2024-09-24

حكومة فرنسية بنفس يميني: أي تداعيات على المشهد التونسي ؟

انتهت حالة الغموض التي تواصلت لفترة طويلة في فرنسا واعلن رئيس الحكومة ميشال بارنييه عن فريقه الحكومي الذي تكوّن أساسا من أحزاب الوسط والأحزاب المحافظة ، حدث هذا وسط تنديد وتذمر من بعض التيارات السياسية وفي مقدمتها اليسار الذي دعا الى التخلص منها في اقرب وقت ممكن.

ونظرا لطبيعة العلاقات المتينة والتاريخية بين تونس وفرنسا ونظرا لوجود جالية تونسية لا يستهان بها على الأراضي الفرنسية فمن الطبيعي ان يكون اهتمامنا كبيرا بالشأن الفرنسي  ومن البديهي أيضا ان نتساءل عن آثار ما يحدث في عاصمة الأنوار علينا بشكل مباشر او غير مباشر وتداعياتها على المشهد التونسي.

إذن ابصرت الحكومة الفرنسية الجديدة النور عقب ازمة سياسية عصفت بباريس وعلى إثر تحركات اجتماعية وتململ من قبل النخب ولكن الجدل رافق الإعلان عن الفريق الحكومي المتكون من 39 وزيرا من بينهم وزيران  من أصول عربية هما رشيدة داتي وعثمان نصرو .

فما بين خشية من ان يسيطر  ايمانويل ماكرون على هذه الحكومة التي ينتمي بعض وزرائها الى الحركة الليبرالية للرئيس الفرنسي وما بين  قلق وتخوف من ان يبسط اليمين نفوذه على القرار الحكومي ويمس القوانين المجتمعية خاصة تلك المتعلقة بالحريات الفردية مثل الإجهاض  والمثلية الجنسية وغيرها ثمة جدل كبير.

ولكن الأهم بالنسبة الينا هو كيفية تعاطي هذه الحكومة مع الملفات المتعلقة بالجالية التونسية خصوصا والجاليات العربية والافريقية  عموما من ناحية ومن ناحية ثانية كيف سيكون التعامل مع تونس من الناحية السياسية والاقتصادية وهذا مربط الفرس في تقديرنا.

فمعلوم ان الرياح التي تهب في عاصمة الانوار لها انعكاسات وتداعيات بشكل او بآخر على الفضاء المغاربي وبالتبعية على تونس نظرا لتشابك المصالح تاريخيا ولعراقة العلاقات بين المستعمر القديم وبيننا. وهي علاقات اتخذت ابعادا مختلفة وفق السياقات والمحطات التاريخية ووفق تغير وتبدل الأنظمة والفاعلين السياسيين هنا وهناك. وعرفت مدا وجزرا وما بين فترات فتور وأخرى قائمة على الانسجام والتناغم تراوحت هذه العلاقات.

ونظرا لطبيعة المرحلة الحالية سواء في تونس او فرنسا من المهم التوقف عند تفصيل هذا الحدث السياسي وتداعياته الممكنة.

فجميعنا يعلم مثلا ان الهجرة السرية صداع يؤرق السلطات التونسية تماما مثل دول القارة العجوز ومن بينها فرنسا ومع صعود حكومة يمينية ليبرالية من الأكيد ان الاتجاه في هذا الملف سيكون نحو مزيد من الضغط والانغلاق بهذا الخصوص وعدم تفهم وضعية هؤلاء المهاجرين وأيضا عدم انفتاح على مستوى الحوار مع الضفة الجنوبية نقول هذا رغم ان تونس نجحت في المرحلة الأخيرة الى حد كبير في احكام اغلاق الحدود البحرية على وجه الخصوص.

أما بالنسبة الى وضعية الجالية التونسية وباقي الجاليات العربية والافريقية فمن المتعارف عليه ان صعود اليمين غالبا ما لا يصب في مصلحتهم ويكون على حسابهم في كثير من المسائل وربما لهذا ترتفع الأصوات غالبا من قبلهم بالتنديد بالتيارات السياسية المعادية لكل الذين لا ينحدرون من أصول فرنسية والذين توافدوا على البلد عبر هجرات متعاقبة رغم ما يقدمونه من خدمات جليلة لفرنسا . فكيف سيكون الحال مع وجود وزير في الحكومة الحالية متهم بالعنصرية ؟

ويظل الشأن السياسي وهو الأهم بلا منازع لاسيما وان بلادنا مقبلة على استحقاق انتخابي مهم يرافقه منذ فترة بعض السجال السياسي داخليا وخارجيا وهو سجال انطلق في بعض جوانبه من فرنسا باعتبار ان بعض السياسيين التونسيين يقيمون في هذا البلد.

وإذا وضعنا في الاعتبار دقة المرحلة وحساسياتها ومع الشعار الذي ترفعه تونس وهو عدم التدخل في شؤونها الداخلية وعلى أساس ان الانتخابات شأن داخلي صرف يهم التونسيين دون غيرهم فإن أي دعم مباشر او غير مباشر معلن او ضمني لطرف سياسي تونسي في هذه الانتخابات او التعبير عن مواقف ما فيها انحياز لتيار سياسي قد يكون بمثابة تدخل سافر في استقلالية القرار التونسي ومساس بالسيادة وهو أمر لا يمكن القبول به لا من السلطة ولا من الشعب التونسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

النخب التونسية والرهانات الخاطئة..!

يقول المثل العربي القديم إن «أعمال العقلاء مصانة من العبث» وهذه الحكمة البليغة مهمة جدا لن…