رغم مرور قرابة السبعين عاما عن صدور مجلة الأحوال الشخصية يوم 13 أوت 1956 ورغم التغييرات التي عصفت بالمجتمع التونسي في كل مناحي الحياة إلا إن التشريعات الواردة في هذه المجلة كانت وما تزال وستظل ثورة حقيقية في مجال حقوق النساء ولذلك أصبحت عيدا للمرأة التونسية تمتاز به عن باقي النساء في محيطها الإقليمي.
ولكن هذه التشريعات التي كانت تقدمية جدا في ذاك الزمان وثورية جدا بالنظر الى جمود السياق الاجتماعي الذي ولدت فيه ولولا الإرادة السياسية لما كانت لترى النور إلا ان الحصيلة وبعد حوالي سبعة عقود من الزمن في المجال الاجتماعي ما تزال دون المأمول ونحن نتابع مظاهر الردة كل يوم على منجز النساء كما نعاين تجليات الرفض لتموقع المرأة سياسيا واقتصاديا كما نلحظ وهذا هو الأخطر الهوة الكبرى بين التشريعات الثورية في زمنها وبين واقع النساء المأزوم حرفيا.
ولأن الظواهر الاجتماعية المتصلة بالنساء كثيرة ودوما ما نتطرق اليها في كل المناسبات وأخطرها ظاهرة قتل النساء التي تتواتر بشكل لافت في الآونة الأخيرة دون أن ننسى الهشاشة الاقتصادية والنفسية إلا ان ما يعنينا في هذه الورقة هو تمكين النساء وتشريكهن في صناعة القرار السياسي من أجل صوغ مستقبل تونس ومصيرها.
وهنا ثمة الكثير من الكلام الذي يمكن ان يقال خاصة ونحن نتابع تواتر أنباء عن إمكانية تحوير وزاري مرتقب نأمل ان تتبوّأ فيه السيدات مكانة مهمة تترجم كفاءتهن واقتدارهن.
ولكن لننظر اجمالا الى المشهد التونسي برمّته ألا تبدو مكانة المرأة في صنع القرار محدودة بالنظر الى تاريخية التشريعات التقدمية التونسية وفي صدارتها مجلة الأحوال الشخصية التي نحن بصدد إحياء ذكرى صدورها كعيد وطني دأبنا على الاحتفاء به سنويا.
فإذا ما نظرنا الى كل القطاعات تقريبا نجد أنها مؤنثة حرفيا سواء مجال الصحة أو التعليم أو البحث العلمي أو الإعلام فكل المخابر التي تصنع فيها الكفاءة النوعية تؤثثها النساء لكن ومع الأسف في هذه المجالات ذاتها وعلى مستوى صناعة القرار الهيمنة ذكورية بامتياز.
نحن هنا نرصد مفارقة عجيبة نشخّصها ولكن يصعب ان نتفهمها فالنظر الى الإرث التحديثي التليد وباعتبار فاعلية أدوار النساء والمهمات الكثيرة الموكولة لهن في المجتمع لا يمكن ان يكون دورهن بهذه المحدودية على مستوى صناعة القرار. هنا نحن نقرّ بأن هناك تطورا على مستوى العدد بالنسبة الى تولي النساء حقائب وزارية لكننا ما نزال نأمل في أدوار في صناعة القرار السياسي من ناحية وعلى مستوى التمكين والشراكة الفاعلة والناجعة في المؤسسات الكبرى المعنية بوضع سياسات الدولة حتى لا تظل المرأة مجرد أداة «تنفيذ» لا غير وبحثا عن إمكانات الاستفادة من القدرات الإبداعية للنساء من ناحية أخرى.
ومعلوم ان مشاركة المرأة في الشأن العام تشكّل إضافة حقيقية وتخلق تنوعا لا محدودا على مستوى الرؤى والأفكار كما ان وصولها الى دائرة صناعة القرار أمر بالغ الأهمية فهو شأن تنموي بامتياز إلى جانب كونه مدخلا مركزيا للفعل والتأثير في السياسات العامة.
ومايزال هذا الموضوع احدى ابرز الإشكاليات المطروحة اليوم بالنسبة الى المهتمين بالشأن النسوي أو قضايا الجندر وما يدور في فلكها تماما كما انه مشغل حقيقي من مشاغل النساء اجمالا لاسيما اللواتي لا يتمتعن بالمناصب والمكانة على قاعدة تكافؤ الفرص في مؤسساتهن.
ورغم ان القوانين والتشريعات دائما ما كانت داعمة ومعززة لدور المرأة في الشأن العام وضامنة لوصولها الى موقع القرار إلا ان المجتمع ما يزال متحفظا إزاء النساء وما يزال محكوما بالفكر الذكوري الذي لا يختلف في شيء عن المجتمعات التي سبقناها في مجال التحديث بأحقاب. كما أن هذا المجتمع يكبّل المرأة بالمسؤوليات العائلية التي تجعلها أحيانا تختار هذه المهنة على الترقي الوظيفي والوصول الى مراتب عليا وهذا مطروح في مجالات عديدة من بينها الحقل الاكاديمي على سبيل الذكر لا الحصر.
وإذا كان منطلق حلحلة هذا الموضوع هو الإرادة السياسية بالتأكيد عبر تعيين السيدات في مناصب عليا ومن بينها الوزارات كما هو حاصل اليوم فإن هناك عملا كبيرا ينتظر الإعلام والنخب المثقفة والجمعيات الحقوقية من أجل تغيير البنية الذهنية لمجتمعنا بهدف تحطيم الصورة النمطية التي رسمها المخيال الجماعي للمرأة وذلك بحثا عن توازن وتكافؤ فرص حقيقيين بين الجنسين في الشأن العام والحق في المساهمة في صناعة القرار والشراكة الفاعلة من اجل تطوير مجتمعنا بما يتسق مع التحديات المطروحة عليه راهنا في كل المجالات.
اتّساقا مع الرهانات الوطنية والإقليمية والدولية : المضيّ بخطى ثابتة نحو أفق جديد
على الجميع ان يحثّ الخطى في الاتجاه الذي رسمه الشعب لبناء تاريخ جديد … هذه الجملة هي…