مع الانطلاق الرسمي للسباق نحو قصر قرطاج : تنقية المناخ العام من الشوائب.. واستخلاص دروس الماضي أولى المرتكزات…
تعيش بلادنا هذه الفترة على وقع استحقاق انتخابي هام مرتقب يوم 6 أكتوبر 2024 له رهاناته وتحدياته في سياق مسار جديد له متطلباته الخاصة وسيكون كافة التونسيات والتونسيين داخل تونس وخارجها على موعد انتخابي جديد للتصويت واختيار رئيسهم للخمس سنوات المقبلة عبر صندوق الاقتراع، فهذا الاستحقاق انطلق رسميا وسط مناخ عام متوتّر نسبيا ومع بداية الحملة الانتخابية التي انطلقت خارج تونس منذ يوم أمس الخميس 12 سبتمبر الجاري لتتواصل إلى يوم 2 أكتوبر المقبل والتي ستنطلق أيضا داخل تونس يوم غد السبت 14 سبتمبر وتنتهي يوم الجمعة 4 أكتوبر 2024.
فالانتخابات الرئاسية المقبلة والتي تحدد موعدها داخل تونس يوم 6 أكتوبر 2024 وخارجها أيام الجمعة والسبت والأحد 4 و5 و6 أكتوبر 2024 ستكون محطة فاصلة في تاريخ البلاد ومرحلة جديدة على غاية من الأهمية نظرا للرهانات المقبلة المطروحة على بلادنا وعنوانها الأبرز الرهان الاقتصادي والاجتماعي.
فكافة الشعب التونسي اليوم أمام لحظة فارقة تتطلب تحمل الجميع لمسؤولياتهم والقيام بواجبهم وممارسة حقهم الانتخابي وتسجيل مشاركة واسعة في هذا الاستحقاق الوطني الرئاسي المرتقب، كما أن كافة هياكل الدولة والمسؤولين في المناصب العليا أمام مسؤوليات جسيمة بوصلتها تحمل المسؤولية والحياد وإعلاء راية تونس فوق كل اعتبار.
فافتعال الأزمات اليوم مثلا من هنا وهناك لا يخدم لا الانتخابات ولا المسار الانتخابي ولا تونس ولا اقتصادها الوطني ومستقبل مؤسساتها التي تعمل منذ سنوات ليست بالبعيدة على الرفع من تنافسيتها بعد عشرية من الانهيار تلت مباشرة الثورة نتيجة الإضرابات والاحتجاجات وتعطيل الاستثمار وعجلة التنمية والاقتصاد.. فضلا عن دفع كافة المؤسسات في مختلف القطاعات ضريبة وتداعيات جائحة كوفيد 19 وما خلّفته التوترات الإقليمية والدولية وآخرها الحرب الأوكرانية الروسية من عواقب وأزمات مختلفة.
ومن هنا يجب أن نفكر جميعا دون استثناء مهما كانت اختلافاتنا أو توجهاتنا أو الإيديولوجيا التي نحملها في إنجاح هذا الاستحقاق الانتخابي الهام وجعله نقطة انطلاق جديدة نحو البناء بعد سنوات من الانتقال العسير والتي أصبحت تعرف بـ«العشرية السوداء» التي تلت مباشرة الثورة نسبة إلى ما عرفته الدولة من حالة إرتباك وتدمير المكتسبات التي راكمها الشعب التونسي طيلة عقود من الزمن، والأخطر من ذلك كان العبث بالدولة وباستقلالية قرارها الوطني وضرب المرافق العمومية في سعي لإضعاف الدولة والتنكيل بالشعب من خلال الالتفاف على مطالبه الاجتماعية المشروعة وحقه في العيش الكريم وفي المساواة والعدالة الاجتماعية.
ونعتقد أن حجم الرهان الانتخابي اليوم واستكمال إنجاح هذه المرحلة الفاصلة في تاريخ البلاد لاستكمال المسار الاقتصادي والاجتماعي يتطلب المضي بخطى ثابتة نحو الفعل والانجاز بجهود التونسيين وعبر التعويل على الذات مثلما يتطلب أيضا وعيا مجتمعيا واسعا بدقة هذه المرحلة ورهاناتها.
فالاستحقاق الانتخابي ليوم 6 أكتوبر المقبل ليس بمحطة جديدة في تاريخ البلاد وشعبها، بل إنها محطة انتخابية في مسار جديد لاستكمال بناء تونس التي نريد ، تونس التي تجمع ولا تفرّق، تونس المختلفة والمتنوعة، تونس الديمقراطية وتونس التي تعوّل على قدراتها الذاتية وكفاءاتها والمتشبثة بقرارها الوطني وسيادتها.
ولا شك أن الشعب التونسي خبر مراحل أصعب وأحلك في تاريخ البلاد واستطاع بفضل احتكامه للعقل وتغليبه للمصلحة العليا للبلاد أن يمر إلى بر الأمان ويرسم مستقبل الأجيال القادمة في أمن واستقرار اجتماعي، فرغم الاختلافات التي نشهدها بين الفينة والأخرى فان الشعب التونسي في الأخير وفي كل السياقات الفارطة باختلاف مساراتها أثبت تغليبه للمصلحة العليا للوطن وانتصاره لتونس بعيدا عن الحسابات الشخصية الضيّقة.
كما أن الشعب التونسي له من التجارب السابقة المماثلة والمشابهة في علاقة بالسياق الانتخابي حيث عشنا انتخابات عديدة واستحقاقات على غاية من الأهمية باختلاف سياقاتها وتوقيتها الزمني ومتطلباتها،ونجح التونسيون رغم الهزّات والأزمات والانقسامات في بعض الفترات الناتجة عن افتعال الأزمات والصراعات الحزبية الضيّقة في الانتصار لتونس وإنجاح كافة هذه الاستحقاقات والمحطات الانتخابية السابقة انطلاقا من انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر 2011 مباشرة بعد 9 أشهر من الثورة ثم انتخاب «مجلس نواب الشعب» في 26 أكتوبر 2014، والانتخابات الرئاسية في 23 نوفمبر 2014 والتي انتهت بفوز الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي في دورة ثانية في 21 ديسمبر من نفس السنة، كما كان أيضا الشعب التونسي أمام استحقاق محلي حيث شهدت تونس في 6 ماي 2018، أول انتخابات بلدية بعد الثورة.
وفي 15 سبتمبر 2019 صوّت الناخبون للاختيار بين 26 مرشحا بالدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية وحقق أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد تقدمه في السباق الرئاسي إثر حصوله على ٪18.4 وفي الدور الثاني لهذه الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها المنتظمة في 13 أكتوبر 2019 فاز أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد بـ٪72.1 من الأصوات في ثاني انتخابات رئاسية بعد الثورة ليكون بذلك قيس سعيد ثاني رئيس للجمهورية منتخب مباشرة من قبل الشعب بعد دستور 2014 في ظل الجمهورية الثانية وذلك بعد الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي.
ثم كان الشعب التونسي على موعد مع الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها في دورتين دور أوّل في 17 ديسمبر 2022 ودور ثان في 29 جانفي 2023 بعد تعليق رئيس الجمهورية أعمال البرلمان ثم حله لاحقا في 30 مارس 2022 ثم تنظيم انتخابات المجالس المحلية التي جرت في 24 ديسمبر 2023 والمجلس الوطني للجهات والأقاليم في 28 و29 مارس 2024 لانتخاب 77 عضوا للغرفة الثانية للبرلمان حيث كانت هذه أوّل انتخابات للمجلس الوطني للجهات والأقاليم منذ صدور دستور 25 جويلية 2022.
فإنجاح الاستحقاق الانتخابي ليوم 6 أكتوبر المقبل لا يقتصر على المسائل التقنية ودور الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والأطراف المتداخلة في العملية الانتخابية وبعض أجهزة الدولة والقوات الأمنية والعسكرية التي تسهر على تأمين هذا الاستحقاق المهم،بل إنها مهمتنا جميعا وأولى مرتكزاتها تنقية المناخ العام الذي يبدو عموما أنه ليس في أفضل أحواله جراء صدى توترات تطفو على السطح في الفضاء العام وفي مواقع التواصل الاجتماعي وتتمظهر أيضا من خلال العناوين الكبرى للخطاب السياسي ما بين الفرقاء السياسيين والصفحات التابعة لهم وبيانات وبلاغات لعدد من الأحزاب والمنظمات.
ونرى أن من واجبنا اليوم ومن منطلق مسؤوليتنا فانه يتحتّم علينا إنجاح هذا الاستحقاق الانتخابي وهذه المرحلة المفصلية في تاريخ البلاد والتي تبدأ من العمل على تنقية المناخ العام من الشوائب والاحتكام للعقل بعيدا عن التشنج والتوترات ومن استخلاص دروس فترة «العشرية السوداء» التي تلت الثورة والتي كلفتنا الكثير وأضرّت بالدولة وبهياكلها مثلما أضرّت بالمكتسبات الاجتماعية للشعب نتيجة التجاذبات السياسية وتغليب منطق الغنيمة والمصلحة الشخصية على المصلحة العامة للبلاد والعباد.
اليوم بكافة ولايات الجمهورية التونسية: تونس تنتخب رئيسها..
يتوجه التونسيون داخل البلاد اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024 إلى كافة مراكز الاقتراع للتصويت في ا…