2024-10-08

ضعف مشاركة الشباب في الانتخابات الرئاسية 2024: نسبة تستحق القراءة والتمحيص من أجل تفادي العزوف عن التصويت

تمثل الانتخابات الرئاسية لسنة 2024 مثالا واضحا لغياب الشباب كناخبين وناخبات. وقد بينت الإحصاءات التي قدمتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ان أضعف نسبة مشاركة في عملية التصويت لانتخاب رئيس جديد للبلاد للخمس سنوات القادمة تهم الفئة العمرية التي تتراوح فيها السن بين 18 و35 سنة.

فهيئة الانتخابات بادرت بإحداث آلية التسجيل الآلي لمن بلغوا سن 18 سنة او سيبلغونها يوم الاقتراع في الانتخابات مهما كانت صبغتها رئاسية او تشريعية او محلية. وهي من خلال هذا المجهود سعت لاستقطاب فئة الشباب للحياة السياسية وتشريكها في الانتخابات، غير أن هذه الفئة من المجتمع التونسي والتي لعبت دورا رئيسيا في ثورة جانفي 2011 رافعة شعار «الشغل والحرية والكرامة خيّرت العودة إلى مربع الاستنكاف عن العمل السياسي والعزوف عن المشاركة في الانتخابات مهما كان نوعها، ومع كل محطة انتخابية تزداد نسبها في التراجع.
ظاهرة عزوف الشباب التونسي عن الاقبال على صناديق الاقتراع في المحطة الانتخابية الاخيرة ليست وليدة الساعة، بل انها تجذرت منذ محطات أخرى سبقتها. وساهمت عديد العوامل في توسيع قاعدة العزوف وخاصة ما شهدته الساحة السياسية من صراعات حزبية وسياسية وتدهور المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، وسّعت بدورها الفجوة بين الشباب التونسي وتطلعاته المستقبلية. وهذا التراجع اللافت في نسبة الشباب المشارك في الانتخابات بات في حاجة الى قراءة من اجل تداركه ومن اجل تحقيق مصالحة بين هذه الفئة وبين الحياة السياسية بصفة عامة وبينها وبين الانتخابات بصفة خاصة.
وفي هذا الإطار صرح الجامعي والمحلل السياسي مصطفى التليلي لـ«الصحافة اليوم» ان العزوف تجاوز الشباب ليصبح عزوفا عاما في بلادنا عن العمل السياسي وذلك بسبب التراجع المتزايد عبر مختلف المحطات الانتخابية في منسوب ثقة المواطنين والمجتمع المدني في الفاعلين السياسيين، وهو ما كان له تأثير كبير في الاتجاه السلبي على المشاركة الشبابية في الانتخابات. وعبّر محدثنا عن تخوفه من التزايد المستمر في نسب العزوف عن المشاركة سواء في العمل السياسي او في الانتخابات.
وبالمناسبة دعا الأستاذ التليلي السلطة السياسية الى فتح المجال امام الشباب للمشاركة في اصلاح وضع البلاد والتفاعل مع تحركاتهم والاستماع الى مشاغلهم وللتعبير عن مواقفهم وآرائهم في مختلف فضاءات التعبير حتى يكونوا قوة بناء، باعتبار ان القيام بصدّهم يمثل بالنسبة إليهم مصادرة لحريتهم ولحقهم في التعبير عن رأيهم. ويكون نتيجة ذلك حسب تقديره اما التقوقع على أنفسهم او البحث عن اشكال أخرى لفرض وجودهم، وعادة ما يكون ذلك في شكل احتجاجات تمثل ترجمة لحالة عدم الرضا والشعور بالإحباط، او كما هو الحال بالنسبة الى الانتخابات التي يخيّر فيها العزوف عن التصويت.
الشباب يريد ان يكون خارج الصندوق!
ومن جهته صرح محمد الجويلي الخبير في السياسة الاجتماعية والمدير العام السابق للمرصد الوطني للشباب لـ«الصحافة اليوم» ان الشباب عموما يريد ان يكون خارج الصندوق.وهذه الظاهرة لا تهم تونس فقط بل العالم ما عدا بعض الاستثناءات، فالشباب يميل أكثر الى الفعل المباشر والى المشاركة المباشرة في الشأن العام، ويريد ان يعيش تجربته الخاصة، التي يعتبرها تجربة نموذج أكثر من ان يفوض لآخرين ان يعيشوا عوضه تجربة سياسية مهما كانت نوعية الانتخابات.
ومشاركة الشباب في الانتخابات حسب محدثنا تتراجع او تزداد وفق السياق الوطني الذي يعيش فيه المواطن. ليؤكد في هذا الصدد ان الاقبال على الانتخابات يخضع بدوره الى منطق الربح والخسارة. وما يمكن ان يشجع هذه الفئة العمرية على الاقبال على الانتخابات هو وجود مترشح لأي من الانتخابات، يكون له نظرة للشباب ورغبة لتغيير أوضاعه نحو الأفضل وله برنامج إصلاحي في مختلف المستويات لفتح الافاق امامه.غير ان هذه الفئة في بلادنا للأسف تعاني حسب ما يؤكده الأستاذ الجويلي العديد من العراقيل ومن القوانين المجحفة ومن المطبات القانونية والسياسية التي تكون نتيجتها العزوف وعدم التصويت لمترشحين ليس لهم برنامج لتحسين واقعها.
وفي هذا الإطار و بغض النظر عن الفائز في هذه الانتخابات، دعا محدثنا من في الحكم الى النظر والتمحيص في نسبة مشاركة الشباب التي تعتبر حسب تعبيره جد ضعيفة ومؤشر سلبي جدا. واعتبر انه من الضروري قراءتها كحالة غضب وكحالة شعور بالتهميش وكحالة شعور بعدم الاهتمام. كما انه من علامات النجاح في الانتخابات اخذ هذه النسبة الضعيفة في الاعتبار وقراءتها سوسيولوجيا وسياسيا ومحاولة قدر الإمكان الخروج من بوتقة العلاقة المتأزمة مع الشباب.
وكحلول للقطع مع عزوف الشباب عن الانتخابات واصلاح الموقف السلبي من العمل السياسي أكد الأستاذ محمد الجويلي على ان يكون للسياسي الذي سيتحمل مسؤولية عليا في البلاد نظرة لمشاكل الشباب وإيجاد حلول لها ، وما يقف حائلا دون تحقيق نسبة كبيرة من الشباب من تحقيق الحد الأدنى من طموحاتهم واحلامهم.
وبالتالي على الدولة وفق محدثنا ان ترفع الحواجز التي تحول دون مشاركة الشباب في الحياة السياسية بما فيها المشاركة في العملية الانتخابية والاقبال عليها وتلغيها تدريجيا حتى تمهد الطريق للشباب ليكون أكثر استقرارا وأكثر ابتكارا وأكثر شجاعة على المبادرة ليكونوا قوة بناء وفاعلة في كل المجالات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

حراك ديبلوماسي متواصل ومتنوع : تنويع العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة وتطويرها

تمثل السياسة الخارجية التي تنتهجها بلادنا احدى النقاط المضيئة، اذ وفق ثوابت معينة تعمل على…