2024-10-10

الدروس الخصوصية : كابوس يؤرق الأولياء مع كل سنة دراسية ويضاعف التزاماتهم المادية

أصبحت ظاهرة الدروس الخصوصية في تونس موضوعا شائكا ومثيرا للجدل خاصة مع انتشارها الكبير لتمس حتى تلاميذ السنوات الأولى من مرحلة التعليم الابتدائي، فما كان يُنظر إليه في العقود السابقة كدعم إضافي لتحسين مستوى التلميذ اصبح اليوم جزءا لا يتجزأ من رحلة التعليم في تونس، يثقل كاهل الأسرة بشكل كبير .

الضغط على الأولياء يتزايد بشكل مستمر ، مدفوعا  بما يُرى أنه إلحاح من الكثير من المعلمين لكي لا نقول اغلبهم في بعض المؤسسات التربوية  وحاجة التلاميذ إلى هذه الدروس.

في السنوات الأخيرة أصبح من النادر أن تجد تلميذا في المرحلة الابتدائية لا يسجل في الدروس الخصوصية، حتى أصبح الأمر وكأنه تقليد مفروض على الجميع، سواء كانت حاجة التلميذ الحقيقية لذلك أم لا. ويبرر العديد من المعلمين هذا الانتشار بصعوبة المناهج الدراسية وكثافة الدروس، التي تجعل من الصعب على التلاميذ استيعابها بشكل كاف في الوقت العادي للدرس.

ويطرح هذا الواقع عديد التساؤلات حول نجاعة المنظومة التربوية في تونس وفعالية المناهج المعتمدة. فإذا كان التلميذ يحتاج إلى دروس خصوصية بشكل مستمر، فيمكن لسائل ان يسأل إذن ما هو دور المدرسة ؟ هل أصبحت المدرسة اليوم مجرد مكان للتجمع، بينما يتم التعليم في حصص الدروس الخصوصية؟ هذا السؤال يعكس قلقا متزايدا حول دور المدرسة كحاضنة للتعليم الفعلي، ويثير تساؤلات حول ضرورة مراجعة المناهج التربوية وإعادة النظر في المنظومة ككل .

من جهة أخرى، يجد عدد كبير من الأولياء أنفسهم مضطرين للامتثال لهذا الضغط المتزايد. ويشعر العديد من الآباء والأمهات بأن التعليم المدرسي لا يكفي لتهيئة أبنائهم بشكل جيد لاجتياز الاختبارات، هذا الشعور يجعل من الدروس الخصوصية ضرورة مفروضة، وليست مجرد اختيار حر. وفي كثير من الأحيان تتراكم المصاريف المتعلقة بهذه الدروس بشكل يثقل كاهل الأسرة ويجعلها عالقة بين مطرقة الحرص على مستقبل أبنائها وسندان الضغوط المالية المفروضة .

وقد حولت الدروس الخصوصية التعليم في تونس إلى سلعة تُباع وتُشترى ما يؤدي إلى تفاقم الفوارق الاجتماعية في المجتمع. فالأسرة التي تستطيع تحمل تكاليف الدروس الخصوصية تمنح أبناءها تعليما إضافيا  يدعمهم في مسيرتهم الدراسية، بينما قد تجد الأسرة ذات الدخل المحدود نفسها في موقع ضعف. والعائلة التي لا تستطيع تمويل دروس خصوصية لأبنائها تُجبَر في كثير من الأحيان على القبول بمستوى تعليمي أدنى. وهذا التباين يكرس فكرة أن التعليم في تونس أصبح غير متكافئ ويؤدي إلى تعزيز التفاوت الاجتماعي.

ولعل المشكل الأكبر أن هذا الوضع يضعف من قيمة التعليم العمومي الذي كان في السابق أحد أهم ركائز المجتمع التونسي. وكانت المدرسة العمومية في تونس على مدى عقود ، المكان الذي يجتمع فيه التلاميذ من مختلف الفئات الاجتماعية للحصول على تعليم موحد. أما اليوم فإن اعتماد عدد كبير من التلاميذ على الدروس الخصوصية يساهم في خلق نوع من النظام التعليمي الموازي حيث يذهب التلميذ إلى المدرسة لكنه يعتمد بشكل أساسي على الدروس الخاصة لتحسين أدائه الدراسي.

وفي هذا الإطار لا بد من إعادة التفكير في السياسات التربوية والتعليمية المتبعة في تونس. ويجب ان تحظى مسألة إصلاح المنظومة التربوية بالأولوية، لضمان تقديم نتائج تعليمية مرضية دون الحاجة إلى اللجوء إلى دروس خصوصية مكلفة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تحسين جودة التعليم داخل القسم ، وتوفير عدد أكبر من المعلمين لتقليل الاكتظاظ في الصفوف، وضمان أن كل تلميذ  يحصل على الوقت الكافي لفهم المواد الدراسية.

كما يجب تحسين الظروف المادية للمعلمين، حتى لا يتجهوا إلى تقديم الدروس الخصوصية كوسيلة لزيادة دخلهم. وقد يقلل  تحسين الرواتب من الإغراء المالي المرتبط بالدروس الخصوصية، ويعيد للمعلم تركيزه الأساسي على أداء دوره بشكل ناجع في المدرسة، بما يضمن استفادة جميع التلاميذ على قدم المساواة وعدم تحول الدروس الخاصة إلى تجارة مربحة على حساب التعليم العمومي وعدم اثقال كاهل الولي بمصاريف إضافية.

لقد أصبحت الدروس الخصوصية في تونس بالفعل ظاهرة متفشية تثير القلق والجدل حول دور المدرسة وحول فعالية المنظومة التربوية ككل. وبينما يعتبرها البعض ضرورة لمواجهة ضعف التعليم العمومي، يراها آخرون فرضا غير مبرر يزيد من الضغوط المالية والاجتماعية على الأسرة.

إن ما نحتاج إليه اليوم هو إصلاح جذري للمنظومة التربويّة بحيث يعود التعليم في المدارس ناجعا وفعّالًا دون الحاجة إلى دعم ودروس إضافية . ويجب ان يكون الهدف الأساسي للاصلاح تحسين التعليم وضمان عدالة فرص التعليم لجميع التلاميذ حتى يتمكن كل تلميذ، بغض النظر عن وضعيته الاجتماعية ، من الحصول على تعليم جيد يمكّنه من النجاح في مسيرته الدراسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

للتّصدي الى ممارسات  شركة «تي أل أس»: دعوة إلى حماية حقوق طالبي التأشيرة

في خطوة تعكس القلق من استغلال الشركات الخاصة لخدمات ذات صلة بسيادة الدول وحقوق المواطنين، …