في الشأن التربوي : سلطة المدرّس ، هل لها دور في عملية التعليم والتعلّم ؟
عندما نتناول مفهوم السلطة في حوارات ما، نلاحظ أن مجالاتها عديدة، فهي السلطة التنفيذية والسلطة القضائية والسلطة التشريعية في السياسة ، وهي السلطة الرابعة المقصود بها الصحافة ، وهي السلطة الوالدية في الأسرة . وقد توصف السلطة بالمعنوية أو الرمزية أو المادية ..الخ.. لكن ما يهمنا في موضوعنا هذا هو نوع من السلطة يحدث في المجال التربوي ونعني به سلطة المدرس في القسم أو سلطة المدرسة باعتبارها أول صعوبة تعترض المدرّس في القسم في بداياته : فما المقصود بسلطة المدرس ؟ وهل هي سلطة أم سيطرة ؟ وهل لسلطة المدرس تأثير على نجاح العملية التعليمية التعلَمية ؟
يرى فرنك ليونار Franck Leonard أستاذ علم الاجتماع في جامعة بوردو 2 ، في كتابه الصادر بباريس سنة 2008 « Autorité et conduites de classes» أن سلطة المدرس ترتبط أساسا بدوره وبالمهام التي يقوم بها، باعتباره الضامن لتحقيق التعليم المنشود . وهو يعتبر أن سلطة المدرس في القسم هي سلطة معنوية Autorite لا علاقة لها بمفهوم السيطرة Maitrise et domination(في مفهوم الإخضاع والغلبة). فالمدرس يقود قسمه ويتخذ القرارات اللازمة لنجاح درسه ويجعل التلاميذ يتابعون ما يقوله باهتمام دون خضوع . وهذا يختلف عن مفهوم السلطة عموما وقد وضح ذلك معجم «لاروس» عندما عرف السلطة بأنها «القدرة على القيادة واتخاذ قرارات وجعل الآخرين يصغون لمن يمارس تلك السلطة ويستجيبون لها » . لذلك فسلطة المدرس هي مشروعة من ناحية أنها سلطة معنوية معترف بها من طرف المجتمع بسبب دوره والمهام التي يقوم بها في القسم بهدف تحقيق انخراط تلاميذه عن طواعية في ما يقدمه لهم من تعلمات دون استعمال ضغط أو عنف تجاههم. وسلطة المدرس هي في رأيي فن تحقيق التزام المتعلمين الطوعي بقواعد التعايش والتعلم في القسم والتركيز مع المدرس دون أن يضطر إلى التدخل لفرض أي نوع من الالتزام بسبب ما له من تأثير معنوي على تلاميذه .
ويعتبر خبير النظم التربوية « فابريس هيرفيو وان» Hervieu-wane Fabrice في دليل المدرس المعين حديثا Le guide du jeune enseignant الصادر سنة 2009 ، أن سلطة المدرس هي نوع من التأثير الشخصي على المتعلمين في سياق دراسي معين يفرض عليهم الاستماع إلى ما يقوله وتطبيق ما يقرره . ويؤكد الخبير أن سلطة المدرس في القسم ترتبط أساسا بمدى تقديره لذاته، وثقته في نفسه، وثقة تلاميذه فيه ، وبالدور التربوي الذي يراه لنفسه في المدرسة، وبغزارة معارفه ووظفيتها، وبمدى تمكنه من المادة التي يدرسها ومن مقاربات التدريس، وبالعلاقة التربوية والعلاقة التواصلية التي يبنيها مع المتعلمين ، وبمصداقيته وقدرته على تجاوز الصعوبات الطارئة في القسم وحل المشاكل التي تعترض تلاميذه . وبالتالي فإن استخدام المدرس لسلطته المعنوية هي مهارة فردية قد تكون مكتسبة لدى البعض هذبتها الخبرة والتجربة، وقد تكون تلقائية فطرية مرتبطة بالسمات الشخصية للمدرس.
أهمية سلطة المدرس
تعتبر سلطة المدرس في المدرسة تجاه تلاميذه سلطة مشروعة وضرورية لينجح في أداء دوره رغم أن العديد من المدرسين اليوم يجدون صعوبة في ممارسة تلك السلطة . ويعتبر الكاتبان Franck Leonard و Hervieu أن سلطة المدرس في القسم ضرورية بل أساسية للتعلم ولحسن سير الدروس وهي التي تساعد على نقل المعارف للمتعلمين بسلاسة .
إن سلطة المدرس المعنوية شرعية ومعترف بها ما دامت لم تخرج عن نطاق القانون التربوي وما ينتظر منها، وهي سلطة مقبولة من المجتمع ما دامت لم تتجاوز حدود القيم المجتمعية، وما دامت تقوم على المصداقية والثقة والاحترام المتبادل مع المدرس ومع المدرسة عموما .
ورغم أن سلطة المدرس يجب أن تكون مدعومة بسلطة المدرسة لنجاح العملية التعليمية التعلّمية بل وبدونها لا تنجح العملية ، إلا أننا نلاحظ اليوم أن سلطة المدرس تراجعت عموما ولم تعد مكانته اليوم في المدرسة أو في المجتمع كما كانت في القرن الماضي . فالمدرس كان بمثابة الشخص المرجع في مجتمعه الضيق وقد لا يحدث نشاط لا يحضره المدرس بحكم قيمته الاعتبارية بين أهالي المنطقة التي يعمل فيها . فما هي أسباب هذا التراجع في سلطة المدرس ؟
أسباب تراجع سلطة المدرس
لو حاولنا البحث عن أسباب تراجع سلطة المدرس لاكتشفنا عديد الأسباب منها ما يتعلق بالتطور التكنولوجي ومنها ما له علاقة بالمنظومة التربوية نفسها ومنها ما يرتبط بصورة المدرسة والمدرس لدى المجتمع . وسأسرد هنا أهمها :
ـ التطور التكنولوجي الذي نشر المعارف على شبكة الأنترنات بحيث لم يعد المدرس مالك المعرفة الوحيد
ـ ضعف تكوين المدرسين في المقاربات البيداغوجية المختلفة وعدم قدرتهم على تقديم تعليم يراعي الفروقات الفردية بين المتعلمين وضعف تكوينهم في كيفية فرض سلطتهم المعنوية في القسم .
ـ المقاربة التنافسية المعتمدة في المنظومة التربوية التي جعلت التلاميذ يفاضلون بين المدرسين مما يؤثر على أدائهم في القسم وبالتالي فرض سلطتهم على تلاميذهم
ـ الفهم الخاطئ من الأولياء والتلاميذ لقانون إلغاء العقاب البدني في المدرسة ومنهم من اعتبره فرصة للتحرر من سلطة المدرس
ـ ما يتعرض له المدرس من حملات تمس من أدائه ومكانته في المجتمع وما تتعرض له المدرسة من حملات بصفتها لم تعد مصعدا اجتماعيا كما كانت في الماضي ولم تعد تحقق آمال أبنائها وبناتها .
ـ حالات العنف التي كان ضحيتها بعض المدرسين وصدرت عن تلاميذ أو أولياء
ـ انتشار الدروس الخصوصية التي أثرت على العلاقة بين المدرس وتلاميذه وأوليائهم.
عدم التزام عديد التلاميذ بالقيم المجتمعية السائدة
وأخيرا إن كل ما أشرنا إليه بخصوص أهمية سلطة المدرس في القسم والمدرسة ، يدعونا إلى التفكير في الوسائل التي تساعده على استعادتها وتطبيقها وفق القانون التربوي. وهذا يحتاج إلى وضع برامج لتكوين المدرسين، وأخرى لتحسيس الأولياء بأهمية سلطة المدرس، واستغلال وسائل الإعلام المختلفة وخاصة البرامج التلفزية لطرح هذا الإشكال ، وإبراز احترام سلطة المدرس في المدرسة بتنظيم أنشطة تثمن ذلك ، وبالتوازي وضع قوانين صارمة تحمي المدرس وتجرم الاعتداء عليه مهما كان نوع الاعتداء.
في الشأن التربوي : عندما يلبّي التعليم حاجيات المتعلّمين
التعليم هو الذي يعطي الأمل للإنسانية في إصلاح عالمنا وتغيير ملامحه . وهذا لا يحصل إلا بواس…