إلى متى تظل الهجرة السرية صداعا يؤرق التونسيين؟ وأي آثار لهذه الظاهرة الخطيرة على تونس أمنيا وسياسيا واقتصاديا؟ وهل يكفي الحل الأمني في التصدي للباحثين عن أمل في الضفة الشمالية للمتوسط؟ ألم يحن الوقت للتفكير بطرائق مغايرة من أجل تفكيك الإشكاليات المتصلة بهذا الكابوس ؟
هذه الأسئلة نطرحها بتواتر واستمرار منذ فترة طويلة بعد ان استفحلت ظاهرة الهجرة السرية في بلادنا وبدأنا نلمس تداعياتها علينا بشكل جليّ. ولكننا نستعيد هذه التساؤلات بشكل أكثر إلحاحا مع كل حدث آني فائر يتصل بـ«الحرقة».
ولذلك نعيد طرحها الآن ونحن نتابع تفاصيل حادثة مؤلمة جدّت مؤخرا.
إذن واقعة جديدة من وقائع الهجرة السرية تنتهي بشكل درامي حاد تتمثل في غرق مركب على متنه مجموعة من المهاجرين غير النظاميين وذلك قبالة سواحل جزيرة جربة.
وتفاصيل هذه الواقعة أعلن عنها المتحدث باسم الإدارة العامة للحرس الوطني العميد حسام الدين الجبابلي في تصريح إعلامي اذ أكد أن وحدات من الحرس البحري تمكنت من إنقاذ 29 شخصا حاولوا اجتياز الحدود خلسة وانتشال 12 جثة من بينهم ثلاثة رضّع كانوا على متن مركب يقلهم الى السواحل الإيطالية . هذا ومايزال البحث جاريا في الوقت الراهن عن المفقودين بواسطة الغواصين وجميع الوحدات المتدخلة.
هنا من المهم ان نؤكد ان قواتنا الأمنية والعسكرية تبذل جهودا مضنية في مجابهتها لهذه الظاهرة ومحاولتها الحد منها من اجل درء تداعياتها الخطيرة اقتصاديا وامنيا وسياسيا واجتماعيا.
وقد تم بالفعل تحصين الحدود الى حد كبير وبالتالي تقلصت أعداد الباحثين عن فرص للإبحار خلسة في اتجاه أوروبا وبالتحديد السواحل الإيطالية. لكن علينا الإقرار بأن الجهد الأمني على أهميته ليس كافيا من اجل قطع دابر الظاهرة.
ففي ظل أزمة اقتصادية خانقة تمر بها تونس منذ سنوات جراء ما رافق مرحلة الانتقال الصعب من سوء حوكمة في كل المجالات ومن بينها الاقتصاد ، كان من الطبيعي ان يفكر البعض من الذين يعيشون أوضاعا هشة ومعقدة في الفرار والبحث عن فرص للعيش الكريم.
وفي السياق ذاته وفي تفاصيل هذا الخبر أكد العميد حسام الدين الجبابلي في تصريحات إعلامية أن غالبية المبحرين خلسة هم من حملة الجنسية التونسية باستثناء شخصين من المهاجرين الأجانب.
وتجدر الإشارة الى ان هذا المركب الذي كان يحمل على متنه حوالي خمسين مهاجرا غير نظامي هذا مع مراعاة بعض التضارب بشأن العدد من أكثر من طرف من بينهم نساء وأطفال قد أبحر صباحا في اتجاه السواحل الإيطالية قبل ان تحدث المأساة. هذا ولم يتسن القبض على منظم هذه الرحلة وهو حتى اللحظة في حالة فرار. وقد تولت وحدات الحرس البحري التنسيق مع جيش البر من اجل انقاذ المجتازين للحدود خلسة والحد من الخسائر البشرية ما أمكن.
والحقيقة أن تواتر مثل هذه الأخبار يجعلنا في كل مرة نذكّر بأهمية التنسيق مع شركائنا الأوروبيين في هذا الملف بالذات بمنتهى الجدية خاصة وجود مذكرة تفاهم مع الطرف الإيطالي والسعي لإقامة منتدى دولي حول الهجرة السرية يحضره الساسة والخبراء والباحثون من اجل تفكيك هذه الظاهرة من ناحية والبحث في جذورها العميقة الممتدة والسعي لإيجاد الحلول الناجعة والسريعة لها وتحميل المسؤوليات للدول المتقدمة للإسهام بشكل ملموس في الحد من هذه الظاهرة وتقليص تداعياتها على الاقتصاديات الهشة في الدول النامية ومن بينها تونس حتى لا تظل تواجه أفواج الراغبين في الهجرة سواء من التونسيين أو الأجانب.
الانتخاب فعل مواطني لا للتفريط فيه!
هل نحتاج الى ان نذكّر المواطنين بأن الانتخاب حق وواجب في الآن ذات…