من أبرز الإشكاليات التي رافقت المسار الانتقالي في تونس ظاهرة التهريب والتي حدث بينها وبين الإرهاب تماس في فترة من الفترات. ورغم ان ظاهرة التجارة الموازية كانت دوما قائمة لكنها كانت قبل أحداث 14 جانفي 2011 هامشية ولا تكاد تذكر ونشاط المهرّبين في المناطق الحدودية كان تقريبا يقتصر على بعض المواد الالكترونية والملابس وغيرها. وكان تقريبا يتم بغض طرف متعمّد من القوات الأمنية مراعاة للوضع الاقتصادي والاجتماعي الهش لبعض العائلات التي تنشط في هذا المجال. ولم يكن بحال من الأحوال يهدد الاقتصاد الوطني او له تهديدات أمنية.
أما في مرحلة ما بعد الثورة فقد كان لحالة الارتباك العام والهزة التي تعرضت لها الدولة التونسية الأثر البالغ في تنامي ظاهرة التهريب وارتباطها الوثيق بظاهرة التطرف العنيف بالإضافة الى توسع مجال نشاط المهربين ليشمل تجارة المخدرات والسلاح بل وتهريب البشر وكل ذلك في اطار شبكات دولية عابرة للأوطان والقارات تمتهن كل أصناف الجريمة المنظمة وتتحكم فيها مافيات كبرى تعمد الى استغلال هشاشة الأوضاع الأمنية والسياسية والاجتماعيةوالاقتصادية في بعض البلدان لتمد جذورها وتتوزع بشكل اخطبوطي تصعب السيطرة عليه.
وإذا كان هذا الشأن على امتداد السنوات التي تلت احداث 14 جانفي 2011 فإن الوضع تغير في السنوات التي تلت بعد ان استعادت القوات الأمنية والعسكرية زمام الأمور بشكل تام واظهرت جاهزية قصوى إزاء كل الظواهر الاجرامية العابرة للحدود وفي مقدمتها الإرهاب حيث تمكنت قواتنا المسلحة من تقليم اظافر خفافيش الظلام وطاردتهم في المرتفعات الغربية بشكل متلاحق حتى كادت تقطع دابرهم بشكل نهائي.
اما بالنسبة الى الحرب المفتوحة على التهريب فهي ما تزال دائرة وهي معركة ضارية وتتطلب نفسا طويلا وجهودا مضنية وهو ما تقوم به القوات الأمنية بمعاضدة الجيش الوطني في بعض الحالات.
ومافتئت هذه الأجهزة تمدّ الرأي العام من حين إلى آخر بنتائج مقاومتها لظاهرة التهريب والتجارة الموازية.
وفي هذا الإطار تتنزل آخر المعطيات التي قدمها العميد حسام الدين الجبابلي الناطق باسم الحرس الوطني الى الإعلام .
فقد أفاد بأنه تم احباط حوالي 300 عملية تهريب من مختلف وحدات الحرس الوطني في جهات متعددة من الجمهورية الى حدود شهر أوت المنقضي . كما بلغت قيمة المحجوزات حوالي 150 مليون دينار متجاوزة بذلك قيمة ما تم حجزه السنة الماضية في الفترة نفسها.
وأكد الجبابلي خلال هذه التصريحات الصحفية ان جهود الحرس الوطني متواصلة لمكافحة شبكات التجارة بالأشخاص والإطاحة بالمهرّبين.
ولأن ظاهرة التهريب ارتبطت أيضا في الآونة الأخيرة بظاهرة الهجرة غير النظامية حيث نشطت شبكات الاتجار بالبشر الدولية من اجل ايفاد جماعات من مواطني افريقيا جنوب الصحراء الى تونس تمهيدا لرحيلهم الى أوروبا عبر ما يعرف بقوارب الموت ومعلوم ان هناك إشكاليات معقدة نتجت عن وجودهم في بلادنا بشكل غير قانوني وما يزال هذا الملف يراوح مكانه. هذا رغم ان الجهود الأمنية كبيرة جدا في هذا الخصوص سواء تعلق الامر بمراقبة الحدود البرية ومنع توافد المهاجرين من بلدان افريقيا جنوب الصحراء على أراضينا او بالنسبة الى حراسة مياهنا الإقليمية ومنع تسرب هؤلاء المهاجرين أيضا الى جنوب إيطاليا عبر البحر.
وفي هذا السياق أكد العميد الجبابلي أنه تم منع أكثر من 30 الف شخص من دول جنوب الصحراء من اجتياز الحدود البرية التونسية خلسة خلال الثمانية اشهر الماضية من العام الحالي.
ولعل المؤشر المهم الذي تمّ ايراده في هذه التصريحات هو أن عدد الأشخاص الذين يحاولون التسلل خلسة الى داخل التراب التونسي عبر حدودنا البرية بدأ في التقلص بشكل ملحوظ مقارنة بالسنوات الماضية وذلك نتيجة لاستراتيجية محكمة تم وضعها لهذا الغرض، وقد بدأت تؤتي أكلها مؤخرا.
وذكّر العميد الجبابلي بأن إلغاء التأشيرة على افارقة جنوب الصحراء في بلادنا قد جعل العديد من القادمين الى تونس للدراسة او العلاج او السياحة يتجاوزون مدة اقامتهم القانونية ثم يعمد بعضهم الى محاولة اجتياز الحدود خلسة في اتجاه الفضاء الأوروبي وذلك عن طريق بعض المهربين الذين ينشطون في شبكات الاتجار بالبشر.
وهكذا تبدو ملامح الدائرة الجهنمية التي يرتبط فيها التهريب بالتجارة بالبشر وحتى بالإرهاب لكن الإيجابي الآن هو أن الجهود المضنية التي بذلتها أجهزة الدولة بدأت تؤدي الى السيطرة على هذه الظواهر الخطيرة.
العائدون من سوريا.. مـــاذا سنعدّ لهم..؟
سقط نظام بشار الأسد في سوريا وثبت أن بيته أوهن من بيت العنكبوت وان جيشه فقد العقيدة والثب…