يقول الخبراء في أغلب المجالات أن تونس ومنذ الثورة «التي صفق لها العالم» لم تنجز شيئا على أرض الواقع على امتداد حوالي عقد من الزمن وذلك جرّاء تعاقب حكومات أهملت الشأن الاقتصادي والاجتماعي وراهنت على الفعل السياسي في معناه الاولي بالإضافة الى الجدل العقيم والسجالات التي لا تنتهي حول الشأن الديني وما حفّ به.
ولا نبالغ هنا إذا أضفنا الى ما قاله هؤلاء الخبراء أن بلادنا او بالأحرى من حكموها طوال العشرية الماضية قد أهدرت كل المكتسبات التي راكمتها خلال العقود التي تلت الاستقلال وهذا ما جعلنا كشعب تونسي نحصد «شوك» انعدام الكفاءة وسوء الحوكمة والانتهازية التي طبعت المرحلة المذكورة ولا نجني ثمار الثورة التي رفعت شعارات العدالة الاجتماعية والتنمية لكل الجهات والفئات.
ولاشك ان مكابدة عموم التونسيين وتعمّق معاناتهم بالإضافة الى أحلامهم المجهضة قادت بشكل طبيعي وبديهي الى العزوف عن السياسة ومقاطعة المنظومة التي حكمت بعيد الثورة وتوجه اهتمامهم الى معيشهم اليومي الذي يتقاطع فيه الاقتصادي بالاجتماعي.
واليوم وتونس تجتهد من أجل إرساء قطيعة حقيقية وجذرية مع المرحلة السابقة يبدو الرهان على الشأن الاقتصادي والاجتماعي في صدارة اهتمام السلطة الحالية بالعمل. وذلك من خلال الانكباب على القطاعات الحيوية وتشخيص مشاكلها والسعي الى إيجاد استراتيجيات من أجل النهوض بها في المدى المنظور والمتوسط والبعيد وفق خطط عمل مدروسة تتسق مع إمكانات الدولة.
ومما لا شك فيه ان التركة الثقيلة ومواجهتها تتطلب جهودا مضنية واعتمادات مالية كبرى ربما لا تقوى عليها ميزانية الدولة في الظرف الحالي لكن هناك نوايا لتحفيز الاستثمار الداخلي والخارجي من اجل تجاوز هذه العقبات.
وفي هذا الاطار يتنزل انطلاق أشغال المشروع الكبير للمستشفى الجامعي الملك سلمان بالقيروان المرتقب خلال الأسبوع القادم وفق ما تم الإعلان عن ذلك خلال لقاء اعلامي انتظم مؤخرا بمقر وزارة الصحة على اثر توقيع عقد انجاز مشروع هذا المستشفى بين كل من الوزارة وشركة المقاولات السعودية وذلك بحضور السفير السعودي بتونس عبد العزيز بن علي الصقر.
والأكيد ان هذا المشروع الكبير الذي طال انتظاره سيكون له الأثر البالغ بالنسبة الى عاصمة الاغالبة والوسط التونسي بشكل عام فمثل هذه المشاريع الاستثمارية بالتأكيد تخلق دينامية في الجهة وتحسن ظروف عيش المواطنين بشكل ملموس لاسيما في ما يتعلق بمجال الصحة وكذلك توفير فرص شغل لطالبيها.
إذن هذه الانطلاقة المبشرة للمشروع المذكور يمكن ان تكون بداية لحلحلة المشاريع الكبرى على غرار جسر بنزرت الذي تبدو المساعي حثيثة حتى يرى النور وغيره من المشاريع سواء تلك المتصلة بإعادة صيانة وهيكلة المؤسسات والمنشآت العمومية التي تولى رئيس الجمهورية تفقدها في فترة سابقة من بينها معمل السكر بباجة ومعمل الفولاذ بمنزل بورقيبة ومصنع عجين الورق بالقصرين على سبيل المثال وليس الحصر. او بالمشاريع الاستثمارية الخاصة للتونسيين أو الأجانب.
ولعله في هذا السياق يأتي تأكيد سفير المملكة العربية السعودية الشقيقة عند الإعلان عن انطلاق مشروع مستشفى الملك سلمان على ان الصندوق السعودي للتنمية عازم على دعم تونس من اجل تنميتها وازدهارها.
وتبدو المساعي الديبلوماسية حثيثة جدا من اجل دعم الاقتصاد التونسي عبر التنسيق مع الأشقاء والأصدقاء وتنويع الشراكات وذلك دائما في اطار الحفاظ على السيادة الوطنية واستقلالية القرار التونسي مع التحلي بقدر من البراغماتية الضرورية في السياسة من اجل تأمين مصالح بلادنا الاقتصادية.
وتبدو النية متجهة الآن في تونس نحو حلحلة الوضع الاقتصادي عبر المشاريع الكبرى لتكون القاطرة نحو الإقلاع وهذا ممكن ومتاح طالما ان الإرادة السياسية متوفرة وطالما ان هناك جهودا تبذل من اجل تحقيق هذا الهدف الكبير.
النخب التونسية والرهانات الخاطئة..!
يقول المثل العربي القديم إن «أعمال العقلاء مصانة من العبث» وهذه الحكمة البليغة مهمة جدا لن…