ما يزال الغموض مستمرا من حول عملية اغتيال حسن نصر الله الامين العام لحزب الله رفقة عدد من قيادات الصف الأول والثاني وكانوا مجتمعين ـ حسب التقارير الاعلامية ـ بأحد الطوابق الارضية بالمقر المركزي لحزب الله لتدارس مخططات الرد على التصعيد الصهيوني وكان نصر الله قد توعّد «نتنياهو» برد قاسٍ وقوي بعد الضربة الموجعة التي تلقاها حزب الله في حادثة تفجير أجهزة الاتصالات اللاسلكية الخاصة بالحزب وأودت بحياة عدد كبير من القتلى والجرحى…
جريمة أول أمس استهدفت كما أشرنا قيادات الحزب وتحديدا حسن نصر الله القائد الرمز والذي تحول الى «قائد مرجعي» لأكبر تنظيم عقائدي مسلح في المنطقة والجدار الصلب والأخير الذي يقف في وجه العدو الصهيوني وهو أيضا الجدار الأخير الذي يتكئ عليه أهلنا في غزة وفي فلسطين بعدما توسعت قائمة الخذلان العربي.. وتدرك دولة الاحتلال أن حزب الله وقائده نصر الله هو «الشوكة» المتبقية في المنطقة التي يجب اقتلاعها حتى وإن أدى ذلك الى حرب اقليمية كما تدرك أيضا أن ايران السلطة المرجعية لحزب الله لن يتجاوز ردها «المتفجرات اللغوية» التي سترد كردة فعل على ألسنة قادتها.. وقد خبر الكيان ذلك وجربه على أرض الواقع فقد سبق له ان اغتال القيادي بحركة حماس اسماعيل هنية على الأراضي الإيرانية وهتك «شرف الارض» ورغم ذلك فإن الردّ الايراني كان ضعيفا ولم يتجاوز الوعيد مع رشقات صاروخية عبر يده الممدودة في لبنان «حزب الله» والذي تعرض بدوره لضربات موجعة من جيش الاحتلال وتم اغتيال عدد من قياداته العسكرية من الصفين الأول والثاني ورغم ذلك لم يكن الردّ في مستوى ما كان متوقعا ما اعتبر تخاذلا من طرف ايران تجاه «الابن الأكبر» الذي كان له الفضل وما يزال في توسيع نفوذ ايران في منطقة الشرق الاوسط ونعني هنا حزب الله وأمينه العام حسن نصر الله أحد أكبر الشخصيات في محور المقاومة الذي تقوده ايران في المنطقة وله الفضل ـ أيضا ـ في الاختراق الايراني للبنان وفي ترسيخها كلاعب مؤثر وقوي في بلد تتنازعه الطوائف ومنذور ـ عبر تاريخه ـ لكل هذه الارتباكات والحروب وهو في ذلك من شقاء الى شقاء ..
وعليه وبناءً على مواقف خذلان سابقة فإن ايران لن تتحرك عسكريا للرد على الكيان بعد عملية اغتيال نصر الله وإن ردّت فإن ردّها سيكون أقل وأصغر بكثير من حجم الجريمة وهي تدرك أن التصعيد العسكري في المنطقة ستكون نتائجه وخيمة وقد يفتح جبهات قتال متعددة تؤدي في الأخير الى حرب اقليمية سيحرق جحيمها المنطقة بما في ذلك ايران «فالتصعيد الايراني» ان حصل ـ ولن يحصل ـ يعني تدخلا أمريكا عسكريا مباشرا في المنطقة لحماية الكيان ولتحصين وجوده فكما تدخلت وما تزال لتفكيك المقاومة في فلسطين وفي غزة تحديدا ونجحت في ذلك فإن أمريكا لن تتردّد في اطلاق «الحرب الشاملة» في حال تحركت ايران عسكريا وهو ما نستبعده ولم يحصل حتى في حالات «هتك شرف الارض» عندما اغتالت دولة الاحتلال اسماعيل هنية على الاراضي الايرانية وعلى مرمى ومسمع من عسكرها واستخباراتها…
اغتيال حسن نصر الله الامين العام لحزب الله اللبناني يعني وبشكل واضح أن دولة الاحتلال قد اختارت الحرب أو على الأقل هي التي قرّرت الحرب وقد تهيأت لها بالفعل وهي تدرك ـ عميقا ـ بأن ايران ستعمل وستسعى لتجنّب الحرب لذلك نؤكد بأن ردّها لن يكون غير «الادانة وبالقوة اللسانية» لعملية الاغتيال مع «رشقات صاروخية» لن تستمر طويلا من جنوب لبنان تجاه الاراضي المحتلة وما عدا ذلك لا ننتظر تحركا في حجم الجريمة ما عدا الادانات التي ستقصف الكيان «بالورق المقوى»..
تحمل «عملية الاغتيال» رسالة مباشرة موجهة الى ايران لدفعها بالقبول بشروط التهدئة الامريكية الفرنسية لوقف اطلاق النار وهي الشروط التي رفضها نصر الله بقوّة وبعد عملية اغتياله تجد ايران نفسها أمام خيارين لا مفرّ من اختيار أحدهما إمّا التصعيد بما يعنيه ذلك من الذهاب في حرب شاملة وغير متوازنة وإمّا التهدئة والقبول بالمقترح الامريكي الفرنسي وهو الخيار الذي ستذهب فيه ايران كما نعتقد وكما تؤكد ذلك كل المؤشرات…
ويبقى السؤال في الاخير ما مصير حزب الله بعد اغتيال قائده وهل يعني ذلك تدميرا كاملا للتنظيم…؟
التاريخ ووقائعه تؤكد عكس ذلك… فاغتيال القائد لا يعني تدمير التنظيم والدليل أن حزب الله قد استمر وتوسّع وتحوّل الى دولة داخل الدولة اللبنانية بعد اغتيال سلف نصر الله عباس الموسوي سنة 1992 والأكيد أنه من بعد نصر الله سيطلع آخرون أكثر اصرارا على المقاومة… وأكثر ولاء لإيران المرجع الأكبر وليبقى لبنان في الأخير «وطنا في المجاز» غريبا على أرض الواقع وقد اكتظت بأعدائه…!
بقي القول أن الكيان الصهيوني لم يكن ليصل الى حسن نصر الله لولا «خيانات المرجع»..
الأخطر من الهزيمة «أوهام الانتصار»..!
لم تكن حرب الابادة في غزة سوى مقدمة أولى لحرب شاملة تعمل دولة الاحتلال على استدراج ايران …