكيد على ضرورة مقاومة الاقتصاد الموازي الذي بات يمثل حوالي نصف الاقتصاد التونسي  وما يسببه من خسائر فادحة للدولة لنشاطه خارج القانون الذي فتح المجال أمام التهرب الضريبي والتهريب وغيرها من الظواهر والتي حان وقت معالجتها  عبر تقديم حلول واقعية قادرة بصفة تدريجية على إدماج الاقتصاد الموازي في الاقتصاد المنظم وهو ما يتطلب صرامة في تطبيق القانون و إحكام الرقابة على المتجاوزين.

وأكّد رئيس الجمهورية في مناسبات سابقة على رفضه للاقتصاد الريعي والحاجة الماسة لمحاربة كل مظاهر الفساد التي تشكّل أحد العوائق التي تكبّل الإقلاع الاقتصادي في تونس. واعرب عن  حرصه الراسخ على ضمان الحرية الاقتصادية وتشجيعه الدائم للمبادرة الفردية وطمأنة رجال الأعمال والمستثمرين. كما شدّد على إدراكه لمدى أهمية توفير الظروف المناسبة حتى يواصل رجال الأعمال الوطنيون الاضطلاع بدورهم المركزي في خلق الثروة في تونس. لذلك يصرّ على ضرورة إيجاد الإطار السليم القادر على توفير كل التشجيعات لرجال الأعمال لمزيد تحفيزهم على الاستثمار والمساهمة الفاعلة في تنمية الاقتصاد التونسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

الخبير المالي محمد صالح الجنادي لـ«الصحافة اليوم»: الترفيع في نسبة النمو مرتبط بالتشجيع على الاستثمار

بين رئيس لجنة المالية بمجلس نواب الشعب عصام شوشان أول أمس في تصريح إذاعي أن الأرقام المتعل…