خلال ندوة لجمعية الإقتصاديين التونسيين : البيروقراطية والجباية أهم أسباب تفاقم الاقتصاد الموازي
شرعت جمعية الإقتصاديين التونسيين بالتعاون مع معهد البحوث المغاربية المعاصرة في تنظيم سلسلة من اللقاءات والحوارات حول مواضيع اقتصادية وتحديدا حول «الديناميكيات الاقتصادية في المغرب العربي من منظور العلوم الإنسانية» بعنوان 2025-2024. وقد عقدت الجمعية اللقاء الأول من هذه السلسلة يوم الخميس 26سبتمبر الجاري بمقر بيت الحكمة بقرطاج حول «الاقتصاد اللانظامي ملاحظة وتحليل» تم خلالها تقديم مداخلتين للسيد الحبيب زيتونة أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة تونس المنار ورئيس جمعية الإقتصاديين التونسيين ومداخلة للسيد سفيان جاب الله أستاذ اجتماع وأنتروبولوجيا بجامعة صفاقس. وقد حظي هذا اللقاء بمشاركة نوعية من طرف أساتذة جامعيين وأكادميين ومختصين في البحث العلمي والعلوم الإقتصادية ساهموا في إثراء النقاش حول هذه الظاهرة الشائكة المتعلقة بالاقتصاد اللانظامي التي تعاني منها البلاد، والتي تحرم الاقتصاد التونسي من موارد هامة سنويا. ويرى السيد الحبيب زيتونة أن الاقتصاد اللانظامي يمثل أكثر من 40% من الإقتصاد بإعتبار أن هذا المفهوم لا يقتصر في نظره على التهرب أو التهريب والأنشطة المعهودة المرتبطة بالاقتصاد الموازي لدى التونسيين، وإنما هو مفهوم أوسع من ذلك بكثير يشمل كل معاملات التونسيين اليومية غير القانونية أو المعاملات القانونية غير المطابقة لأحد التشريعات سواء الجبائية أو الاجتماعية. وقال رئيس جمعية الاقتصاديين التونسيين أن الاقتصاد اللانظامي هو نتيجة ومن أجل مكافحته يجب الذهاب قدما إلى معالجة الأسباب التي أنتجت هذه الظاهرة، مضيفا في هذا السياق أن من الاسباب المساهمة في توسعها هي كلفة المطابقة للقانون في تونس العالية جدا، بمعنى ان كلفة المعاملات التي تطبق القانون 100% باهظة جدا على المؤسسات بالنظر الى الجباية العالية في البلاد هذا فضلا عن البيروقراطية، والإجراءات الإدارية ومنظومة التراخيص المطلوب القيام بها في غياب رقمنة في المعاملات. حيث تتطلب هذه المعاملات من ممثلي المؤسسات التنقل 17 مرة سنويا للتحول إلى مختلف المصالح والادارات مثل الجباية والتأمين والفحص الفني والضمان الاجتماعي وغيرها من الإدارات للحصول على التراخيص المطلوبة مما يجعل كلفة تطبيق القانون والمعاملات الادارية على المؤسسات كلفة كبيرة جدا سواء في مستوى الوقت والجهد أو في مستوى الأموال والاداءات.
ومن ثمة وحسب الاستاذ الحبيب زيتونة فانه اذا كان المطلوب مكافحة الاقتصاد اللانظامي فإن أول خطوة لذلك هي التقليص في كلفة المعاملات مع الادارة وتخفيف الضغط الجبائي الذي ارتفع الى 25% اليوم بعد ان كان في مستوى اقل من ذلك. وأكد المتحدث ايضا أنه عندما ترتفع الجباية دون أن تصاحبها في المقابل جودة في الخدمات الإدارية ونجاعة في التصرف في هذه الموارد والخدمات (بالنظر الى وجود جباية عالية في بعض البلدان الاسكندنافية لكن في مقابلها خدمات ذات جودة عالية) فهذا يفتح المجال للاقتصاد اللانظامي إضافة الى تفشي الفساد والرشوة. ومن ثمة فان الإقتصاد اللانظامي وفق مقاربته يتغذى ويتوسع من عديد العوامل التي تم ذكرها آنفا إلى جانب عوامل اخرى وبناء عليه وبهدف مكافحته وتقليصه أوصى أستاذ الإقتصاد بضرورة مراجعة منظومة القوانين الاقتصادية والتراخيص وكراسات الشروط في اتجاه تيسير فهمها وتطبيقها وترك المجال للتشجيع على العمل وخلق الثروة وتطبيق العقوبات على المخالفين بصفة بعدية. كما أكد ايضا على اهمية الرقمنة في هذا الصدد ومراجعة السياسة الجبائية عموما.
ومن جهته ولدى تدخله أوضح الأستاذ سفيان جاب الله أستاذ علم الاجتماع والانتروبولوجيا بجامعة صفاقس ان مداخلته هي نتاج لدراسة ميدانية تم القيام بها مع معاهد بحوث علمية حول الاقتصاد غير النظامي الذي يضم الشارع والحدود وفق تعبيره درست أوضاع « فارزي النفايات» أو البرباشة في تونس، والشباب العامل في توصيل الاكل، والعاملين في مواقف السيارات، وفي مجال الهجرة غير النظامية. وتوصلت الدراسة وفق تاكيده إلى وجود خمس مستويات في ظاهرة الاقتصاد غير النظامي وهي ظهور طبقة جديدة تمت تسميتها بطبقة «البريكاريا» معتبرا اياها الطبقة الأكثر هشاشة ضمن الطبقة الشعبية في تونس،حيث تضم هذه الشريحة التي تعيش خارج إطار الدولة بمؤسساتها وبخدماتها وبحقوقها لافتا الى ان المنضوين في هذه الشريحة وبحكم هشاشة اوضاعهم يلتجئون إلى الروابط والوشائج الأولية اي الى علاقات القرابة والعائلة والقبيلة لإنتاج نوع من التضامن القائم على قرابة الدم والنسب.
وهذا ما ينتج في المستوى الثالث القرب من موارد معينة متاحة مثل الحدود لتهريب سلع، أو لبيع سلع في إطار الانتصاب الفوضوي في الشارع. وهذا المستوى يحيل بدوره الى المستوى الرابع وهو الحوز:أي عندما يكون الشخص من الشريحة الهشة وله علاقات قرابة وقرب فهو ينتقل إلى الحوز لتكوين نظام اقتصادي خاص به. وهذا لا يكون الا بتوفر المستوى الخامس ألا وهو السلطة وعلاقته بالسلطة وهل أن الدولة ستترك له المجال لهذا النشاط وتتعامل معه أم لا تحت عناوين مختلفة على غرار السلم الاجتماعية او الخوف من إرتفاع معدلات الفقر أو تتعامل معه بطريقة التغافل.
وخلص الاستاذ سفيان جاب الله إلى أن الاقتصاد غير النظامي هو نتيجة لسياسات سنوات وعقود وتحيل على كثير من الهشاسة والفقر وهو يمثل ملجأ لشريحة تقاوم من أجل البقاء وعدم الانقراض عبر محاولة توفيرها الحد الأدنى.ومن ثمة يبقى البديل لمكافحة هذه الظاهرة في نظره في وضع حلَ اقتصادي وإجتماعي عبر تمكينها من الثروة من خلال إعادة توزيع الثروات والحق في عمل كريم وحقوق إقتصادية وإجتماعية أكثر بصفة عامة.
مشروع قانون المالية لسنة 2025 : تحقيق الانتعاش الاقتصادي ممكن شرط تسريع الإصلاحات
تأمل عديد القطاعات الإقتصادية ومختلف الفاعلين في هذه الفترة التي تشهد…